استعرض تحالف المعارضة عضلاته السياسية، ولوّح بتحريك الشارع ضد الحكومة وقيادة عمل جماهيري كبير ضدها، لا يعرف كيف يبدأ على وجه الدقة، ولكن ينتهي عند محطة إسقاط النظام بسبب رفع الدعم عن البنزين حسبما يأمل كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي. فيما تتوقع الحكومة أن تمر مسألة رفع الدعم عن الوقود بسلام هذه المرة مثلما حَدثَ في فترات سابقة كانت فيها نبرة الرفض للزيادات أعلى. وبين توقع الحكومة، وتلويح المعارضة بات من المحتمل حدوث تأثيرات، وربما قلاقل سياسية على الأرض، قلاقل جعلت بعض الجهات المُختصة تقوم بجمع (اللساتك) من الطرقات خوفاً من الحريق. إجراءات استباقية خطورة قرار رفع الدعم عن المحروقات، جعلت علي محمود عبد الرسول وزير المالية وجهات عديدة في الحكومة والحزب الحاكم يبذلون لياقة فوق المعدل لإقناع العديد من القوى السياسية والفعاليات الحَيّة في البلاد بضرورة رفع الدعم عن البنزين وتوجيه ذلك الدعم ليذهب للفقراء كما يقولون. لكن حصاد تلك اللقاءات يبدو ضئيلاً، فباستثناء الأحزاب المشاركة في الحكومة، فليست هناك جهات أخرى استطاعت الحكومة أن تقنعها بإجراءاتها المحتملة. وعلى خلفية ذلك ربما، عقد وزير المالية أمس اجتماعين مُنفصلين مع القوات العامة للشرطة وجهاز الأمن لتنويرهم بالإصلاحات الاقتصادية المرتقبة حسب مصادر تحدثت ل (الرأي العام) أمس، وحسب ذات المصادر العليمة فإنّ إعلان الإصلاحات الاقتصادية سيرجأ من يوم غد لمزيد من المشاورات حول بعض الأرقام وإحكام وضع بعض المعالجات الخاصة بدعم الشرائح الضعيفة وامتصاص الآثار الاقتصادية المرتقبة على المواطنين. خيارات شحيحة خيارات المؤتمر الوطني والحكومة تبدو شحيحة للغاية في التراجع عن رفع الدعم عن الوقود رغم التأثيرات السياسية المحتملة لمثل هذا القرار، وراهن الوطني على ثقته في الشعب السوداني ووعيه بضرورة مثل هذه القرارات من أجل إحداث إصلاحات اقتصادية وسد عجز الميزانية وإزالة التشوهات عن جسد الاقتصاد في البلاد. وأكد المؤتمر الوطني جاهزيته للتصدي لتهديدات تحالف المعارضة بالنزول للشارع وتحريك الجماهير بهدف إسقاط النظام. وفيما قال حامد ممتاز مسؤول التنظيم بالمؤتمر الوطني إنّهم لن يسمحوا بإحداث فتنة وسيتصدون بالقانون، وأضاف في تصريحات صحفية أنهم لا يخشون المعارضة. لكن هذا لم يمنع المعارضة، أو كمال عمر على الأقل، من الإعلان عن ترتيبات للخروج في مظاهرات سلمية حال إعلان الحكومة لرفع الدعم عن المحروقات، وقال كمال لصحيفة (آخر لحظة) إنّ هذه الخطوة ستكون البداية الحقيقية لإسقاط النظام الذي يجب أن يدفع فاتورة تماديه في السياسات التي تسببت في الأزمة، وأضاف أن الثورة تأتي بغتةً - على حد قوله -. نفوذ الوقود للوقود نفوذ كبير مارسه طويلاً على الحكومات المتعاقبة ولا يزال، وذلك لأنه إحدى السلع السياسية التي يفتح الشح فيها أو ارتفاع سعرها الباب لغضب الجماهير وثورتها مثل السكر والدقيق والدواء. وقد كان سبباً في حدوث متاعب سياسية لحكومة نميري ولحكومة الصادق المهدي في العام 1988م. فالمتاعب السياسية التي يحدثها ارتفاع اسعار الوقود تدفع بعض المواطنين إلى الخروج في الطرقات للاحتجاج. لكن الزيادات التي أجرتها الإنقاذ في السنوات الأخيرة لم تتسبب في أزمة سياسية ضاغطة وإن أفرزت بعض التحديات الأمنية. ففي الأعوام 2004 و2006 و2011م لم تستمر أكثر التظاهرات بسبب الزيادات في الأسعار غير أيام معدودة ما يعني أن قدرة الوقود على تهديد الحكومات قد تراجعت ولكنه لا يزال يحتفظ بقدرته في إثارة قلقها. ربيع سوداني تربص الحكومة بالمعارضة يجعلها تنتظر بفارغ الصبر مثل هذه الإجراءات الحكومية التي تقسو فيها على المواطنين برفع الدعم رغم ضروريته أحياناً، وفيما أصبحت الحكومات تتخوف من أي حراك في الشارع مهما كان حجمه بعد ثورات الربيع العربي الذي انطلقت شراراته الأولى في تونس لأسباب ليست بعيدة عما يحدث في السودان، استفسرت (الرأي العام) علي محمود وزير المالية في حوار سابق عن مدى تخوفهم من اتخاذ إجراءات رفع الدعم في مواسم الثورات والربيع، فقال إن سياستهم غير قائمة على خوف أو عدم خوف من الشعب، بقدرما هي قائمة على صدق وأمانة وواقعية في التعامل، وأضاف: (أنا أتعامل مع الشعب ليس من باب إني خائف من المواطن، فأنا جزءٌ من هذا المواطن وليس معزولاً عنه، فالوزراء أتوا من كل أنحاء السودان وساكنين في أطراف العاصمة وعارفين الحاصل بالضبط في البلد، وبالتالي مافي خوف بهذا المعنى. وإذا تصرفت بدافع الخوف من الشعب فتصرفك لن يكون حكيماً، الشئ الحكيم هو التعامل مع الشعب بواقعية وصدق وببرنامج مدروس ومعلوم، وبهذه الطريقة أنت تكسب ثقة الناس أكثر من أن تكسب رضاءهم بالكذب والإجراءات الزائفة)، وعندما سألته عما إذا كانت لدى الحكومة القدرة والشجاعة على اتخاذ قرارات تؤثر على الجماهير في عهد الثورات العربية، قال بحزم إنّ أيِّ قرار مفيد ويحقق مصلحة عليا قناعتنا أن الناس سيتقبلونه. العقاب يوم الصندوق قرار رفع الدعم عن سلعة إستراتجية، أية سلعة إستراتيجية يحدث في الغالب تأثيرات كبيرة على المواطنين والحكومات في دول العالم الثالث، ويتراوح ذلك الأثر من إشعال الأوضاع والمظاهرات الغاضبة المندّدة بتلك الحكومات التي تغامر باتخاذ مثل هذه الإجراءات التي تكلفها مقابل الدولارات التي تكسبها فواتير سياسية باهظة تدفع في يوم الاقتراع عند أو انتخابات بعد رفع الدعم، مع احتمالات نادرة بمرور الزيادات على السلع بهدوء عدا بعض المقالات الغاضبة في الصحف. وكانت (الرأي العام) مع حزمة سابقة من رفع الدعم في العام 2011م قد طرحت على الزبير أحمد الحسن أمين الأمانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني وقتها سؤالاً عن مدى خشيتهم من أن يعاقبهم المواطنون الذين انتخبوهم لتحقيق الاستقرار والرفاه الاقتصادي بالعزوف عنهم في الانتخابات المقبلة بعد أن أقدموا على رفع الدعم، فقال انهم لا يخشون ذلك، وان الجماهير عندما ترى أثر رفع الدعم على الأرض وانعكاساته الإيجابية عليهم وعلى الاقتصاد في البلاد، ستنتخبهم مرة أخرى. مهما يكن، فإنّ رفع الدعم عن الوقود سيحدث تأثيرات سياسية محدودة من قبيل استغلال المعارضة له في إظهار المؤتمر الوطني بعدم اكتراثه بعامة المواطنين والبسطاء منهم، وهو خطاب سيجد آذاناً صاغية وسط البعض ممن عبأوا حناجرهم من الآن بهتاف (تجار الدين غلوا البنزين).