من المشاهد المؤلمة التي تصادف المارة في شوارع وأزقة وقرب خيران أحياء وحواري مدن الخرطوم وبحري وأم درمان، مشاهدة أولئك الصبية المتسخين الذين يحملون على ظهورهم جوالات بلاستيكية. تراهم منحنين على مكبات النفيات "الكوش" يجمعون بعض الأشياء المتسخة ويضعونها في داخل جوالاتهم التي تبدو ثقيلة الحمل على ظهورهم الغضة. في البداية قد يعتقد من يبصر هذا المنظر لأول مرة أن هؤلاء الصبية يتخيرون من النفايات بعض الأشياء التي قد يكون أصحابها قد تخلصوا منها إما بالخطأ أو بدوافع الملل والكسل، أو أنهم يجمعون بعض المعادن أو القوارير البلاستيكية مما يصلح تدويره من جديد لدى جهات "ما" يتعاونون معها؛ بيد أن المفاجأة المؤلمة حين تكتشف أن أغلبية هؤلاء الصبية يعملون على تجميع "البلاستيك" وقطع "البامبرز"، التي – بحسب مختصين – يعاد الاستفادة منها في تقطير مشروب "العرقي" المسكر! بلا شك، إن نسبة المتعاطين للخمر في العاصمة الخرطوم نسبة لا يمكن التهاون في عددها، وربما حوادث التسمم الكحولي عن طريق تناول "الاسبيرت" خلال السنوات الماضية قد تعطي نسبة تقريبية لهذه الأعداد، هذا بالإضافة -طبعا- إلى مضابط الشرطة و"النظام العام" التي قد تعطي تقديرا أكثر دقة لإعداد المتعاطين، كما يمكن أن تهبنا مسح خرائطي دقيق ل "مصانع" و"معامل" الخمور البلدية المنتشرة في أرجاء العاصمة. ما أرمي إليه من هذا الكلام أن هذه الأعداد – التي لا يستهان بها – من المتعاطين والمتناولين للخمور، وبخاصة مشروب العرقي، باتوا عرضة لتهديد صحي كبير جدا، سببه الرئيسي لجوء أصحاب بعض "مصانع" و"معامل" العرقي إلى استخدام مواد غير طبيعية في تصنيعه وتقطيره يأتي على رأسها المواد البلاستيكية والغشاء التكويني لحفاضات الأطفال "البامبرز"؛ الذي يحتوي ضمن ما يحتوي على أنواع من العطور والمرطبات والزيوت، ومادة "البوليمر" التي تساعد على الامتصاص. لجوء بعض مصنعي الخمور –ضعاف النفوس - إلى "البامبرز" كخيار يساعد في التقطير ويرفع بالتالي من الكمية السائلة المطلوبة، يرجع بلا شك إلى محاولتهم خفض التكلفة التصنيعية إلى الصفر أو ما دونه، غير آبهين بصحة زبائنهم المفترضين، والخطورة الأكبر في اللجوء إلى "البامبرز" كخيار كميائي للتصنيع لا تكمن فقط في المواد التي يصنع منها "البامبرز" إنما من حالة "التلوث" و"القذارة" التي يوجد عليها هذا "البامبرز"، بما أنه مستخدم سلفا وتم التخلص منه ك "نفاية" ثم تم التقاطه من مكبات النفايات، فهو لا يعدو في النهاية أن يكون أكثر من مرحاض قماشي ممتلئ ب "البراز" و"البول". في بلد مثل السودان، الخمور ممنوعة أصلا بحكم القانون، بغض النظر عن المادة التي صنعت منها وبغض النظر عن كونها محلية الصنع أو مستوردة؛ في مثل هذا الوضع كيف يمكن التحكم على هذه الحالة المهددة لصحة آلاف الناس؟ مع ملاحظة أنه من الصعب جدا القضاء على تصنيع الخمور بشكل نهائي وإلا لتم هذا منذ سنوات طويلة! المعلومات السابقة أخذتها من "طبيب نفسي" مختص، من ضمن اشتغالاته معالجة المدمنين على الخمور، الأمر الذي دفعه إلى محاولة اكتشاف هذا العالم، أعني عوالم تصنيع الخمور، فصدم بالحقيقة السابقة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.