سِفر متوسط الحجم، بلغت صفحاته الثلاثمائة بقليل وهومن إصدارات دار نشر الجامعة الوطنية، إنجاز آخرلقرشي و هي تتخير مصادر أخري للطباعة علي غير ما عهدنا ، ففي تركيا جودة ألمانية وطباعة لم أري مثيلاً لها من حيث الورق الصقيل و تفردها بألوان علي حافة الصفحات لتميز كل فصل عن الآخر، مما يزيد الكتاب جمالاً و فائدةً ،ولا تعيبه الأخطاء الطباعة. أواصل من حيث إنتهيتُ بذكر التحفيز و التشجيع للطلاب و لغيرهم و ذكرتُ أثر الكتاب في إلهامنا لوضع جائزة باسم عبد الوهاب موسي،ضمن جوائز مهرجان التميز و الابداع بمنطقة الحلاوين،تكريماً للتفوق في كافة مجالات التعليم:للطالب و الأستاذ والمدرسة، للأم المثالية و الأب المكافح... يقول ب. قرشي حول التحفيز و التشجيع بالجوائز و قد نال العديد منها بدءاً بحنتوب الثانوية" التشجيع بالجوائز حتي المعنوية منها- ضرورة في التعليم، خاصة إذا إتسعت قوائم المتنافسين و الفائزين، مثلماهي الحال في حنتوب و التشجيع يبقي في الذاكرة يتحدي الخرف والخبل (الزهايمر).لذلك فقد أدخل ب. قرشي نظاماً للتحفيز في الجامعة الوطنية يشمل العشرات كل عام و فقاً للمعدلات التراكمية في الآداء الأكاديمي.لذلك عليكم بالتشجيع و التحفيز. مما حكاه قرشي عند وداعه للذهاب للبعثة بالمملكة المتحدة للتحضير لدرجة الدكتوراة، فقد ذبحت والدته حملاً و جاء ضمن الحضور العم الماحي و بعد تناول و جبة الغداء مسح يديه بدهن اللحم و توجه بالحديث إلي قرشي" ما عندك فرقة يومين تلاته ، تمسح لي فيهن؟" علق قرشي علي ذلك ، قائلاً" أهل القرية الطيبين كل في حاله، لا يأبه بما عند الآخرين و برامجهم" لم يزد و لم يعنف ! و يا له من إنسان طيب! لقد ودع قرشي المسح و القلع ليعمل في أشغال أخري مع الدراسة أقل قسوة و شدة. نقل قرشي تجربة التنمية الأهلية في الجزيرة بعمل المواطنين و تبرعاتهم لبناء المدارس و المستشفيات و طرق الأسفلت، خدمات المياه و الكهرباء كلها أو بعضها مع النفير و شئ من جهد الدولة.أمٌر يزرعه الغرب، خاصة في ولايات أميركا المتحدات لتشجيع التلاميذ علي التبرع من مصروفهم حتي يتشبعوا بالقيم الرفيعة - العطاء و الانفاقوالتعاطف، حيث نراها الآن و نسمع بها تتجسد في أغنياءهم أمثال بيل قيتز، بوفيت و مارك زوكيربيرج –الأخير يقود مبادرة لتخصيص أقماراً صناعية للدول المحرومة من الانترنيت( فقراً في المال أو فقراً في الفكر). كتب ب.قرشي عن مشروع الجزيرة و نظامه المحكم و سياساته و قد آل إلي خراب و نادي بانقاذه و تلافي من بقي من العاملين فيه علي قيد الحياة للعودة و إحيائه، وكما قال الصادق المهدي عقب المجاعة معلقاً" صدقوني مطرة واحدة تكفي" أقول موسم واحد يكفي لانقاذ مشروع الجزيرة و عودته لدائرة الانتاج ! من ذكاء قرشي المبكر إقلاعه عن التدخين و هو طالب بالمدرسة الوسطي عندما شاهد أحد المدخنين يستبدل قاموس (ديكشنري) مايكل ويست بسجارة واحدة! عبرة لمعتبر و كان قرشي من المعتبرين- كان و ما زال يعقل الأمور و يزنها. لقرشي رأي صائب في التعريب و كان أقرب للمتخاذلين،ممن لم يقدم عليه ، فألف كتابه في التشريح باللغتين العربية و الانجليزية و لعل سبب تخاذله، قناعته أن المعرفة في إتساع، لا يجاري بغير مجهود أمة، حتي تتمكن البلاد من المواكبة وبلغتها.ونري خطل التعريب في إقدام أهل الانقاذ علي تعليم أبنائهم باللغات الأجنبية و في مراحل للتعليم مبكرة، كما خانوا سياسة وقف الاببتعاث بارسال أبنائهم و بناتهم إلي كافة أنحاء العالم بينما توقفت الدولة من إرسال الأذكياء!الذين يمكن أن يستفيدوا و يستوعبوا العلوم و المعرفة و ينفعوا الأمة و البلاد! من دلائل و وعي قرشي إهتمامه بنوع الدراسة الجامعية التي يرغب في مواصلتها، لذلك فقد ذهب مباشرةً عقب نتيجة إمتحان الشهادة الثانوية ليستشير أساتذته بمدرسة حنتوب ،إذ كان يرغب في دراسة الفيزيا ليصبح عالماً فيها، أو الطب ليكون مثل د.سيد محمد أحمد بالمنطقة أو مهندساً مثل سيف الدين محمد أحمد و هو من قريته!ذلك عمل يقوم به بعض الآباء في الغرب ، حيث يأخذون أبنائهم إلي أقرب جامعة أو إلي الجامعة التي يودون الدراسة فيها و يستكشف الطلاب مختلف المجالات ،حتي ترسو طموحاتهم علي بر سوي. لم يتوقف قرشي عن العمل أثناء الجامعة و في أول إجازة إشتغل بمصنع قوز كبرو و كان يتبع للمزارعين بالجزيرة. كان بالمصنع عدد من أهل اليسار و خلال ضربة نميري لهم عقب إنقلاب هاشم العطا فرصة ليقارن قرشي بما حدث للاسلاميين لاحقاً من شقاق و خلاف بعد حكمهم للبلاد في عام 89"بعد إنقلاب 89 دخل الاسلاميون النفق نفسه، بطعم مختلف بعد عشرين عاماً، و إن لم يكونوا قتلي فقد إنفض السامر و ضمرت الهيبة. و أصبح المشروع مشروخاً و متصدعاً و لا أحد يدري من كتب السيناريو ، ومن أخرجه و من الممثلين، ىومن المشاهدون، قناعة الطالب أن مواعين الفكر المغلقة(اليسار و الاخوان) تتكسر أغلفتها، و تتناثر محتوياتها في المنعطفات الصعبة.أما آنية الفكر المفتوح (أحزاب الطائفية)، عديمة الهوية و التجانس، و هلامية الانتماء، و تتقمصها أهواء القادة و ورثتهم و متاع الغرور، لا دوام لنصر و لا تمكين.وبعد إنفضاض سامر التنظيم بين عام 1994و 1999- تسرب في طالبنا الزهد فيها جميعاً، يبتعد رويداً رويداً ليعود متردداً، ليزهد ثانية و ثالثة. وهنا إزداد يقيني بحقيقة الانقسام و تشابه أهل العقائد جميعاً في سلوكهم و قد نقل ذات الفكرة د. عبد الوهاب الأفندي عن المودودي "بأن الاسلاميين( و لعله عني الاخوان المسلمين) و الشيوعيين متشابهين" وقد أشار إلي ذات الفكرة د.حسن مكي حين قال حول الانقسام "ذكر الترابي بأنه يريد أن ينشئ حزباً معارضاً و آخر في الحكم ، وقد نجح في ذلك" مما يعني بأن الانقسام بين الاسلاميين كان مقصوداً! وفي كل الأحوال ما نراه مخيماً علي البلاد الآن ما هو إلا سلوك بشري قديم في تنازع السلطة و الحكم، طمع و شره...فهل نحلم بقيام حزبين ناضجين كحزبي أميركا- الجمهوري و الديمقراطي؟ أحزاب تقوم علي مبادئ عظيمة –العدالة، المساواة و الحرية، حرية الحركة و التجمع و الرأي أو الفكر،حرية مطلقة و لا أحد فوق القانون، مع دستور يخضع له الجميع و نظام للمحاسبة قوي و قضاء نزيه، مع إبعاد الدين عن أي نشاط، و ترك خيار التدين للفرد، ىإذ يأتي الناس لربهم يوم العدل أفراداً!تجارة حرة و شفافة و ضرب للفساد. لقد شقي الناس باسلام الظاهر و فساد الباطن ، كما شقيت كثير من الشعوب و لحق بها الدمار و الخراب ،في سوريا وفي الصومال و أفغانستان...ما أحوجنا إلي النفوس الذكية اللوامة!أناس يألفون و يؤلفون، يراجعون و يتراجعون، لا قدسية و لا سيادة.أناس كالصوفية الخلص!- ليني الجناح، سهل طبعهم و معشرهم ، لا غرور و لا كبرياء، مع الناس و بهم. إلتقي د. قرشي خلال بعثته بكثير من الجنسيات و منهم أهل ماليزيا، فقد جاءوا بالميئات، لذلك جاءت نهضة ماليزيا سريعة و قوية.النهضة تحتاج لحجم حرج يحدثها و يحرك عجلتها، تماماً كالقنبلة الذرية فهي تحتاج إلي كتلة معلومة لا يحدث الانفجار دون تمامها!إذا أردنا نهضة نحتاج إلي أعداد من العلماء في كافة المجالات و المهندسين و من يساعدهم من فنيين و عمال ، نحتاج إلي مال و إلي بيئة مواتية. عرج ب. قرشي إلي الكيد السياسي بين الاسلاميين و نموذج ماليزيا أيضاً حاضر، و خلاف مهاتير مع أنور إبراهيم. يقول قرشي" كيد الصديق في الظلام يناصر كيد العدو في النور" و يخلص إلي أن الاسلاميين قادهم الجهلة إلي حماقات و عنتريات خطابية مع قليل من الرؤية الممكنة و الفاعلية الصامتة، و من قال كل ما يفعل و لا يفعل، إنفضح بالتهريج و أنهزم بالاستكانة و العزلة، و جر عليه قوله تضامن أعدائه ، و أورده حصاد لسانه الخسران! نقل المعرفة أضحي في زماننا هذا سهلاًلمن يريد و يرغب، أما في العقود القريبةفقد كان صعباً ، مثل بحوث التعليم و التعليم الطبي و طرق الدراسة، يقول ب. قرشي" لم يكن الدكتور( و يعني نفسه) يعرف خطل تلك الممارسةإلا بعد وصوله لجامعة الجزيرة و الاطلاع علي بحوث التعليم و التعليم الطبي الذي حملته العولمة كرهاً، و ألزمت به جامعة الخرطوم و غيرها ، وهناً علي وهن، للوفاء بشروط المجلس الطبي السوداني للتقويم و الوفاء بمتطلبات المرجعيات الدولية.وهنا يقف ب. قرشي علي مغزي الامتحانات و أهداف الدراسة، و يأتي أهمية معرفة مؤشر الصعوبة(Difficulty Index) و مؤشر التفريق(Discrimination Index) و هي من العوامل الحاسمة في الامتحان العادل- خاصة الامتحان الشفوي-إذ يشك ب. قرشي في عدالته و ربما جدواه! و يعود ذلك في رأيي إلي عدم تدريب الأساتذة، حيث يأتون مباشرةً من كلياتهم ليتدرجوا في هيكل التعليم الجامعي و ربما يتم إبتعاثهم أو إكمال دراساتهم العليا بالداخل في مجالات تخصصهم و يجهلون ما ذكر ب. قرشي، الذي إستفاد من وجوده في جامعة الجزيرة و من الفترة التي قضاها في الولاياتالمتحدةفي مجال التعليم الطبي و التقويم. مما يؤخر مواكبة المستجدات في التعليم العالي و في غيره من المجالات ،أمرٌ يُعزي للسلوك البشري، من رفض للجديد و مقاومة لا تلين.و لنطلق عليه التقصير الذاتي، من ذلك عدم إلمام واسع بالتخطيط و السياسات و خلط شائع بين السياسات و بين الأهداف ،إلي إنعدام السياسات في كثير من المواقع،إذ ظلت تسير بالقصور الذاتي حتي عاجلها التقصير الذاتي و أودي بها موارد الهلاك و البوار: مشروع الجزيرة، وسائل المواصلات جميعها: سكك الحديد، النقل النهري و البري و الجوي ... يكتب ب. قرشي عن فترة الامتياز" فترة الامتياز عسكرية مهينة، حيث يتدرب الطبيب علي خفض جناح الذل، و التواضع و تحمل الاهانات، و الاذلال، و التجهيل، و الضغط النفسي، و السهر العميق، وحتي الآن يعتقد و يكاد أن يدعوا مخلصاً" ألا يريكم الله طبيب إمتياز في عزيز لديكم" وذلك من قسوة الوظيفةو إلتزاماتها ، و فلسفتها التي قامت عليها و الأذي المسترسل الذي يلازم ذلك الشرف الرفيع ومن الأطباء من يحمل سلوكيات الامتياز تواضعاًو إنكساراً لخلق الله من الضعفاء و يمشي بين الناس هوناً، حتي بعد التخصص، و التخمة، و ما أكثرهم و منهم من تنعكس فيه المهانة بعقدة النقص طغياناً و كفراً بالمساكين، تزيدها النجاحات طاؤوسية و نرجسيةمتأففة.و هؤلاء هم القلة. وهنالك صفات إنسانية في فترة الامتيازلا توصف كتابة و لاقولاً، مهما أوتي الكاتب من مجامع الكلم، و لا يستطيع المسئولين و الصحفيون بالخيال و لا السماع ، أن يدركوا حجم الملائيكية، و لا وزنها، وهي في زوايا الحوادث في أي مستشفي في الخرطوم العاصمة أو في أطراف السودان،هنا تتكسر الكبرياء، و ينهزم العياف، و ينصرف الدلع و تتواري العنجهيات بتفاني الطبيب في إنقاذ الأرواح واحدة تلو أخري، لحظة يمسح فيها الدماء بيديه، و لحظة يزيل فيها المخاط عن فمه بعد محاولة تنفس صناعي يستدعي حياة و هي تغادر الجسد،يحيط به أهل المريض بين الحياتين، و منهم من يرضي و يصطبر،بما بذل الطبيب، و منهم من يحرض أهله علي العتاب أو يكيل السباب ، أو يستعين بالصحافة الفجة.وهنا إذا لم يعتقد الطبيبفي واجب يؤديه، أو رب يجزيه لكفر بالناس و التضحيات، عند مصيبة الموت، و الذي لا يعرفه أكثر الناس أن طبيب الامتياز، علي قلة متاعه و فراغ جيبه، هو أكثر الناس إحسانا، و قد يكون في جيبه أو حقيبته ربع جنيه، و لا يسمح له العمل أن يتناول إفطاره،فتراه يشتري الدواءً لفقير، لا مرافق له. وهذا حال 80-90% من الأطباء. رضي السطحيون من الصحفيين أو سخطوا! هذه المرة الوحيدة التي يخرج فيه ب. قرشي عن طبيعته و يكتب كلمات نابيات مثل الفجة و السطحيين!لذلك علي أهل الصحافة و الاعلام توخي الحذر و الدقة و الأمانة فيما يكتبون أو يقولون.و لنذكر بالقيم الرفيعة – من يقين و إيمان ، و بأنه لكل أجل كتاب و أننا أعجز من إسترداد ما أخذته مننا ذبابة! فكيف باسترداد روح ، آن أوان ذهابها؟ وهكذا يمضي ب. قرشي في سيرته و تأملاته الذكية، ليأتي علي العمل في الخارج- السعودية و عمان و إلي مشائخ أم درمان و وزارة الصحة الاتحادية وكيلاً، وجامعة الأزهري مديراً و إلي الجامعة الوطنية و رؤيته في الخدمات الصحية –الأخيرة تصلح من عمد السياسات الصحية إن توخت الدولة إصلاحاً. نقف علي رؤية ب. قرشي حول التعليم الجامعي و ضرورة الحرية الأكاديمية و الادارية لتبدع و ترتفع لمثيلاتها في الخارجو يري أن تبني الحكومة الجامعة فقط و تتركها تستقطب المال بجهدها، عبر آليات إدارية معتمدة، لا تحرجها من الضوابط المالية ، و لا تعفيها من المسئولية الاجتماعية، ثم تستغل الجامعة ما تحصل عليه في رعاية الأساتذة و البحوث و بما تحصل عليه من المنح الدراسية للطلاب، جزئية أو كلية، عليهم سدادها في زمان ما، سواء عمل في البلاد أو بالخارج...ثم تنفق الدولة العائد منها لاحقاً علي بعثات في الخارج لدراسات ذات أهداف إستراتيجية أو إقتصادية أو أمنية " و هذه لعمري سياسة جيدة للتعليم الجامعي إن تم تبنيها ،لأنصلح حاله و قوي عوده. أري هذا الكتاب ذي فائدة كبيرة للطلاب في كافة المراحل و للمشتغلين بالخدمات الصحية و العلاجية و بالتعليم الجامعي و لغيرهم و ليت القائمين علي المناهج ينظرون في وضعه ضمن المناهج التعليمية أو لرفد المكتبات المدرسية و العامة به، مرجعاً و مثالاً. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.