بسم الله الرحمن الرحيم من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ببالغ الأسى والحزن وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره نتقدم بأحر التعازي وصادق المواساة في وفاة المغفور له بإذن الله المناضل عبد الله البحيراوي سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وغفرانه. "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعون. لم أسمع بنبأ وفاتك يا فقيدنا الكبير من أحد، بل طالعته في موقع تجمع كردفان للتنمية( كاد) في البدء تمنيت، أن يكون الخبر غير صحيحاً وإن كان صحيحاً، وقد حدثت الوفاة، فكم تمنيت أن يكون تشابهاً في الأسماء، وإن كان كما يقول أهلنا الموت تعيس، لا يتمناه الإنسان لأحد، لذا تجولت في المواقع عبر النت، وفي الدواخل ثمة أمل، لكن للأسف، خاب الأمل..! لقد طالعت خبر نعيك مرفقا بصورتك وأنت ترتدي الجلابية والعمة، في موقع سودانيزاولاين، عندها تيقنت أن السودان والغراء فقدا فارساً لا يشق له غبار، فارساً تحزم بالقانون سلاحاً، وبرفض الظلم كفاحاً، فارساً ظل منافخاً من أجل الغلابة، لاسيما في كردفان الغراء، الشاهد المواقع السودانية المختلفة، وعلى رأسها موقع كردفان أونلاين، الحافل بتعليقاتك وردودك الودودة، والسمحة التي تعكس سماحتك، وسماحة نفسك، طالعت نبأ موتك بمحنة القراءة والكتابة معاً، هذه المحنة التي تعيدني دائما إلى النظر في أدبيات الفقد التي طالما إرتبطت بالبكاء على الغائبين. والآن وأنت أيها "الفقد الكبير" مسجّى على هذا مفترق الغربة والترحال، هناك في أرض الحجاز، هل يكفي أن نستعيد في هذه الكلمات مواقفك النبيلة، أو ما ظللت تجود به من مساهمات ثرة..! لأن حادثة موتك المفجع بالنسبة لنا تتمايز بأنها سابقة تراجيدية، داهمتنا دفعة واحدة، دون إستئذان..! فموتك جاء كعاطفة عاصفة، لامست أدق تفاصيل حياة أهلنا الغلابة الذين ظللت تقارع وتصارع من أجلهم الظالمين والمنافقين. كيف يمكن لنا، النظر في واقعنا اليوم وغدا، بعد رحيلك المفاجيء؟ كيف لي أن أعبر مأساة موتك في عقلي وضميري وقلبي، بل وفي قلوب الملايين الذين عشقتهم..؟ فإذا كان الموت قد أختارك لان يخرجك مكللاً برايات الشرف والطهر والعفة، من زحمة الزمان الدنيوي ليأخذك إلى العلوي، كأن هذا الموت يخبرنا بمدى التصاقه فينا، وبنا في كل لحظة وثانية.! لكن هذا لم يكن سؤالاً مؤرقاً لك حينما كنت حياً بيننا. لقد كان السؤال الذي يهمك ويلهمك، هو سؤال الحياة وشروطها، وكيف نعيشها..؟ سؤالاً ظللت تكتب عنه بإستمرار، ظللت تكتب عنه بصفتك محامياً شريفاً، وكاتباً صادقاً، في زحامك ومزدحمًا في إبداعك كأشجار الهشاب والتبلدي والأبنوس ظلت واقفة، برغم العطش والهجير وعبث العابثين، تنثر نثار التسامح والمحبة والجمال وأنت الذي عثرت على كنوز الكتابة في الدفاع عن أحلام الكادحين والغلابة، وأشواق رمل العتامير، لعودة المطر.. الحياة جعلت من تجربتك، تجربة متمردة، قابلة للحياة، رغم إستعارات الموت العديدة، حتى صغت من قسوتها عزة وبطولة، وآلية خاصة لا يعرفها إلا أنت، للدفاع عن الحياة، في وجه ما يجعلها عبئاً على الأحياء. وها أنت الآن في غيابك، أقل موتا منا، وأكثر منا حياة !