في الأيام الفائتة راجت إسفيرياً قصة حدثت بين مجموعة من الشعراء وربابيط نُسب لشخصنا الضعيف روايتها، وهي مروية عن الشاعر الكبير صلاح أحمد إبراهيم الذي هو أحد أبطالها وهذا شَرَفٌ لا ندّعيه وتُهمة لا ننكرها.. مُجمل القصة كان صحيحاً ولكن أكثر التفاصيل إثارةً لم ترد، كما هناك إضافةٌ لا أدري من أين جاءت، خاصّةً التعليق النهائي الذي لم يرد في النسخة التي حكيتها كتابةً وهو تعليقٌ طريفٌ أغلب الظن أنّه وَرَدَ من الذي لخّص الحكاية ونشرها. فأصل الحكاية كما يقول صديقنا حسن فاروق، إنّ قناة النيل الأزرق وقبل أكثر من عشر سنوات، استضافت الشاعر الفذ الراحل مصطفى سند في حلقة توثيقية، وفي سياق ذكره لأساتذته وأصدقائه، ذكر وبامتنانٍ كبيرٍ الأستاذ الراحل المُقيم صلاح أحمد إبراهيم، ومن الصفات الجميلة التي تحلّى بها الأستاذ صلاح على حسب سند الشجاعة، وكدليلٍ على ذلك ذكر القصة، وهي تقول إنّهم، صلاح وسند ومحيى الدين فارس وعبد الله النجيب وأربعتهم أمدرمانيون كانوا معزومين عند صديق لهم يقطن منازل السكة الحديد بمحطة الخرطوم التي تقع جنوبالخرطوم العُمومي.. وبعد العشاء خرجوا من صديقهم راجلين إلى المحطة الوسطى بالخرطوم لكي يركبوا منها إلى أمدرمان، ولما كان الليل قد تأخّر فقد صادفهم ربابيط – مفردها – رباطي عند منطقة سينما كلوزيوم الحالية فطلبوا منهم إخراج ما عندهم من فلوسٍ، ففعلوا تحت التهديد، ثُمّ طلب الربابيط نزع الساعات وتسليمها ففعلوا، ثم طلبوا منهم أن يخلعوا أقمصتهم، وهنا انبرى لهم صلاح أحمد إبراهيم قائلاً لهم: تعالوا هنا انتو عارفين الجماعة العاوزين ترقِّصوهم ديل منو؟ فأجابوا بالنفي، فقال لهم ديل شعراء بلادكم أيرضيكم أن يقال إنّ شعراء السودان وقعوا فيهم ربابيط ومَشّوهم عريانين؟ فقالوا له شعراء شنو؟ فقال لهم دا شاعر لن أحيد التي غناها العطبراوي، مُشيراً لمحيى الدين فارس، ودا شاعر صدقت العيون وكلام المحنة/ هناني بحنانه لما عليّ حن/ وقال لي كلمة طيبة وكانت منه حلوة/ مين غيرو البيزرع أيام عُمري جنة البغنيها صلاح مصطفى مُشيراً لعبد الله النجيب، ودا شاعر أكتب لي يا غالي الحروف البغنيها صلاح مصطفى مُشيراً لمصطفى سند، فسألوه إنت؟ فقال لهم أنا شاعر الطير المهاجر البغنِّيها وردي!! استمع الربابيط لصلاح بإنصاتٍ رهيبٍٍ وعندما فَرَغَ من كلامه أرجعوا لهم نقودهم وساعاتهم واعتذروا لهم، وأمر كبيرهم أحد أتباعه أن يُرافقهم إلى المحطة الوسطى ويشرف على ركوبهم جميعاً ثُمّ يعود!! ومن طرائف هذه القصة قال مصطفى سند وإنهم وفي قمة الزنقة أخرج محيى فارس ورقة فئة خمسين قرشاً وقال لمصطفى سند بلكنته المصرية خُد يا مصطفى الخمسين مني سلفة أعطيها الجماعة دُول وفيما بعد رجِّعها لي، فأجابه يا محيى الدين دا وقت تسليف؟ رحم الله الثلاثة وأطال عُمر أستاذنا عبد الله النجيب وهو الآن يمكنه تصحيح الحكاية!! هذا هو نص القصة تقريباً كما حكاها سند، وأجزم بأنّ كل الوقائع التي ذُكرت فيها وردت على لسانه، فالتسجيل موجودٌ في مكتبة النيل الأزرق، أما اللغة المُستخدمة فقد تكون من عند الراوي وبهذا يصبح النص داخل العمود على مسؤولية الراوي، وأية قراءة ثانية أو تأويل في فضاء النص على مسؤولية القارئ. -