عندما أحالت ولاية النيل الأزرق، فرح أهل السودان بالعيد في سبتمبر من العام 2011م إلى موجة من الحزن والغضب نتيجة ما فعله واليها السابق وقتها مالك عقار وجيش الحركة الشعبية ? قطاع الشمال، كانت وقفة الجميع مع القوات المسلحة لدحر فلوله حتى تحررت الولاية، وصلى الرئيس عمر البشير صلاة عيد الأضحى في سجادة أرض مدينة الكرمك، ولكن في وجود حزن وخسائر أصابت موسما زراعيا كاملا كان زرعه على وشك حصاده. وولاية النيل الأزرق ومركزها الدمازين، بما تمتلك من تنوع عرقي وجوار مع دولتي جنوب السودان وأثيوبيا، وبما تضم الى جانب خزان الروصيرص الذي اكتملت تعليته بمكاسبها الكبيرة وانجازها المتميز، تمتلك ايضا الاراضي الزراعية الخصبة والثروة الحيوانية الضخمة، رغم انها على مدى زمني طويل، قد تسببت في عدم استقرار الأوضاع الأمنية في الولاية بين نشاط التمرد وتحركات عصابات النهب التي توقف التنمية.. ولكنها، شهدت بعد توقيع اتفاقية السلام العام 2005م هدوءا نسبيا دام إلى أن نفذ عبره مالك عقار لإعادة الحالة الى نقطة الصفر، بالعودة الى السلاح، وإن حسم في مهده ليتولى أمر الولاية مع إعلان حالة الطوارئ، وال جديد هو اللواء الهادي بشرى، الذي استمرت ولايته لعامين وبحكومة ولائية، قدمت ما في وسع جهدها لإستقرار وتنمية الولاية التي تقطنها اكثر من خمس عشرة قبيلة تنسجم وتختلف فيها العادات والتقاليد مع سلطة الإدارة الاهلية. وقبل شهرين، وبقرار رئاسي تم تعيين حسين يس حمد أبوسروال واليا جديدا للنيل الأزرق، في خطوة أعتبرت مؤشرا لعودة الأوضاع الى طبيعتها، وقد بدأ ولايته بمخاطبة أهل النيل الأزرق بأن الأوضاع الأمنية والسياسية مستقرة، وقد حررت كل الاراضي من المتمردين، عدا شريط حدودي، وأشار الى انه وحكومته سيعملون على تنفيذ ما تم الإتفاق عليه مع دولة جنوب السودان، داعيا حاملي السلاح للإستجابة إلى نداء السلام والعودة الى حضن الوطن. أبوسروال أعلن أمس الأول، حكومته الجديدة التي وفق مصادر (الرأي العام) والزميل الصحفي النذير ابراهيم الموجود بمدينة الدمازين، تشكلت من أربعة احزاب سياسية هي المؤتمر الوطني وحزب التنمية والسلام والأمة الفيدرالي والإتحادي الديمقراطي برئاسة د. جلال يوسف الدقير، وشهدت تغيير اربعة وزراء من الحكومة السابقة والغاء وزارة الثروة الحيوانية، وأعتبرت حكومة شبابية إذ أن كل عناصرها من الشباب عدا وزير التربية الجديد امام عبد الله إمام وهو تربوي واستاذ له خبرته وتجربته الطويلة في التربية والتعليم وكان عضوا بالبرلمان، وشغل منصبه في الحكومة السابقة عبد العزيز أبكر، إضافة إلى تعيين عمر صديق في وزارة الرعاية الاجتماعية والذي سبق له أن تولى في وقت سابق حقيبتها خلفا لخالدة ابو العلا التي تم تعيينها وزيرة للثقافة والإعلام خلفا لكمال عبد الله الذي خرج من الوزارة، الى جانب تعيين مبارك ابكر وزيرا للزراعة. واحتفظ اربعة وزراء بمناصبهم صديق سليمان في الشباب والرياضة ومحمد سليمان جورابي بالتخطيط العمراني وسليمان مطرف في المالية ورمضان يس في الصحة.. وشهدت محليات الولاية الست بعض التغييرات، حيث احتفظ خالد حسن بمنصبه معتمدا للروصيرص والشيخ أدهم محلية التضامن وتم تعيين منصور التوم معتمدا لمحلية قيسان وكان يشغل منصب مدير مفوضية الدمج والتسريح بالولاية، وفي محلية الدمازين تم تعيين إمام منهل، وقد كان يشغل في الحكومة السابقة منصب وزير الثروة الحيوانية التي تم إلغاؤها في التشكيل الجديد ولمحلية الكرمك النور محمد عبد الله الرباطابي. إلى جانب ذلك، تم تعيين اربعة مستشارين بينهم صالحة قدري مستشارة الوالي لشؤون المرأة والطفل والفاتح المك يوسف حسن عدلان للادارة الأهلية والهندي الريح مستشارا للحكم المحلي. ورغم مرور يومين على التشكيل الجديد للحكومة، الا أن مراقبين وعددا كبيرا من مواطني الولاية يؤشرون بتفاؤل الى انها حكومة تنمية يتوقعون منها انجازات على أصعدة الولاية كافة الخدمية والزراعية والإعمار لما دمرته الحرب ويؤكدون انها لم تأت وفق ترضيات قبلية أو حزبية.. وطالب البعض بالغاء حالة الطوارئ السائدة في الولاية، مع الاشارة الى ان الموسم الزراعي في بداياته والأمطار بدأت بالهطول مما يستوجب جهدا كبيرا من قبل حكومة الولاية خدميا وأمنيا. وتمثل كل هذه المطالب التي عبر عنها مواطنون ومراقبون بالولاية، تحديات أمام الحكومة الجديدة، إضافة إلى أهمية المحافظة على الأمن والاستقرار الذي تشهده، ودعم المحليات ذات الكثافة السكانية العالية والتي تحتاج الى خدمات صحية وتعليمية وفي مجال المرافق وغيرها، الى جانب توفير مدخلات الموسم الزراعي.. مع ملاحظة أنها على تماس بدولة الجنوب التي بدأ تنفيذ اتفاق التعاون معها وفق مصفوفة أديس أبابا، وينتظر أن تسهم بدور كبير في إنفاذ الاتفاق وخلق علاقات حدودية ممتازة. عموما.. يبدو أنه آن لولاية النيل الأزرق أن تنعم قليلا بالهدوء وحصاد ثمار السلام الذي تسرب يوما ما من أطرافها بفعل غضبة حاملي السلاح ومسانديهم، وعليه يتوجب على الحكومة الجديدة أن تعمل بانسجام لتحقيق هذه التطلعات، والاسهام في رخاء مواطن النيل الأزرق الذي اكتوى بنيران الحرب طويلا.. فهل توفق في تحقيق تطلعات مواطني الولاية أم تخفق..!