زيارة الرئيس عمر البشير الى دولة اريتريا للمشاركة فى احتفالها بالعيد الوطنى، لم تلفت نظر المراقبين كونها جاءت فى توقيت صدور القانون الامريكى بمعاقبة الدول التى تستضيف البشير فحسب، بل الزيارة شغلت بعض المهتمين بالعلاقات الخارجية السودانية والتى ترتفع درجة حساسيتها لدى دولتى اريتريا واثيوبيا، فحسب المراقبين ان علاقات السودان تتأرجح بين التطبيع والتوتر مع اى من الدولتين حينما تتحسن او تسوء العلاقة مع الدولة الاخرى ، الامر الذى اثار بعض المخاوف من تأثيرات زيارة البشير على العلاقة مع اثيوبيا، لكن الخرطوم إستطاعت أن تسير بمهارة دبلوماسية لافتة على الحبل المشدود بين أديس وأسمرا دون أن تنحاز إلى إحداهما على حساب الأخرى فيما يبدو الخوف، وإن إرتبط بالعلاقات غير الجيدة مع الدول، فإن هناك خوفا مرده العلاقات الجيدة نفسها كما في حالة العلاقات السودانية الأثيوبية من جهة أو السودانية الأريترية من جهة أخرى. فمبعث الخوف هو أن علاقة الخرطوم عندما تتحسن تأتى دائما بردود فعل معاكس تجاه العلاقة مع اثيوبيا وكذلك الحال اذا تميزت علاقتنا مع اثيوبيا فان العلاقة مع اريتريا يصيبها بعض الفتور حسبما يرى المحلل السياسي د. عمر حاوي، واضاف ان حساسية العلاقة بين الدولتين(اثيوبيا واريتريا) لا تتيح اية مساحة لتفهم اهداف السودان ومراميه تجاه اى تطبيع مع الدولة الاخرى . واعتبر ان توازن هذه العلاقة يعتبر امرا غاية فى الصعوبة، ما لم يقم السودان بعمل دبلوماسى كبير. حاوي، اعتبر ان الامر يحتاج الى قدر عال من الشفافية وارسال رسائل تطمينية للطرف الآخر مقدما تستبق اية خطوة تسير باتجاه زيارة الرئيس لاى من الدولتين . واشار الى ان زيارة الرئيس الى اريتريا برغم انها بغرض المشاركة فى الاحتفال بالعيد الوطنى ،وربما لا يكون الرئيس الوحيد لدولة صديقة وشقيقة وقد يشارك رؤساء دول آخرون ، الا ان الزيارة شملت لقاءات على هامش الاحتفال ناقشت قضايا مشتركة ربما تثير قلق اثيوبيا على اعتبار ان مثل هذه اللقاءات قد تتطرق لقضايا تمس الجارة غير(الصديقة) لاريتريا ،ربما تثير وساوسها ما لم تبعث لها الخرطوم برسائل تطمينية تؤكد فيها أن علاقتها بأية دولة لن تكون على حساب الأخرى . واعتبر مراقبون ان زيارة البشير الطويلة نسبياً لن يكون لديها تأثير على العلاقات مع اثيوبيا، لان العلاقة بين اى بلد وآخر تحكمها المصالح المشتركة بينهما ، واشاروا الى أن بعض البلاد تفلح فى اقامة علاقات متميزة ومتوازنة مع كل الدول وان كان بينها عداء. واعتبروا ان ذلك يحتاج الى حنكة سياسية عالية وقدر عال من الكياسة والتوازن فى ضبط العلاقات بين الدول بحيث لا تؤثر اى منها على علاقتها مع الاخرى، وهو الأمر الذي تملك منه الخارجية الكثير. وفى السياق قال السفير د.خالد حسين رئيس مركز السودان للدراسات ان زيارة البشير الى اريتريا على الرغم من مدلولها لإبطال مفعول القانون الامريكى الذى يعاقب الدول التى تستضيف البشير ،الا ان دولة اريتريا ليست نموذجا (حيا) لافشال القانون، نسبة لعدائها الواضح لامريكا، وأشار د. خالد إلى نموذج دولة قطر حيث تقيم علاقات جيدة مع دول تلازمها سمة العداء فيما بينها مثل امريكا وايران، كذلك تتميز بعلاقات جيدة مع كل من فتح وحماس واسرائيل، علاقة ليست خصما على الطرف الآخر هدفها فقط تحقيق مصالح مشتركة بينها وكل طرف على حدة .واعتبر حسين ان ادارة هذه العلاقات خاصة مع الدول التى بينها عداء تحتاج الى دبلوماسية واعية، وكياسة سياسية بحيث تقتصر العلاقة بين دولة واخرى على المصالح المشتركة دون التدخل فى قضايا الطرف الآخر. وقال اعتقد ان مثل هذه الاشياء لا تغيب على السياسيين بالسودان. وقطع بعض السفراء السابقين والمهتمين بالعلاقات السودانية الاثيوبية تأثير زيارة البشير لاريتريا على علاقاتنا مع اثيوبيا. واكدوا ان اديس لن تلقى بالاً لهذه الزيارة، لان اثيوبيا تتميز بسياسة خارجية راشدة خاصة مع السودان التى تربطها به علاقة وطيدة . وقال عثمان السيد سفير السودان السابق بأديس أبابا، ان اثيوبيا ليست لديها اية حساسية فى علاقة السودان مع الدول المجاورة وخاصة اريتريا، لانها تتميز بسياسة خارجية متوازنة. واضاف فى حديثه ل(الرأى العام) ان اثيوبيا علاقاتها وطيدة مع السودان ووقعت معه العديد من الاتفاقيات فى اطار المصالح المشتركة ولن تتأثر بالزيارة التى قام بها البشير الى اريتريا، خاصة وانها ليست الزيارة الاولى ولن تكون الاخيرة ،وهى فى اطار احتفال رسمى بعيدها الوطنى الذى شارك فيه البشير فى العام 1992 حيث كان العيد الوطنى الاول لاريتريا، وشارك فيه رؤساء دول عديدون منهم مليس زيناوى رئيس اثيوبيا، وربما شارك البشير فى احتفال اثيوبيا الوطنى فى نهاية هذا الشهر بما يؤكد ان المشاركة فى مثل هذه الاحتفالات لن تؤثر على الدول التى بينها عداء او توترات. ويتسق حديث السيد مع ما ادلى به مليس زيناوى للبيان الاماراتية ،حينما قال ان اثيوبيا تربطها علاقات جيدة مع السودان، وانه لا يهتم كثيرا باريتريا لانها لاتشكل له قلقا، وزاد: » إن قربها من بلادنا ونزاعها الطويل معنا قد يعطي انطباعا بعدم الاستقرار، ولكن ارتيريا اليوم لا تشكل تهديدا لنا رغم الجلبة التي تحدثها). ومهما يكن من امر فان زيارة البشير لاريتريا لن تشكل على ما يبدو مخاطر على علاقاتنا مع اثيوبيا، فلكل دولة خصوصيتها واهميتها للسودان. وما يهم هو، ان تدار مثل هذه القضايا بدبلوماسية راشدة.