زيارة السيد رئيس الجمهورية لإثيوبيا أصبحت لا ترفع حاجباً للدهشة من كثرة تكرارها فبالإضافة للعلاقة بين البلدين فأديس مقر الاتحاد الإفريقي وفيها رئاسة الإيقاد، ولكن حدث إصرار رسمي على أن زيارة الرئيس الأخيرة لأديس كانت غير عادية. فمن حيث التوقيت كانت الزيارة شبه مفاجئة وجاءت مع انتهاء المرحلة الأولى من سد النهضة المثير للجدل. فقد بدأ التيار الكهربائي يسري من توربيناته وفي ذات الزيارة تعاقد السودان على شراء قسط من ذلك التيار بسعر تفضيلي. وفهم هذا على أنه تحديد لموقف السودان من سد النهضة بصورة قاطعة. تصريحات الرئيسين المتبادلة بأن أمن أي منهما هو أمن الآخر وأن من يرش أحدهما باللبن فسوف يرشه الآخر بالدم فهم على أنه حلف عسكري قد تبلور. ومن مستجدات تلك الزيارة أنه وردت فيها عبارة "تكامل بين البلدين"، فكلمة تكامل كانت مفردة حصرية في العلاقة بين مصر والسودان رغم أن فترة التكامل بينهما كانت محدودة أفقياً ورأسياً وانتهت مع النميري والسادات. لكل هذا أبدت مصر انزعاجاً غير مسبوق من تلك الزيارة واعتبرتها نذير كارثة عليها. بالمقابل كانت هناك زيارة الرئيس السيسي لأمريكا حيث استقبله صديقة ترامب بأحضان دافئة ووصفه بأنه رجل المهمة الصعبة وهي مكافحة الإرهاب، وأنه يقاتل كالسيف وحده. وعلى حسب الصحفي عادل حمودة أن السيسي قال لترامب (هم ثلاث دول ترعى الإرهاب في المنطقة) طبعاً الإشارة للسودان وقطر وتركيا. وعلق عبد الباري عطوان على زيارة السيسي بالقول أنه قد تم تعميد مصر رسمياً حليفاً أولاً لأمريكا في العالم السني ولاعزاء للآخرين . طبيعي أن يقابل السودان زيارة السيسي لواشنطن بقلق لاسيما أن السودان غير الرسمي كان ومازال يتهم مصر بأنها وراء إبقاء العقوبات الأمريكية على السودان، عليه ظهر الرأي الذي يقول إن زيارة المشير البشير لإثيوبيا كانت رداً سريعاً ومباشراً لزيارة المشير السيسي لأمريكا ويدعم ذلك زيارة أمير قطر أمس لإثيوبيا. إذن ياجماعة الخير الزيارتان المشار إليهما أعلاه تقبعان بارتياح شديد في محطة التصعيد بين البلدين، ولعله التصعيد الأخطر. فتوتر العلاقة بين البلدين كان يتمظهر في المكايدات المباشرة بينهما من شاكلة منع دخول الفواكه المصرية للأسواق السودانية وفرض رسوم إقامة على السودانيين في مصر. وهذه المكايدات المباشرة بين البلدين قابلة للتراجع عنها في أول لقاء للرئيسين، ولكن تدويل التوتر الجاري الآن ينذر بخطر ماحق على البلدين فالأوفق في تقديري أن ينتهي هذا التدويل بأعجل ما تيسر ويرجع البلدان لهزارهما القديم مما يخفف المخاوف من التدويل أعلاه الذي به ثقوب كثيرة فأمريكا كقوة عظمى تعرف أين تكون مصلحتها ولا تأتمر بأمر مصر في العقوبات على السودان أو غيره وبالمقابل فإن السودان وإثيوبيا لا يمكن أن تتطابق مصالحهما بنسبة المئة في المئة لا بل هناك تعارض بين تلك المصالح حتى في ذات سد النهضة فإن الرأي الفني السوداني منقسم حوله كما أن استدارة السودان من التوجه الشرق أوسطي الذي بدأ مع محمد علي باشا 1821 ليس بالأمر السهل. عليه يصبح من الأوفق للبلدين أن يرجع السودان إلى خرطومه فيخرطمها كما تقول الأغنية المنتشرة هذه الأيام وترجع مصر إلى قاهرتها وتقهرها. فالطريق بين العاصمتين معروف وممشي ومطروق حتى وأن لم يكن معبداً فالدقداق أرحم من طريق معبد يفضي إلى هاوية لا يعلم قرارها إلا الله ..