“الإرهاب المنزلي” لا يغيب عن عديد الاسر العربية، وما زالت المرأة تكتوي بناره، رغم تنافيه مع ما ورد في الشرائع السماوية، والمبادئ الأخلاقية. ويتعارض كذلك مع المادة الأولى من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، التي ترفض “أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس، ينجم عنه أذى، أو معاناة مدنية، أو جنسية أو نفسية، للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف فعل، أو الإكراه، أو الحرمان من الحرية، سواء أكان ذلك في الحياة العامة، أم الخاصة”. وفسرت المادة الثانية ذلك، بأنه يشمل العنف الجسدي والنفسي، الذي يقع في إطار الأسرة”. وأكدت الدراسات التي تتناول “العنف العائلي”، التي أجراها د. عبد الرحمن محمد العيسوي، أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، أن النساء هن ضحايا العنف الأسري، وترجع أسباب ضرب الزوجات في المجتمعات العربية إلى تعاطي الزوج للكحوليات. وتشير الدراسات الاجتماعية في مصر إلى أن معظم أسباب ضرب الزوجات اقتصادية، وتتعلق بالضغط النفسي الناتج عن صعوبة المعيشة. كما أوضحت الدراسات أن معظم قضايا الطلاق التي تنظر فيها المحاكم العربية تتمحور حول عنف الأزواج وضربهم الزوجات. وكشفت أن النظام الاجتماعي، خاصة في الريف والبادية يدعم ضرب الزوجات، وإن مواد قانون العقوبات -التي تعاقب على الضرب- لا تفرق بين الضرب الواقع في نطاق العائلة، أو من الآخرين. وتشير إلى عدم وجود نص قانوني يجرم ضرب المرأة الحامل بما يتجاوز الحدود، باعتباره شروعاً في إجهاضها. ولتبرير ذلك العنف الاسري، قال أحد الأزواج مبرراً ضربه زوجته “إنها عصبية جداً لا تعرف كيف تتفاهم معي، تتصرف بغباء وجهل، حاولت التفاهم معها ولم ينفع، وعند كل نقاش تصرخ في وجهي”. وقال آخر “أعاني مشكلات معينة كثيرة، وتراكم الديون والمستحقات المالية، ومطالبة البنوك لي بسداد القروض، وزوجتي تحتقرني ولا تقدرني، لأنني لا أستطيع أن أفي بالتزامات أسرتي”. وأوضح خليفة المحرزي الاستشاري الأسري في محاكم دبي أنه من الصعب تحديد حجم ظاهرة العنف الأسري في المجتمع الخليجي، لعدم وجود إحصاءات ودراسات حول هذه الظاهرة، إضافة إلى عدم دقة هذه الإحصاءات في حالة وجودها، لأن ما هو ظاهر بشأنها قد يختلف عن واقع وجودها، نظراً إلى قلة حالات الإبلاغ عنها، ولطبيعة المجتمع المحافظ على السرية والكتمان، في مثل هذه القضايا الحساسة. وقال “إن الإحصاءات التي أخذت من دول غربية، كالولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا، لا يوجد ما يقابلها في الدول العربية”. موضحا أن “الطرق الحالية لقياس النسبة الإحصائية لضرب الزوجات يصعب الثقة بها، لأن الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث غير دقيق، حتى الحالات التي تصل إلى المستشفى تبرر عادة، بسبب آخر من أجل التستر على الضرب”. وتحدث عن عوامل يمكن الركون إليها في تفسير بعض مظاهر العنف العائلي، ومنها الزوج الذي يعاني منذ صغره من التوتر والقلق، نتيجة تعامل والديه معه في المنزل، “فهو في قلق دائم وتثيره أدنى الأفعال والمواقف، وجاهز في ردة فعله تجاه الأحداث، التي يتعرض لها، كأن تتأخر الزوجة عن وضع الطعام، أو يخسر فريقه الذي يشجعه، أو أن يرتفع صراخ الأطفال في المنزل، أولا يدور محرك سيارته، أو يظل هاتف المنزل مشغولاً لفترة طويلة”. وأضاف أن الزوج عندما يستقل بالسكن عن عائلته الكبيرة، يصبح أكثر تحرراً من تصرفاته وانفعالاته مع الطرف الآخر، إذ لم يعد يوجد ما يراعيه، كما كان الوضع في المنزل الكبير، ورأى أن السكن المستقل قد يسهم في العنف المنزلي. ويشير “مازالت النظرة الدونية للمرأة تسيطر على اغلب الثقافة التربوية، وتعتبرها أقل مكانة من الرجل ، “صاحب الكلمة الذي في يده تصريف الأمور العائلية ، والقوامة”. وقال المحرزي إن الزوجة التي تجد أن زوجها لا يستخدم سوى لغة العنف والقسوة يمكن أن تتمرد وتنتقم لنفسها على تلك المعاملة، وكذلك يفعل الأبناء. وأوضح أن الزوجة التي تمارس العنف الزوجي ضد زوجها، تعاني غالباً مشكلة في القدرة على التعبير عن مشاعرها بصورة سوية، وتتمتع بشخصية انطوائية، وإن كانت بعض الحالات تمثل ردود أفعال مباشرة تجاه. وفي دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث في مصر وجد أن 20 بالمئة من الزوجات يضربن أزواجهن لأسباب تعود إما لضعف الزوج، وإما لتهوره وعصبيته، وأن العنف يزداد صيفاً، وفي نهاية كل شهر بعد نفاد المرتب. وأكدت الدراسة أن نسبة ضرب الأزواج لزوجاتهم. ترتفع بنسبة 50 بالمئة في الطبقة الأمية، وتنخفض إلى 15 بالمئة بين الأزواج الحاصلين على مؤهل متوسط. وقالت إن 65 بالمئة من الزوجات يرتكبن الجرائم ضد أزواجهن، لأسباب تتعلق بالغيرة الشديدة، وتحويل حياتهن إلى جحيم. وذكرت أن 45 بالمئة من مرتكبات جرائم العنف يرفعن أفعالهن إلى قوة شخصية الزوج ومحاولته الضغط على الزوجة بهدف تهميش دورها. وفي رأي الاعلامية الجزائرية سعيدة بن جدي أن العنف يولد العنف، “فإن كان الزوج كذلك فلديه أسبابه التي أدت إلى هذه الأفعال. وإذا لم تكن الزوجة متفهمة للزوج، فهي أيضاً تصبح عنيفة”. وهي تعتقد أن السبب في “الإرهاب المنزلي”، هو الحرمان العاطفي أو المادي، الذي يلعب دوراً كبيراً، “فإذا كان الزوج دون وظيفة، والمرأة هي التي تنفق من مالها داخل البيت، فإن المجتمع لن يرحمه، فيصبح عصبي المزاج وعنيفاً داخل البيت، لشعوره بأنه غير قادر على تحمل المسؤولية”. وتقول إن من بين النساء من تعاني طبيعة عدوانية وعنيفة، إما بسبب تربيتها، وإما لعدم التفاهم بين الزوجين ، ودخول أطراف وغياب الثقة بين الشريكين. وترى الخبيرة الاجتماعية فاطمة المغني أن “بعبع” العنف في العلاقة الزوجية، ينتج عن فراغ وهوة كبيرين تعانيهما تلك العلاقة الاسرية، موضحة ان إصلاحهما غير يسير، فالإسلام من وجهة نظرها “جعل العلاقة الزوجية علاقة تبادلية، فيها مودة ورحمة، وعندما يتولى مسؤولية الحياة الزوجية رجل بلا أحاسيس وطبيعة إرهابيه، فلن يكون إلا معول هدم”. واشارت إلى أن الرجل هو القدوة في الأسرة لأبنائه، وأن المرأة يجب أن ترعى وتقدر هذا النموذج المشرف للرجل الذي يكون هو الراعي وحامي الأسرة.