إستبشرت الأوساط السياسية والشعبية بتوقيع الحكومة والجبهة الثورية والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في جوبا، على إتفاق “إعلان مبادئ” للسلام يتضمن جملة من المواضيع لتهيئة أجواء التفاوض، منها الوقف الشامل لإطلاق النار وفتح الممرات لوصول المساعدات الإنسانية إلى النازحين، وإطلاق سراح أسرى الحرب والمعتقلين، ورفع الحظر عن قوائم المحظورين سياسياً من دخول البلاد، وتم الإتفاق أيضاً على إرجاء تشكيل الحكومات الولائية والمجلس التشريعى إلى حين إكتمال عملية السلام. كما تم التوافق علي بداية المفاوضات الرسمية في منتصف أكتوبر المقبل في جنوب السودان، وتكوين لجنة مشتركة تعكف على وضع الجدول الزمنى والقضايا التى ستدرج فى العملية التفاوضية، مما أعطي الأمل بأن إنهاء معاناة المواطنين في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وكذلك دارفور قد إقتربت. لكن الشارع السياسي تفاجأ بالمطالب الجديدة لرئيس الجبهة الثورية السابق ورئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال مالك عقار حول المطالبة بالحكم الذاتي وتقرير المصير لإقليم النيل الأزرق، مما طرح الأسئلة عن الأسباب التي تجعل هذا الخيار مطروحاً في هذا التوقيت بالذات وماهي المبررات التاريخية الداعمة لهذا التوجه، بعد أن أصبح الجو مهيأ لبناء الدولة الحديثة، وأصبحت الأنظار تتجه نحو المعالجة الجذرية لمشكلة الحروب والإقتتال في أقاليم السودان المختلفة، وبناء الوطن الذي يسع الجميع. ووصف العديد من المراقبين دعوة عقار بالحكم الذاتي بالمستغربة لأنها تتنافي حتي مع الدعوة السابقة لما يعرف بالمشورة الشعبية التي طرحتها إتفاقية السلام الشامل السابقة التي أعطت المنطقتين حق إجراء المشورة الشعبية ومعرفة آراء المواطنين حول الإتفاقية ومدي تلبيتها لمطالبهم وتطلعاتهم المشروعة في البناء والتنمية والمشاركة المتساوية في حكم البلاد وتقسيم الثروة بصورة عادلة. وما زاد الإستغراب حسب المراقبين أن الحكومة الجديدة بعد تتشكيلها برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، شرعت فوراً في تشكيل المفوضية العليا للسلام، والتي ستتولى عملية تحقيق السلام في السودان في فترة لاتتجاوز الستة أشهر، كما جاء إعلان د. حمدوك بأنه حكومته مستعدة لدفع أي ثمن للوصول للحل النهائي لمشكلة الحرب والقتال بالسودان. وكان عضو مجلس السيادة والناطق الرسمى بإسمه محمد الفكى سليمان قد أكد أيضاً إلتزام الحكومة واستعدادها لتحقيق سلام شامل فى البلاد، وأن كل الأطراف قد أكدت على ضرورة التوصل إلى إتفاق سلام شامل فى غضون شهرين من بدء الحوار، موضحاً أن الأجواء التى سادت مفاوضات جوبا كانت أجواء إيجابية جداً، معتبراً أن روحاً جديدة إنتظمت البلاد بعد ثورة ديسمبر المجيدة. هذه الروح الروح التي وصفها عضو مجلس السيادة، تجعل دعوة عقار للحكم الذاتي، حسب المراقبين تبدو نشازاً لايتقف مع الواقع، كما وصفها العديد من مواطني النيل الأزرق بأنها نوع من الإبتزاز السياسي، يريد أن يمارسه عقار لرفع سقوفات مطالبه التفاوضية، لكن ذلك يجعله بعيداً عن الإلتزام بشعارات الثورة التي تدعو لتضافر جهود جميع الفرقاء السودانين للإنتقال السلس بالبلاد إلي مرحلة الإنتخابات الحرة والنزيهه تؤسس لإستقرار دائم لكل ربوع الوطن. ووصف المراقبون العقلية التفاوضية التي يتعامل بها عقار وفريقه التفاوضي بالعقيمة والتقليديه والتى لا تنتج حلولاً تنهي معاناة مواطني المنطقتين، الذين يخشون أن تقود دعوة عقار للمطالبة بالحكم الذاتي للمنطقتين بعيداً عن الحكومة المركزية، إلي العودة من جديد لمربع الحرب والقتال، وأن تنحرف بقطار السلام بعيداً عن مساره المأمول. كما أشار العديد من القيادات الأهلية بالمنطقتين إلي أن مالك عقار لا يمتلك المصداقية والقبول لتبني مثل هذا الطرح نيابة عن مواطني المنطقتين بعد أن خان العهد ونكص بالوعود التي جعلت المواطنين يختارونه والياً علي منطقة النيل الأزرق، لكنه بدلاً عن المحافظة علي أمنهم وسلامتهم أرجعهم لمربع الحرب مرة أخري، فيما تسائل آخرون بالقول :” ماذا يريد بنا مالك عقار هذه المرة؟، هل يريد بنا خيراً أم شرا؟ “.