*في حوارها مع اذاعتي ( اي راديو ومرايا اف ام ) قالت مندوبة الولاياتالمتحده لدي مجلس الامن الدولي ، مبعوثة الرئيس دونالد ترامب لجنوب السودان والكنغو نيكي هيلي ، انها قالت لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت انه ينبغي عليه ان يكون رئيساً لكل الجنوبيين وليس رئيساً لقبيلة واحدة او مجموعة معينة، الى جانب ان الرئيس يتعين عليه ان يتخذ خطوة عملية الان نحو احداث التغيير المطلوب في البلاد ، وفي جانب اخر قالت هيلي ان افضل ما كان خلال الاجتماع المشترك مع رئيس الجمهورية ان الاخير كان مستمعاً جيداً ولم يكن مدافعاً عن الانتقادات الموجهة لحكومته . * لستُ هنا بصدد التدقيق والتحليل حول كل ما ورد على لسان السيدة نيكي هيلي في ذلك الحوار الذي لم يكن طويلاً ولكنه كان عميقاً بكل التفاصيل التي اوردتها بشأن موقف بلادها من الازمة التي تمر بها بلادنا، واكثر ما استوقفني في حديثها هي اشارتها المباشرة او بصيغة اخرى حديثها بان الرئيس يجب ان لا يكون رئيساً لمجموعة محددة او لقبيلة معينة بقدر ان يكون رئيساً لكل الجنوبيين . *والان لقد مر اكثر من اسبوع على هذه التصريحات النارية ولم تتحرك المؤسسات الرسمية والمعنية بالامر للرد على ما اثير على لسان السيدة نيكي هيلي ، فالخارجية لم تقدم اي توضيحات او استفسارات حول هذه التصريحات وكذا الحال ايضا بالنسبة للمتحدث باسم رئيس الجمهورية الذي لا يفوته اي شئ الا وتصدى للامر ، غابت كل المؤسسات الرسمية المعنية بالدفاع عن رئيس الجمهورية في مواجهة هذه التصريحات الخطيرة ، وللحقيقة منذ اندلاع الازمة التي تشهدها البلاد الان بسبب خلاف حول السلطة بين قادة الحركة الشعبية ، اصبح المفهوم الذي يصور الرئيس سلفاكير ميارديت بانه يمثل رئيساً لاثنية معينة يتصاعد بشكل يومي رغم المحاولات العديدة لنفي هذه المزاعم ، الا ان محاولات النفي لم تكن مقبولة وسط الجميع لدرجة ان هذا المفهوم اصبح اكثر شيوعاً وسط القواعد الشعبية والمنابر الاخرى الواقعية وعلى الشبكة العنكبوتية . *ولم تكن مثل هذه المفاهيم وليدة او نتاج لاحداث ديسمبر 2013م ، وانما ظل متجذراً في الذاكرة الشعبية لمجتمعاتنا منذ الحقبة السياسية التي تشكلت عقب التوقيع على اتفاقية اديس ابابا للسلام في العام 1972م ، فمع تزايد حدة التنافس السياسي سيطر هذا المفهوم على تلك الاجواء التنافسية مما ترتب عليها الكثير من التداعيات التي لا تزال افرازاتها موجودة الان بالرغم من مرور اكثر من 40 عاماً على تلك التجربة التي شكلت تفسيرا في ذلك الوقت على ان حكومة السيد ابل الير تمثل اثنية معينة ، وكذا الحال ايضا بالنسبة لحكومة الجنرال جوزيف لاقو التي وصفها البعض بانها تمثل جغرافيا اقليمية معينة ، وفي النهاية لم يجني جنوب السودان في ذلك الوقت سواء انقساماً اجتماعياً لا تزال الكثير من اثارها لم تبارح مكانها حتى الان . *عقب تجدد المواجهات المسلحة في جوبا تصاعدت حدة الاصوات المنتقدة لسياسة استهداف اثنية " النوير " في جوبا من قبل قوات الجيش التي ارتكبت انتهاكات جسيمة في حق هؤلاء المدنيين بسبب خلفياتهم الاثنية ، ما دفع رئيس الجمهورية الى اطلاق توجيهات بعدم استهداف المدنيين العزل اثنياً مركزاً في حديثه على ان ما حدث محاولة انقلابية فاشلة خطط لها شخصيات سياسية بارزة في البلاد في مقدمتهم نائب الرئيس المقال دكتور ريك مشار ، ومع استمرار موجه الاستهداف الاثني واحتماء العديد من المدنيين بمقر البعثة الاممية في البلاد دعت رئيسة البعثة هيلدا جونسون الى اتخاذ اجراءات رادعة في مواجهة الذين ارتكبوا هذه الجرائم ولاول مرة المحت جونسون بشكل غير مباشر الى ان الحكومة مطالبة بالتدخل لايقاف هذه الجرائم واشارت في ذلك الوقت ان لم تخني الذاكرة بان الرئيس مطالب بعدم الانحياز الى اثنية معينة ، في ذلك الوقت امتدت موجة العنف الى مدينة بور التي ينتمي سكانها الى اثنية الرئيس ، والايام التي استبقت هذه الاحداث دفعت الى حدوث جرائم مماثلة في مدينة بانتيو ضد من ينتمون الى اثنية الرئيس في تلك المدينة ، ومن ثم كانت مدينة ملكال مسرحا لتلك الجرائم ، ومع انضمام اولونج الى صفوف الحكومة وتكرار نفس المشهد الذي حدث في جوبا لم يعد احد يتحدث عن استهداف اثنية الرئيس للمدنيين في بور وملكال ، ولكن صورت الوكالات العالمية مع يحدث بتحالف بين اثنية شلو والدينكا بحكم ان اولونج قائد المليشيا البارز في ذلك الوقت ينتمي للاثنية الاولى بينما الرئيس ينتمي الى الاخرى ، حتى انهار التحالف وعاد الحديث مرة اخرى عن انحياز الرئيس الى اثنية الدينكا . *ان الوقائع المرصودة حول تلك الاحداث المشابهة في مناطق عديدة في الاستوائية كانت تكراراً لتلك المشاهد التي حدثت في بور وجوباوبانتيووملكال وبعض من المناطق البعيدة جدا عن العاصمة ، فاصبحت مشاهد القتل على الاساس الاثني هو العنوان العريض في واو وياي وكاجوكيجي وغيرها من المناطق ، وانتشرت بيانات عديدة اخرى تستنكر والبعض تؤيد الى درجة ان الجيش الشعبي اصبح يوصف بانه جيش يخدم الاجندة الاثنية للقبيلة التي ينتمي اليها الرئيس ، وكذا الحال بالنسبة لقوات المعارضة المسلحة وقوات اقوليك وايروبويز واخيراً انتقلت نفس المسألة الى قوات جبهة الخلاص بقيادة توماس شريلو وقوات الحركة الوطنية الديمقراطية بقيادة الدكتور لام أكول ، وفي كل هذا لم يغيب " مثيانق انيور " من المشهد تماماً حتى الان . *كل هذا يكشف بان القبيلة اصبحت واحدة من المعادلات الرئيسية في النزاع الدائر الان في البلاد ولطالما الرئيس ينتمي الى الدينكا فان هذا يؤكد بان الجيش الحكومي كله من الدينكا ، وبنفس المنطق ينطبق الامر بالنسبة للحركات التي تحارب الحكومة ، اننا في الحقيقة نعيش في ازمة كبيرة من الصعب معالجتها عبر اتفاق لتقاسم السلطة مثل ما حدث في اتفاق اغسطس 2015م والذي في تقديري انهار تماماً وحتى مبادرة الاحياء المطروحة لا يمكن ان تكون حلاً ما لم تتفق الاطراف على اتفاق جديد يستند على منهج وتفكير مختلف تماماً . *ولنا ان نتساءل كيف كان رد فعل رئيس الجمهورية ازاء التصريحات التي ادلت بها مبعوثة ترامب ، هذا اذا استثنينا بان نفس التصريحات اطلقها خصومه السياسيين من الحركات التي تحارب حكومته ، ويمتد التساؤل ايضا للذين يعملون معه كيف هي ردود افعالهم ام ان الامر لا يعنيهم ؟ ، وللعلم ان ذات المفهوم ينطبق ايضا لبعض من وزرائهم الذين كلما شغلوا منصباً وزارياً طالتهم ذات الاتهامات . * رئيس تحرير صحيفة الموقف الناطقة بالعربية جوبا – جنوب السودان عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.