* محمد عيسى عليو لم تمكنني* الظروف من متابعة آراء الإنقاذيين والآراء المضادة لهم في* مناسبة عيدهم الأخير* 2012*/6*/30م،* وكذلك لم تمكنني* الظروف من متابعة مراحل توقيع وثيقة البديل الديمقراطي*. فقد كنت في* الشهرين الماضيين في* أسفار داخلية أخذت مني* كل مأخذ*. ولكن بحمد الله كنت احتفظ بالبيان الأول للإنقاذ الذي* تُلى في* أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمنظورة في* 1989*/6*/30م،* وبمقارنة خفيفة بين* 89م و2012م* يمكن للإنسان أن* يتوصل إلى الحقيقة،* والمصادفة الطيبة الأخرى أن الباشمهندس آدم عبد الرحمن مفوض مفوضية الأراضي* بالسلطة الاقليمية لدارفور قد وفر عليَّ* جهد البحث عن وثيقة البديل الديمقراطي،* فقد استخرجها لي* من النت،* بل أضاف إليها ملاحظات مهمة،* ونقداً* موضوعياً* استفدت منه أيما استفادة،* فالأخ والصديق آدم رجل مطلع ومثقف،* لا تزوره إلا وتجده* يحتضن جديداً* من الكتب والدوريات والمقالات النادرة،* فله مني* الشكر والتقدير*. إذا عُدنا لموضوعنا لتناول بيان الانقاذ الأول والوضع الراهن والبديل الديمقراطي* الذي* تقوم به المعارضة،* نجد أن الأوضاع فعلاً* مأزومة،* وأن الإنقاذ فشلت فشلاً* ذريعاً* في* برامجها ومراميها،* ولتأكيد ذلك* يمكن الرجوع إلى مقتطفات من البيان الأول،* فكونوا معي،* ماذا قال قادة الانقاذ؟ قالوا ان الحكومات السابقة عرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية وزلزلت الاستقرار وأضاعت هيبة الحكم والقانون والنظام*. وفي* هذا أعتقد أن الزلزلة والهزات السياسة والاستقرار وهيبة الحكم حصلت في* عهد الانقاذ أكثر مما حصلت في* عهد الحكومات قبلها،* ولا داعي* لكثرة الجدال*. وفي* مجال العنصرية والقبلية قال البيان الأول،* إن العبث السياسي* قد أفشل التجربة الديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارة النعرات القبلية والعنصرية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح في* دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما* يجري* في* الجنوب من مأساة وطنية وإنسانية،* ونقول مهما كانت القبلية موجودة في* عهد ما قبل الإنقاذ إلا أنها لم تكتب رسمياً* في* أرانيك التوظيف والخدمة الوطنية واللجان الشعبية حتى في* توزيع السكر*. أما الحرب في* دارفور وجنوب كردفان والجنوب وإذا أضفنا لها حروب الشرق،* فإنها في* زمن الانقاذ ذهبت حرائقها بعيداً* بعيداً* حتى خارج حدود الوطن،* ومن الناحية الاقتصادية فقد قال البيان الآتي*: »لقد تدهور الوضع الاقتصادي* بصورة مزرية،* وفشلت كل السياسات الرعناء في* إيقاف هذا التدهور ناهيك عن تحقيق أي* قدر من التنمية،* فازدادت حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم* يسبق لها مثيل،* واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم،* اما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها،* مما جعل كثيراً* من أبناء الوطن* يعيشون على حافة المجاعة،* وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي* إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطل الانتاج*«. ولا تعليق،* فالحال* يُغني* عن الاجابة*. أما عن الفساد فقد قال البيان*: »انشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة،* وكل هذا مع استشراء الفساد والتهريب والسوق الأسود،* مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراءً* يوماً* بعد* يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في* ضبط الحياة والنظام*«،* ولا تعليق فالمقارنة جلية وواضحة،* أما عن التشريد للصالح العام فقد قال البيان*: »لقد امتدت* يد الحزبية والفساد السياسي* إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام،* مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية*«،* وبمقارنة بسيطة نجد أن الانقاذ شردت للصالح العام اضعافاً* مضاعفة مقارنة بما قامت به حكومة الاحزاب*. أما عن العلاقة الخارجية فقد قال البيان الأول*: »لقد كان السودان دائماً* محل احترام وتأييد كل الشعوب والدول الصديقة،* لكن اليوم أصبح في* عزلة تامة،* والعلاقات مع الدول العربية أضحت مجالاً* للصراع الحزبي،* وكادت البلاد تفقد كل أصدقائها على الساحة الإفريقية،* وقد فرطت الحكومات في* بلاد الجوار الافريقي* حتى تضررت العلاقات مع أغلبها،* وتركت الجو لحركة التمرد تتحرك فيه بحرية مكنتها من إيجاد وضع مميز أتاح لها عمقاً* استراتيجياً* لضرب الأمن والاستقرار في* البلاد،* حتى انها أصبحت تتطلع إلى احتلال وضع السودان في* المنظمات الاقليمية والعالمية*«. وعن وحدة البلاد قال البيان*: »إن القوات المسلحة أقسمت ألا تفرط في* شبر من أرض الوطن،* وأن تصون عزته وكرامته،* وأن تحفظ للبلاد مكانتها واستقلالها المجيد*«. ولا* يتغالط اثنان ولا تتناطح عنزتان في* أن هذا البيان لم* يحقق أهدافه المرجوة على مر ثلاث وعشرين سنة الماضية التي* عاشتها ولازالت تعيشها الانقاذ،* وربما كانت أهدافهم نبيلة وطموحاتهم عظيمة إلا ان الواقع كان مختلف جداً،* بل الأمور ذهبت إلى عكس ما* يشتهي* الانقاذيون،* ولو استقبلوا من أمرهم ما استدبروا،* فقد ضاع ثلث الوطن،* والثلث الثاني* في* الطريق بعد التنازلات الأخيرة لقطاع الشمال،* وهم سيركبون* »مكنة*« قطاع الجنوب وتبدأ نيفاشا الثانية،* وأولها التنازل من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية،* ثم* يبدأ العد التنازلي،* وهكذا الاقتصاد والسياسة الداخلية من حكم لا مركزي* وغيره،* إذن البلد في* عد تنازلي* سريع ومريع فلا بد من انقاذ،* فجاءت وثيقة البديل الديمقراطي* وهي* ليست بديلاً،* فقد قرأت صفحاتها الست أكثر من مرة ولا جديد فيها* يعبر عن مأساة الوطن،* حديث فضفاض لم* يغص أبداً* في* مشكلات البلاد في* طولها وعرضها وهامشها وفقرها*. لقد انتابتني* القشعريرة وعندما قرأت البند الثاني* للوثيقة الذي* يقول*: »تدير البلاد خلال الفترة الانتقالية حكومة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية والفصائل الملتزمة والموقعة على برنامج وثيقة البديل الديمقراطي،* مع مراعاة تمثيل النساء والمجتمع المدني* والحركات الشبابية والشخصيات الديمقراطية المستقلة،* وتلتزم الحكومة الانتقالية بنص وروح الإعلان الدستوري*«. وهذا البند وحده* يجعلني* لا أواصل قراءة بقية بنود الوثيقة،* أولاً* ما معنى مطالبتنا بفطم المؤتمر الوطني* من الرضاع من ثدي* الحكومة قبل الدخول في* أية انتخابات*.. لماذا!؟*! الاجابة حتى لا* يستغل سلطات الحكومة في* التأثير على الانتخابات،* كيف نحرم للآخرين ما نحلله لأنفسنا،* حلال على بلابله الدوح حرام على الطير من كل جنس*. إن أي* بديل ديمقراطي* في* السودان لا بد له من البدء بالمراحل التالية،* وذلك وفقاً* لتجاربنا السابقة المتسرعة لحصاد الحكم*: 1*- الاتفاق على حكومة* »تكنقراط*« محايدة تماماً* برعاية حكم عسكري* يهتم بحراسة الحدود والدستور المتفق عليه*. 2*- أن تكون هناك أهداف محددة لهذه الحكومة منها*: *»أ*« تحسين العلاقات الخارجية لتسهيل مجرى النقد الأجنبي* لينداح إلى تحسين حالة المواطن المعيشية أولاً،* ولحلحلة المشكلات الوطنية،* وبالاتفاق مع المجتمع الدولي* نحاول اعادة استيراد مشكلاتنا التي* صدرت في* وقت سابق،* ولا نستغنى أبداً* عن مساعدة المجتمع الدولي* لنا حتى قرارات المحكمة الجنائية*. *»ب*« حل كل المشكلات الوطنية بما في* ذلك حل مشكلة الحركات المسلحة في* دارفور وحل مشكلة النيل الأزرق وجبال النوبة وأبيي* بمفهوم وطني* يتماشى مع التطور الوطني* في* حقبة ما بعد الإنقاذ*. *»ج*« تشرف هذه الحكومة على برامج الانتخابات وتنفذها*. *»د*« تنظر هذه الحكومة في* أهداف الأحزاب وتعالج معها رواسب الماضي،* إذ أن هذه الأحزاب حتى من عناوينها تبدو أنها مازالت تعيش ماضيها،* فما معنى حزب الأمة وما معنى الاتحادي* الديمقراطي؟ هذه عناوين لمسميات تاريخية عفى عليها الزمن،* حيث كان الصراع على هذه العناوين بسبب الاتحاد مع مصر أو الاستقلال،* وكذلك الحزب الشيوعي* فقد اسقطه الشيوعيون أنفسهم،* إذن ما هي* مرجعيته الآن،* وكذلك حزب البعث الذي* تصدع في* العراق وسوريا على الطريق*. إذن على الحكومة الحيادية ادارة حوار مع قادة هذه الأحزاب بغية الاتفاق على أهداف تتواكب مع الظروف الوطنية الحالية التي* نرى فيها أن الزمن تجاوز الشيوخ إلى الشباب والكهول*. *3- لا عزل لأية جهة سياسية مستقبلاً،* وواضح من البند الثاني* لهذه الوثيقة أن صراعاً* سيدور بين هذه القوى الموقعة على وثيقة البديل الديمقراطي* ومجموعة المؤتمر الوطني* وأحزابه المتحالفة وعلى رأسها حزب الاتحادي* الديمقراطي* برئاسة الميرغني،* وبعلم الجميع فإن الوطني* لا* يحتمل مثل هذه الصراعات،* المطلوب فطم الأحزاب من الرضاع من ثدي* الحكومة،* وهذه المعضلة تحلها الحكومة المستقلة الحيادية وتعطي* فترة كافية لمعالجة مشكلة الهامش المتخلف حتى* يلحق برصفائه،* وكما* يقول الباشمهندس آدم عبد الرحمن،* فإن مشكلة الهامش ليست الديمقراطية إنما هدفه إرساء دعائم العدل والمساواة والتمييز التنموي* الإيجابي* حتى* يستطيع أن* يقف على رجليه*. وفكرة البديل للإنقاذ فكرة رائدة،* لأن الإنقاذيين أنفسهم* يحسون في* دواخلهم ان البلاد محتاجة لانقاذ،* ولا* يتأتى ذلك إلا بالحوار الوطني* بكل صفاء واخلاص،* ولا مجال* غير الحوار،* ولا بد أنه سيتأتى قريباً* إن شاء الله،* ولكن على الأحزاب ترك الأنانية التي* ترفضها للآخرين*. وعلى الأحزاب ألا تستعجل قطف ثمار الثورات،* فهذا السلوك جعل الديمقراطية لا تستقر،* فكما نحن نحاكم الانقلابيين إذا قدرنا عليهم،* لماذا لا نحاكم الديمقراطيين الذين فرطوا في* الحكم وسلموه على طبق من ذهب للانقلابيين ولماذا لا ننادي* بمحاكمتهم فربما لهم أسباب* غير التي* ذكرناها وعندها نعتذر لهم علناً*. وأخيراً* رسالتي* للإنقاذيين*: أنتم لستم بأشد أمناً* ولا أكثر مالاً* ولا بأساً* من القذافي،* فأين هو بعد أربعين عاماً*.. أنتم لستم أكثر رهطاً* من الرئيس اليمني* علي* عبد الله صالح،* ودونكم حسني* مبارك الذي* تحور حوله أكثر من خمسة عشر نوعاً* من أجهزة الأمن وعتاة قيادات المؤسسة العسكرية أين هو؟ فلا* يغرنكم طول العيش وفسحة المال وعز السلطان،* فإنها كلها آيلة للسقوط*. ويجب أن تفكروا ألف مرة في* احتضان اخوتكم الوطنيين من شخصيات مستقلة وأحزاب وطنية ومنظمات مجتمع مدني* وقيادات عسكرية ممتازة وعلماء وأساتذة جامعات وأرباب الخدمة المدنية،* ورجال الإدارة الأهلية،* وغيرها من الأجسام الخلاقة،* فلا تنظروا إلى قيادات الأحزاب المعارضة فقط،* فالوطن فيه المفكرون وفيه المستقلون الأحرار*. وأخيراً* وليس آخراً،* يقول المثل* »الرأي* بفتشوه من راعي* الضأن ربما* يأتيك بالصواب،* فلا تنغلقوا وتقفلوا عقولهم بالضبة والمفتاح،* وهبوا مع إخوانكم السودانيين لإنقاذ ما تبقى من بلاد*«.