لم يكد النبي موسى يغادر قومه إلى ميقات ربه ، حتى وقعت فتنة السامري! وتفصيل هذه الفتنة أن بني إسرائيل حين خرجوا من مصر، صحبوا معهم كثيرا من حلي المصريين وذهبهم ! حيث كانت نساء بني إسرائيل قد استعرنه من المصريات ، للتزين به ! وحمله بنو اسرائيل معهم ، عند خروجهم من مصر ! ثم قذف بنو اسرائيل بهذه الحلي الذهبية لانها حرام ! فجمعها وأخذها السامري... وهو رجل من بني اسرائيل !
كان السامري فيما يبدو مثالا وصائغأ محترفا ؟ فصنع السامري من هذه الحلي الذهبية عجلأ مجوفا من الداخل ! وضعه في اتجاه الريح ، بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية ، ويخرج من أنفه وفمه ، فيحدث صوتا يشبه خوار العجول الحقيقية !
بعد ذلك ، خرج السامري على بني إسرائيل بعجله الذهبي ، الذي له خوار ؟
سألوه :
ما هذا يا سامري؟
قال:
هذا إلهكم وإله موسى ؟
قالوا :
! لكن موسى ذهب لميقات ربه
قال :
لقد نسي موسى ؟ ذهب موسي للقاء ربه هناك في جبل سيناء ، بينما ربه هنا !
وهبت موجة من الرياح ، فدخلت من دبر العجل الذهبي ، وخرجت من فمه ! فخار العجل ... باع ، باع ، باع !
انتهى ميقات موسى مع ربه تعالى! عاد موسي غضبان أسفا إلى قومه! فلقد أخبره الله تعالي أن قومه قد ضلّوا من بعده! وأن رجلا من بني إسرائيل يدعى السّامري ، هو من أضلّهم ! نزل موسى من قمة جبل سيناء ، وهو يحمل ألواح التوراة ! وقلبه يغلي بالغضب والأسف ! تستطيع أن تتخيل انفعال موسى وثورته ، وهو يحث خطاه نحو قومه!
دعنا نترك موسي مع قومه من بني اسرائيل ! ونتدبر في امر السامري الانقاذي ، وعجوله الانقاذية التي لها خوار !
تغييرات تكتونية ؟
ذكرنا في الحلقة السابقة ، أن تغييرات تكتونية تتخلق في هدؤ شديد ، وسرية صامتة ، ومن وراء حجاب ، داخل الاجهزة القيادية في المؤتمر الوطني ! تغيرات سوف تحدث زلزالأ ، تصير مفاصلة رمضان 1999 ، بالمقارنة اليه ، الي رعشة خفيفة ! وسوف تطال هذه التغيرات القوات النظامية ، الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية ، وأجهزة المؤتمر الوطني القيادية ! وسوف ينفض ، الدكتور نافع علي نافع أجنحته ، من رماد هذه التغيرات ، ويطير محلقأ في سموات المؤتمر الوطني والدولة ، كما طائر الفينيق الاسطوري ! وسوف يقبر رماد هذه التغيرات ، ديناصورات وعواجيز الحركة الاسلامية ، من الذين يدعون الي التراضي والمصالحة ، بالحكمة والموعظة الحسنة ! وسوف يكون الاستاذ علي عثمان محمد طه ، والدكتور غازي صلاح الدين من ضحايا هذه الهزات الارضية ! وكما قال احدهم ، فأن الاستاذ علي عثمان يتواجد ، حاليأ ، في صالة الجمارك ، في طريقه الي قاعة المغادرة النهائية ، لامتطاء التونسية ، لاحقأ بصديقه الطيب سيخة وسره صلاح قوش ! في هذا السياق ، قال عنقالي زهجان من الاستاذ علي عثمان : انشاء الله مش يركب التونسية ، بل يركب ليه جريدة نخل ، يعملها حصان ، ويلحق الطيب سيخة !
السامري الانقاذي ... الفئة المؤدلجة والمسيسة ، في القوات المسلحة السودانية !
اما السامري في قصتنا الانقاذية هذه ، فهي هذه الفئة المتنفذة التي تشكل مركز ضغط في المؤتمر الوطني ، والمكونة من العناصر المؤدلجة والمسيسة في القوات المسلحة ، والتي يباركها الرئيس البشير ! واما العجول التي لها خوار فهي الرئيس البشير ، عبدالرحيم محمد حسين ، بكري حسن صالح ، نافع علي نافع ، وقطبي المهدي ! وأما الباقون فهم في صالة المغادرة ، في أنتظار اللحاق بالتونسية !
الصاعق الذي فجر براكين هذه التغيرات ، والدينمو المحرك لها ، هم الفئة المؤدلجة والمسيسة ، في القوات المسلحة السودانية ... السامري الانقاذي ! تجد في هذه الفئة : اللواء ، والعقيد ، والرائد ، والملازم ! وهي فئة متخفية ، وتعمل من وراء ستار ، في هدؤ يحاكي دبيب النمل ! ويربطها التشدد في العقيدة الاسلاموية ، وأعلاء راية الشريعة ، وتصحيح مسار المؤتمر الوطني ، وظبط تناغم نظام الانقاذ لتجاوز الربيع العربي ... في الداخل ! وفي الخارج ، الأنبراشة أمام الشيطان الاكبر ، عملأ بفقه التقية ! يبارك الرئيس البشير هذه الفئة ، علي استحياء ، ويرخي لها اللجام ، لانها تخدم مخططاته وتلبي اشواقه وامانيه ، وتثبته علي كرسي السلطة ! نعم ... تحاكي هذه الفئة قصة السامري والعجول التي لها خوار ، المذكورة اعلاه ؟
ماذا طبخ ، ويطبخ السامري الانقاذي ، وماذا يريد بالتحديد ؟ هاك ، أدناه ، أربعة من أهم الاهداف التي يسعي السامري الي تحقيقها : أولأ : الهدف الاول للسامري هو تطوير العملية السياسية في البلاد ! حسب مفهوم هذه الفئة ( السامري ؟ ) ، يتم هذا التطوير عبر اليات متعددة ، نختزل منها ما يلي : + يسعي السامري الي لملمة لحمة الحركة الاسلامية ! أما بمصالحة بين الوطني والشعبي ، ودمجهما في حزب واحد ! وأذا تعذر ذلك لسبب ، أو لاخر ، لاستقطاب قادة وعناصر الشعبي للانضمام للوطني ، كما في حالة الشيخ الحاج ادم يوسف ، أمين الدائرة السياسية في الوطني حاليأ ، والذي كان من أقطاب الشعبي في الماضي القريب ! + سوف يسعي السامري الي عقد تحالف غليظ ، بعد أنفصال الجنوب ، بين المؤتمر الوطني ومولانا الحسيب النسيب السيد محمد عثمان الميرغني! أختار السامري مولانا ، من بين جميع الزعماء السياسيين ، لانه قدر أنه يمكن أن يشتريه بالمال ( فمولانا جد ضعيف أمام المال ؟ ) ! ولان مولانا يؤمن بالشريعة دستورأ للبلاد ، وبالدولة الدينية الاسلامية المدابرة للدولة المدنية الديمقراطية ! وأخيرأ وليس اخرأ ، لان هدف مولانا الاوحد هو تغييب وتدمير السيد الامام ، ما وجد الي ذلك سبيلأ ، مما لا يتعارض مع أهداف السامري! + يعتبر السامري أن عدوه الاول ، الذي يمثل له خيار الحياة او الموت ، والذي يسعي للاطاحة بنظام الانقاذ هو قوي الاجماع الوطني الشبحية ! وبالاخص السيد الامام ، الذي لا يمكن شراؤه بالمال ، والذي لن يتنازل عن فكرة الدولة المدنية الديمقراطية ، والذي يصر علي تفعيل الاجندة الوطنية ... كلمتي الدلع للاطاحة بنظام الانقاذ ! يسعي السامري ، بالتنسيق والتحالف مع مولانا ، لتغييب وتحييد السيد الامام ، وأبعاده عن الساحة السياسية ، لكي يركز ، حصريأ ، علي الكلام ، والقاء خطب الجمعة ، ومباركة عقود الزواج ، وقيادة صلوات الجنازة ... وبس ! ثانيأ : + الهدف الثاني للسامري هو دعم الرئيس البشير ليستمر رئيسا للمؤتمر الوطني والبلاد ، حتي نهاية فترتة الانتخابية ، وربما لفترة ثانية ! لانه صمام الامان الوحيد ، الذي تلف في فضائيه ، مجرات مراكز القوي المختلفة داخل المؤتمر الوطني ، كل مجرة داخل مدارها الخاص بها ! بأختفاء الرئيس البشير ، تخرج هذه المجرات ( مراكز القوي ) خارج مداراتها ، وتصطدم ضد بعضها البعض ، قبل أن تحترق ! كما يقف السامري ، وبقوة ، خلف الدكتور نافع علي نافع ، لكي يكون الرجل الثاني ، والماسك بكل الملفات الحساسة ! وأن كان السامري قد طلب من الدكتور نافع أن يكون شوريأ مع زملائه من قادة المؤتمر الوطني الباقين ، بعد سكوت الزلزال ! ثالثأ : الهدف الثالث للسامري هو العمل علي اعادة انتاج عقد التسعينيات ، وزخمه في الحشد الجماهيري ، والتعبئة الدينية الداخلية ، لضمان استمرارية النظام ! وتجاوز الربيع العربي ! ويتم تحقيق هذا الهدف كما يلي : + يجب التصدي ، أستباقيأ ، والاستعداد الوقائي ، لمجابهة اي انتفاضات شعبية محاكية لثورات تونس ومصر ! وقد قرر السامري الاستفادة من نموذج ليبيا واليمن وسوريا ، وقمع اي انتفاضة شعبية في المهد ، وبشراسة ... والا صار نظام الانقاذ الي نفس مصير النظام التونسي والنظام المصري البائدين ! كما قرر السامري عدم السماح لقوي الاجماع الوطني الشبحية ، بسرقة اي انتفاضة شعبية لصالح الاحزاب الطائفية والشيوعية والبعثية المارقة ... بالضرب بيد من حديد علي هذه القوي وتغييبها وتكسير سنونها ! + يعتبر السامري حركات دارفور الحاملة للسلاح ، حركات مارقة علي القانون ! ويجب القضاء عليها وتدميرها بقوة السلاح ، وليس عبر التفاوض العبثي ! كما يعتبر السامري منبر الدوحة كذر للرماد في العيون ، وترقيص لدكتور سيسي رقصة الافاعي ؟ + يدعو السامري الي نزع سلاح عناصر قوات قطاع الشمال في الحركة الشعبية الحاملة للسلاح ، المتواجدة في جنوب كرفان وجنوب النيل الازرق ! وبالعدم طرد هذه العناصر خارج ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق ، الي دولة جنوب السودان ! + يفضل ، ولا يصر ، ألسامري علي بقاء الجيش الشمالي في أبيي ! علي الاقل ، حتي الوصول الي حل سياسي مرض لكل الاطراف ، صاحبة المصلحة ! ولكنه يرفض الانسحاب الفوري غير المشروط ، من ابيي ، كما طالب مجلس الامن في بيانه الاخير ( الجمعة - 3 يونيو 2011 ) ! يفضل السامري دخول الجيش الشمالي في مفاوضات مع الجيش الجنوبي ، لتنفيس الاحتقان ، وتقديم ذريعة مقبولة تسمح للجيش الشمالي ، وتمكنه من الانسحاب من ابيي ، بكرامة ورأسه مرفوعأ ! أما الانسحاب الفوري غير المشروط ... فلا ؟ رابعأ : الهدف الرابع للسامري هو أتخاذ موقف انبراشي ( داخل الغرف المغلقة ) في مواجهة قوي الاستكبار الدولية ! لتجنب تفعيل تهديداتهم بفرض عقوبات أضافية ضد السودان ، الواقع اصلا وقبلأ ، تحت البند السابع ، الذي يخول التدخل العسكري للمجتمع الدولي في السودان ! وأعتماد سياسة حافة الهاوية مع المجتمع الدولي ، بالتراجع المباغت ( هوبة 180 درجة ) عن أي موقف أنقاذي متشدد ، وقلب الهوبة ، قبل الوصول الي حافة الهاوية ! سياسة السامري الخارجية تتكون من التفريط والافراط : + التفريط في حلايب ، وفي الجنوب ، وحتي في ابيي ، في المحصلة النهائية ، اتقاء لشرور مصر ، والمجتمع الدولي ، كما يقول بذلك فقه تقية نظام الانقاذ ! + التفريط الخارجي مقابل الافراط الداخلي في قهر الشعب السوداني , وقوي الاجماع الوطني ، وحركات دارفور المتمردة ، وقطاع الشمال في الحركة الشعبية ، وجيل شباب الانترنيت في شمال السودان ؟ التفريط الخارجي يسمح بالافراط الداخلي ، والاثنان مجتمعان يسهلان استمرار نظام الانقاذ في الحكم ، الي يوم الدين ! صفقة شيطانية من انتاج واخراج السامري الانقاذي ! أنتهت حكاية السامري والعجول التي لها خوار !