مقدمة ! ربما لا يعرف القارئ السوداني كثيرا من أبداعات ( شطحات ؟ ) القدافي ! عينة كمثال وليس الحصر : + كان القذافي يحتفظ بسلحفاة وليدة ، ليتأكد ( بنفسه ) إذا كانت سوف تعيش ، فعلا ، مائتي عام ، كما يدعي علماء الحيوان ؛ + كان القدافي يغار من ، بل حانق علي الأنسان العظيم ، لان أحدهم أخبره بأن السودانيين يطلقون عليه ( ابو الكلام ) ! تعجب القدافي وتسأءل : هل هناك ( ابو كلام ) غيري في هذه الدنيا ؟ + أبتدع القدافي النظرية العالمية الثالثة ، وضمنها كتابه الأخضر ، الذي يفصل فيه الحل النهائي لمصائب الانسانية ! تضمن الكتاب الأخضر ، اكتشافات علمية أصيلة ، لم يصل لها مخلوق قبله ؛ منها أن المراة تحمل وتنجب ، بينما الرجل لايمكنه ذلك ؟ غيض من فيض ؟ لا يكابر مكابر ان القدافي كان يجسد الشر المطلق ! كان خلطة شيطانية من الأستبداد التسلطي ، والسفه ، والأنفصام المرضي ! نعم … كان القدافي يمثل حالة مرضية فريدة ! وصدقت من قالت ان الطغاة ، من أمثال القدافي ، اذا دخلوا قرية ، أفسدوها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة ؛ وكذلك يفعلون ! كان القدافي ناظرأ لمدرسة الجرذان ، والكلاب الضالة ، وجراثيم ومكروبات الحاج يوسف ! وبحمده تعالي ، حرق ضحايا المدرسة مدرستهم ، وسحلوا ناظرها ! ولكن رغم ذلك ، لا بد أن كل واحد من العرب قد شعر بالخجل والعار للنهاية الماساوية اللا أنسانية ، التي لاقي بها القذافي ربه ! كما ذكرنا في مقالة سابقة ، أقنع الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي ، الرئيس ساركوزي بأرسال المقاتلات الفرنسية ( الخميس 17 مارس 2011 ) ، لقصف طائرات ومدرعات ودبابات ومجنزرات قوات القدافي المتقدمة نحو بنغازي ! الأمر الذي قاد ، فيما بعد ، الي تدخل الناتو ، وسحق قوات القدافي … وتوج ، في النهاية ، بنجاح الثورة الليبية ! كتب السيد ليفي ( الذي لا يمكن أن نتهمه بالتعاطف مع القدافي ) مقالا مطولا في جريدة ليبراسيون الفرنسية ، يدين فيه ، وبشدة ، الهمجية والوحشية ، التي أغتيل بهما القدافي ، وهو أسير حي ، لا يملك من أمر نفسه شيئأ ! كما شعر اوباما وبوتين وغيرهم من زعماء العالم بالاشمئزاز من الفيديوهات التي تصور الدقائق الأخيرة من حياة القذافي ! وتصور جثمانه بعد موته ، وفرجة العوام الشامتين عليه ( وأطفالهم ؟ ) ، الذين يبغون التاكد من صحة موته … تشفيأ ! مشاهد سحل القدافي علي الفيديوهات الانترنيتية لوثت ببقع زفتية سوداء اللون ، الثوب الابيض ، الناصع البياض ، الذي تلبسه الثورة الليبية ! ألم يقل الرسول ( ص ) لأعدائه : أذهبوا فأنتم الطلقاء ! اولم يحذرنا ديننا الكريم من التمثيل ، بعد الموت ، حتي بالكلب السعران ! ( اتقوا المثلة ؛ ولو بالكلب العقور )! ألم يأمرنا الله سبحانه وتعالي ،في الأية 8 من سورة الانسان ، بأن نطعم الأسير ، مما نحب من الطعام ، وليس من أي طعام : ( ويطعمون الطعام على حبه ، مسكينا ويتيما وأسيرا ) ( 8- الأنسان ) ألم يأمرنا الله سبحانه وتعالي ، كذلك في الأية 8 من سورة المائدة ، بان لا نرد علي ظلم الطغاة لنا ، بظلم مماثل عندما يقعون في ايادينا ؟ بل نرد علي ظلمهم ، وعلي كراهيتنا لهم المبررة ( شنان قوم ) بالعدل … فهو أقرب للتقوي … فالتقوي سدرة المنتهي : ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ ! اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ ! وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ ! إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ﴿ 8 – المائدة ) هل شاهدت الغوغاء تغتصب الطاغية القدافي جنسيأ لتحقيره ؟ هل شاهدت أحدهم يحاول أدخال عصا في مؤخرة القدافي ؟ وأخرون يمسكون بالقدافي ، يصفعونه علي وجهه ، ويضربونه علي رأسه ، ضرب غرائب الأبل ؟ نعم … هل شاهدت مصرع الطاغية القذافي ، الذي مات سحلا وضربأ بالأيادي والاحذية ومؤخرات البنادق ، قبل أن يموت برصاصة الرحمة من مسدسه المذهب ! رصاصة أطلقها شاب عمره 21 عاما ، وتملأه مشاعر الغضب والكراهية ، وأراد الانتقام ! مصرع القدافي يذكرنا بغيره من الطغاة في التاريخ البشري ، الذين ظلموا انفسهم ، بظلمهم الناس ، حسب ما سوف نورد من امثلة أدناه ، وكذلك حسب ما جاء في الأية 40 من سورة العنكبوت : ( فكلا آخذنا بذنبه ! فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ! ومنهم من اخذته الصيحة ! ومنهم من خسفنا به الارض ! ومنهم من اغرقنا ! وما كان الله ليظلمهم ! ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ! ) ( 40 – العنكبوت )! هناك فرق بين موت القدافي الماساوي ، والموت الاكثر ماساوية ، لكثير غيره من الطغاة في التاريخ البشري ! الفرق هو أن موت القدافي قد تم تصويره بالموبايلات ، وشاهده العالم بأسره في دقائق معدودات ! في عام 1958 ، مات الملك الملاك فيصل الثاني ( 23 عام ) ملك العراق ، موتأ بطيئأ وموجعأ علي الخازوق ، وقطعت الغوغاء جسمه ، أربأ أربأ ، ولعبت بجمجمته ، وعليها دمائها ، ماتش كرة قدم ! في عام 1996 ، خصت الغوغاء رئيس جمهورية افغانستان ، الماركسي محمد نجيب الله ، أمعانأ في تحقيره ، وجرته علي شوارع كابول الترابية ، ثم علقت جثته ، بعد شنقها ، علي عمود ، في ميدان في منتصف كابول ، لكي يراه السابلة ، ويتأكدوا من موته ! وبعدها مزقت الغوغاء جثته أربأ أربأ ! وعافت بقايا جيفته المتعفنة حتي كلاب كابول ! بعد هزيمة ايطاليا في الحرب العالمية الثانية ( 1945 ) ، فر بنيتو موسوليني ، مع عشيقته ، متخفيأ ، خارج مدينة ميلانو ! أكتشفه أحدهم ! فقامت الغوغاء بقتله ، وعشيقته ، فورأ ، رغم تذلل وتوسلات موسوليني ! قامت الغوغاء بركل جثة موسوليني ، والبصق عليها ! ثم علقت جثته ، علي عمود ، في محطة بنزين ، في ميدان دونجو ، وسط ميلانو ، من رجليه بواسطة صنارة جزار مغروسة في كل رجل من رجليه ، ورأسه الي أسفل ، كما الخروف المذبوح ! وبقيت جثته معلقة لمدة أسبوع ، والرائح والغادي ، يركل راس الجثة المعلقة ، ويبصق عليه ! حدث هذا في أيطاليا المتحضرة ، ولم ينبس أحد ، وقتها ، ببنت شفة ! أمران يستحقان الأشارة اليهما : + زادت نهاية القدافي الهمجية من مشاعر الاسلاموفوبيا ( كراهية الأسلام ) في الغرب ، لربط الناس بين همجية ثوار ليبيا ، والاسلام ! + أما في اسرائيل ، فاصبح الناس يرددون مقولة يهود باراك ، وزير الدفاع : أسرائيل فيلا وسط الغابات العربية ! ويؤكدون ان لا سلام مع الفلسطينين والعرب الهمج ، بل قهر وتخويف ، لقمعهم وأذلالهم ، لتجنب شرهم ! في المقابل للفيلم الليبي الوحشي ، وفي بوخارست في عام 1989، تم أعدام الطاغية نيكولاي تشاوسسكو ، برصاصة واحده في راسه ، وهو يلبس بدلته الكاملة ، وعليها منديل من نفس لون ربطة عنقه الانيقة ! وزوجته علي جانبه في افخر ثيابها وعطورها الباريسية ، تترنح من طلقة في رأسها ! موت في كرامة ! الم يقل سبحانه وتعالي في محكم تنزيله ولقد كرمنا بني ادم ! كرم المولي سبحانه وتعالي بني ادم حيأ وميتأ ! ولكن خالف ثوار ليبيا التعاليم القرانية ، وكذلك الأعراف الوضعية ، وقوانين حقوق الانسان الدولية ! ولكن وحقا … من يعش بالسيف ، يموت به ! ثم الاية 148 من سورة النساء تقول : ( لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ! إِلاَّ مَن ظُلِمَ ! وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ( 148 - النساء ) هذه الاية اباحت للمظلوم ( من أمثال ثوار ليبيا ) ، أن يجهر بما لايرضي الله من سوء القول ، وربما سؤء الفعل ! وأن كان القران يركز ، كقاعدة عامة ، علي العدل والقسط ، وينهانا عن أخذ القانون بأيادينا ! تم قُتل القدافي في ساحة حرب جارية ، والمعركة حامية الوطيس ! لم يتم قتل القدافي في بيته الآمن ، مثل الاف الفلسطينيين ، الذين تدمرهم الصواريخ الأسرائيلية ، كل يوم ! أكتشف الثوار القدافي ، بشكل مفاجيء ، وهو يحمل سلاحه ! صرخ الثوار ، في هيستريأ ، غير مصدقين أنهم أمام القدافي شخصيأ ! لم يتم أعدام القدافي ، حسب خطة مدروسة قبليأ ومسبقأ ، مع سبق الإصرار والترصد! بل عشوائيأ ، بواسطة شباب في حالة هيجان ، وسط معركة حربية حامية الوطيس ! نعم … تم أغتيال القدافي في لحظة ذئبية أمتزج فيها فرح الثوار بغضبهم العارم ، وعلت صيحات الانتقام والثار الحيواني ، من الشباب الهائج ! هذا أمر يمكن فهمه من شباب طائش ! ولكن لا يمكن قبوله ، بل تجب أدانته ! ولكن الامر الذي لا يمكن فهمه ، هو نشر السلطات الليبية لفيديو اغتيال القدافي علي الأنترنيت ، الأمر الذي صدم المجتمع الدولي ! لم تعمل السلطات الليبية بفضيلة الدكتور علي الحاج ( خلوها مستورة ) ! والأدهي والأمر ان السلطات الليبية وضعت جثمان القدافي علي مرتبة قذرة ملطخة بالدماء ، في حجرة ثلاجة لحفظ اللحوم المذبوحة ، وهو شبه عار ! بينما يقوم العوام والغوغاء واطفالهم بالتفرج الشامت ، علي جثته ، والتقاط الصور من موبايلاتهم ، وهم فرحين ! هرعت العوام لرؤية جثمان القدافي ، لتتأكد بأم عينيها ، من هلاك الطاغية ! لم تصدق العوام ان القدافي الأسطورة ، بشر مصيره السحل والموت ! استمرت هذه المسرحية الكافكاوية لمدة 5 ايام من يوم الخميس الي يوم الاثنين ( 20 – 24 أكتوبر 2011 ) ، حتى تعفن جثمان القدافي ، وفاحت رائحته ! ورغم ذلك استمر العوام في التلذذ بالتفرج علي الجثمان ، وهم يغطون أنوافهم بالكمامات الواقية من الروائح الكريهة ! صور مشاهد لحظات اغتيال القدافي الدرامية ، وتوسلاته لمغتاليه ، علي الفيديوهات ، حطمت أسطورة الأخ القائد ! ونسفت عقيدة عبادة شخصية الاخ القائد ، وسحرها لدي العوام ! هوت رمزية الأخ القائد ، وصار الي كتلة من العفن ، تفوح منها الروائح الكريهة ! ثم قامت السلطات الليبية بدفن جثمان القدافي في مكان مجهول ، وسط الصحراء ، وفي سرية كاملة ! ورفضت تسليمه لأسرته ، او لقبيلته ، لدفنه ! ربما يرجع السبب وراء هذه الوحشية المفرطة الي وحشية القدافي الخرافية ، وذئبية نظامه الشيطاني ! لكل فعل ، رد فعل مساو له في القوة ، ومعاكس في الأتجاه ! الم يقل سبحانه وتعالي في الاية 126 من سورة النحل ! وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به … ( 126 – النحل ) ولم يفعل الثوار أكثر من سقي القدافي من نفس كاسه ! ألم تفز ليبيا بقصب السبق في عدد الضحايا بين كل البلاد العربية الثائرة ؟ 50 الف من الشهداء ، ومثلهم معهم من المفقودين والجرحي ! مقابل ثلاثة الاف ونيف شهيد في سوريأ ، ومقابل 300 الف شهيد في دارفور ، و3 مليون نازح ولاجئ دارفوري ؟ ثم ماذا سوف يبقي في ذاكرتنا من القدافي ، وسنواته ال 42 ؟ سنتذكر فقط الوجه الدموي للقذافي وصياحه البئيس … لا تقتلوني ! كان القذافي وحيدا تماما ؛ وكان هذا الصياح الذليل آخر ما أطلقه القذافي ! لم يبق من أرث القذافي غير هذا الصياح البئيس ! وما كنا مهلكي القرى ؛ إلا وأهلها ظالمون ( 59 – القصص ) ثقافة القوم الأنتقامية في ليبيا تذكرنا بثقافة القوم التسامحية في بلادي ! ارسل الانسان العظيم برقية تعزية لاسرة السفاح نميري … السفاح الذي اغتال الاستاذ العظيم … السفاح الذي اغتال عبدالخالق محجوب … السفاح الذي اغتال الشفيع … السفاح الذي اغتال الاف من انصار الانسان العظيم الشرفاء , والاف مؤلفة من كرام المواطنين … السفاح الذي شرد واهدر كرامة كل سوداني شريف وفيهم الأيقونة محجوب شريف ! قال الانسان العظيم في برقيته : ( ومهما كان بيني وبين المرحوم من خلاف في حياته ، فيجمع بيننا اخاء الدين واخاء المواطنة ! وهو الان امام حكم عدل اسماؤه تسعة وتسعون ! ولكن اوجب علينا في الصلاة وفي تلاوة القران وفي الشروع في كل الامور ، ان ندعوه الرحمن الرحيم … ان رحمته وسعت كل شئ …) ! هذه ثقافة القوم في ليبيا ! وهذه ثقافة القوم في بلادي ! فأنعم بها من بلاد … بلادي ! [email protected]