اللغة العربية غنية بالعبارات الجميلة والكلمات الرصينة المترادفة والبيان الساحر والمقدرة على استيعاب مصطلحات اللغات الأُخرى. ولا يوجد تعبير جيد في الشعر يضاهي ما في اللغة العربية من فنون الإيقاع الحسي والمعنوي وخاصة في الشعر الحماسي كشعر عنترة والصحابي الجليل حسان بن ثابت (رضى الله عنه) ومهيرة بنت عبود وغيرها ، فهى لغة القرآن الكريم حيث تسيل الدموع من خشية الله عند التلاوة لحلاوة الكلام بينما لا نجد أحداً يشعر بلذة لغة أجنبية أخرى أو يتحمس في الوغى لسماع أُنشودة حماسية. اللغة العربية لغة أهل الجنة ومع هذا تستعصي على معظم الناطقين بها التقيد بنطق حروفها ومفرداتها كما هي وذلك من حيث تبديل حرف "ق" ب "غ" و"ذ" ب "د" وكل ذلك مفهوم للمتخاطبين مع اختلاف مخارج الحروف والمفردات حسب المجتمعات المحلية أو في الدول العربية. ولا يلجأ العرب إلى استعمال قواعد اللغة العربية إلا عند الكتابة. ويبدو أن هناك تأثير كبير على اللغة العربية من قبل اللغات الأُخرى مع العولمة وانتشارالعلم حتى أصبحت اللغة العربية غريبة اليد واللسان في الوطن العربي بالمقارنة مع ما كان من اهتمام بأمر اللغة العربية قبل ستين عام تقريباً. وفي الآونة الأخيرة بدأت مفردات اللغات الأُخرى وخاصة الانجليزية تتغلغل في اللغة العربية تغلغل الثقافات الأجنبية الأُخرى. وهنا في السودان بدأ بعض الناس يقحمون كلمات انجليزية في اللغة العربية وليت ذلك للاستعمال الشخصي ولكن عبر الأثير لكل أنحاء الدنيا وكأن المعنى المراد لا يصل الى المستمع بالكامل إلا عند استعارة كلمة من اللغة الإنجليزية. وقد لاحظت ذلك عندما يستخدم البعض عبارة " زيرو عطش" حتى عند مخاطبة البسطاء في الأرياف الذين لا يجيدون الكتابة باللغة العربية. علينا أن نضع أنفسنا في موضع هؤلاء ونحلل كلمة "زيرو عطش". أولاً كلمة زير تعني للمواطن السوداني "جرة " ماء لا غير ويمكن أن يفهمها زير وعطش أي أن هناك زير ويوجد عطش. وحتى عندما ينطق الشخص كلمة " زيرو عطش" ينطق الواو منفصلة عن زير ويضيفها إلى عطش وبذلك تصبح العبارة "زير وعطش" أي لا فائدة من المشروع. التعبير الصحيح في هذا الصدد هو " توفير ماء الشرب النقي" لأنه لا يمكن محاربة العطش إلى يوم القيامة بل توفير الماء النقي لمن أراد الشرب. فالصائم يرى الماء أمامه وهو في حالة عطش ولا يشربه إلا عند وقت الإفطار ولا بد من العطش لكي نشرب الماء وعلى هذا السياق فإن ماء النيل متوفر على مدار الساعة ومع هذا هناك مناطق في أم درمان تعاني من العطش لأن الماء غير نقي ويحتاج إلى معالجة . وفي هذا السياق نفسه ينبغي معرفة أن المستمع العربي هو الذي يعرف كلمة "الزير" وهناك معنى آخر لهذه الكلمة لدى بعض الدول العربية يترفع المرء عن ذكره. وحيث أن السودان سوف يشارك في مؤتمر دولي يتعلق بالمياه ويود عرض تجربة توفير المياه أرجو ألا تجد عبارة " زيرو" طريقها لأروقة الاجتماع أو المؤتمر. علينا أن نعتز بلغتنا كما يعتز غيرنا بلغاتهم فألزعيم الأُوروبي أو الياباني أو الصيني أو لا يتكلم إلا بلغته داخل بلاده وحتى عندما يزور دولة أجنبية يتحدث مواطنوها لغة غير لغته يصر على التحدث بلغة بلاده حتى مع المعرفة التامة بلغة الدولة الأجنبية المضيفة. من أكبر الأخطاء الظن بعدم وجود كلمات عربية مقابل مفردات لغة أجنبية. اللغة العربية آخر تراث لغوي يمكن الحفاظ عليه لمسايرة العولمة اللغوية. وأرجو أن يقرأ عالم اللغة العربية الأخ عمر صديق خليفة العلامة عبد الله الطيب ( رحمه الله) ليضفي على هذا المقال المزيد من البريق إذ يعول عليه كثيراً فهو الذي حبب إلينا سماع لغة تسلب الألباب يجمالها ورونقها، كما آمل أن يجد لنا معاني باللغة العربية لكلمات أجنبية أصبحت ملتصقة التصاق ما يسمى " بالقُرادة" بجلد الإبل وهى كلمات انجليزية تنطق وتكتب بالعربية مثل دكتور وبروفسير وغيرها ولهذا تحاشيت وضع تلك المفردات أمام علماء اللغاة العربية الأجلاء. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.