ظروف (قاهرة جداً) منعتني من حضور المؤتمر الصحفي للبروفيسورابراهيم غندور وزير الخارجية وأعضاء لجنة المفاوضات مع الولاياتالمتحدة ، المؤتمر خصص بالطبع للحديث عن تفاصيل قرار رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، توقيت تنفيذه وتداعيات تطبيقه على المشهد السياسي والاقتصادي ولعله نجح بامتياز فى إزالة الالتباسات التى صاحبت إعلان القرار خاصة المتعلقة بالمهلة الزمنية واستراتيجية الحكومة لإنفاذ التعهدات المطلوبة. من أراد أن يفهم القرار والمكاسب التى يمكن أن يحققها للسودان فلينطر الى صورة (غريبة) ونادرة جداً التقطتها كاميرا الزميل البارع ابراهيم حامد ولم تخطئها عين التلفزيون ل(بدر الدين محمود) وزير المالية، مصدر الغرابة فى اللقطة كانت الابتسامة العريضة التى ارتسمت على وجه وزير لم توثق له الكاميرا مثل هذه الأسارير والملامح المنشرحة قريباً. كنت أقول دائماً إن صورة وزير المالية تحمل أدق تلخيص للمشهد الاقتصادي والسياسي، لم يكن بوسع وزيرنا أن يمارس (الضحك فى بيت البكا) بالطبع خلال الفترة العصيبة التى عايشها اقتصادنا الوطني بسبب العقوبات الأمريكية والضغوط الاقتصادية. صورة بدر الدين محمود المختزنة فى ذاكرة الناس اتسمت ب(جمود) يتناسب مع واقع البلاد وأزماتها وينسجم مع قتامة القادم المحمول على أجنحة الغيب والمجهول، الصورة المعهودة للوزير كانت (متوترة) للغاية، ولا تخلو تفاصيلها من رهق بائن، الأزمة شاخصة، والهموم تتراكم على ملامح أعياها الدفاع المستميت عما يراه الوزير خيراً وينظر إليه الآخرون باعتباره تضييقاً. تصدى الوزير لملف الاقتصاد السوداني فى أحلك الظروف والمنعطفات فتشكلت الصورة الذهنية من (ملامح) وزير يعلوه (غبار معارك) تحول الى (شيب أبيض) وما ذلك إلا من غبار وقائع الدهر كما تقول العرب، قسوة فى التعبير كانت تسيطر على منطق وزير المالية الذى لا يقبل القسمة على اثنين، احتمل الرجل مدفعية المعارضة والرأي العام، وتصدى لمعارك رفع الدعم والزيادات واجتهد فى ترقيع ثوب الاقتصاد كثيراً عساه يستر احتياجات السودان الأساسية. بالأمس اختلفت الصورة. بدا وزير المالية منشرحاً، ووثقت له الكاميرا ابتسامات (نادرة)، انعكاس القرارات كانت واضحة على ملامح مسؤول بلغ به الضيق فى إحدى المرات أن تقدم باستقالته على الهواء مباشرة، ويبدو أن ما قرأه وزير المالية من خلال القرار الأمريكي جعله يبتسم أخيراً. نعم انخفض الدولار بالفعل وستنساب التحاويل البنكية ويتدفق النقد الأجنبي ومدخرات المغتربين، ستعمل المصانع المتوقفة وتشتعل الأراضي الزراعية قمحاً ووعداً وتمني، وستتحسن علاقات السودان بالصناديق الاقتصادية وتتدفق الاستثمارات الأجنبية على بلادنا وينصلح الحال فى قطاعات النقل والصناعة والزراعة. أعتقد أن القرارات الأمريكية الأخيرة رفعت الحظر عن ابتسامة وزير المالية وجعلته يتطلع الى القادم بكل ثقة وتفاؤل. نعم بدر الدين محمود لم يتعود أن ينفق ابتسامته ب(المجان)، ومن أراد أن يقرأ انعكاسات القرارات الأمريكية الأخيرة على المشهد الاقتصادي فلينظر لابتسامة وزير المالية، لو كنت حاضراً للمؤتمر لسألت الوزير عما يخفيه وراء ابتسامته العريضة وعن مصير الاستقالة التى قدمها على الهواء مباشرة بعد رفع العقوبات الاقتصادية. مقال الاحد 15- يناير -2017