الدعم السريع يغتال حمد النيل شقيق ابوعاقلة كيكل    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    وصول البرهان إلى شندي ووالي شمال كردفان يقدم تنويرا حول الانتصارات بالابيض    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    عقار يوجه بتوفير خدمات التأمين الصحي في الولايات المتأثرة بالحرب    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    الإمارات العربية تتبرأ من دعم مليشيا الدعم السريع    محمد الفكي يتهم إسلاميين بالتخطيط لإشعال الشرق    حسين خوجلي يكتب: مدينة الأُبيض ومن هناك تبدأ الشرعية ومجتمع الكفاية والعدل    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    لافروف: العالم يشهد أزمة في مجال الحد من التسلح وعدم الانتشار النووي    أمانة جدة تضبط موقعاً لإعادة تدوير البيض الفاسد بحي الفيصلية – صور    نصيب (البنات).!    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    محمد وداعة يكتب: حميدتى .. فى مواجهة ( ماغنتيسكى )    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد بالفيديو.. الناشطة السودانية الشهيرة مدام كوكي تسخر من "القحاتة" وحمدوك: (كنت معاهم وخليتهم.. كانوا سايقننا زي القطيع وبسببهم خربنا وش مع البشير لمن قال أدوني فرصة)    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإدارة الأهلية: اخترعها الإنجليز وتبعناهم بإحسان .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 07 - 07 - 2018

سعدت بالمناقشة التي جرت على صفحتي بالفيسبوك حول الإدارة الأهلية بين اعتقادي فيها وبين نفر كريم لم يقبل به. وكنت قلت إن الإدارة أهلية، كيان من صنع الإنجليز للحكم غير المباشر الأقل تكلفة استثمر فيه بالطبع خامة "حوكمية" سودانية فصّلها لمقاسه ولقضاء حاجته في إدارة الأهالي وضبطهم. وكان رأي من تفضل بالمناقشة معي إن الإدارة الأهلية كيان سوداني أصيل كشفت الحكمة الإنجليزية عنه، فاستصحبته، فأمن السودان وغنم.
نبهت المحاورين أنه متى أرادوا معرفة قيام الإدارة الأهلية وجب أن ننتقل من تجريد المسألة (هل الإدارة الأهلية سودانية وقع عليها الإنجليز فنفعوا بها وانتفعوا) إلى سؤال لا يصح درس التاريخ بدونه: وهو سؤال: متى وقع النظام للإنجليز، وكيف، ولماذا؟ ونبهت بقوة إلى أنه استغرق الإنجليز قرابة ثلاثة عقود ليكتشفوا هذا النظام الموصوف بالأصيل سودانياً. فلماذا تأخرت الحكمة الإنجليزية نحو ثلث قرن لتقع بعده عليه؟ وأنقل هنا كلمة كتبتها في مناسبة أخرى فيها محاولة للإجابة عن أسئلة المؤرخ التي لا مهرب منها: متي؟ كيف؟ لماذا؟ وهي تلخيص مختصر جداً للفصل الثاني من كتابي "هذيان مانوي" الذي توسع في الإجابة على هذه الأسئلة ليخلص إلى أن الإدارة الأهلية هي مما اخترعته الإدارة الاستعمارية لغاية ضبط السودان وحكمة في سياق تحالفات جنحت إليها بعد ثورة 1924.
اعتمد الإنجليز بعد احتلالهم السودان نظام الحكم المباشر. وهو نظام يقوم على كيان إداري قوامه الإداريون البريطانيون، ثم موظفون شوام ومصريون وأقباط مصريون خاصة، يعينهم طاقم سوداني من صغار الأفندية من خريجي المدراس التي فتحها الاستعمار. وظل الحال هكذا حتى انقدحت وطنية هذه الفئة السودانية، وجنحت، تحت تأثير الثورة المصرية وثقافة مصر عامة، بالولاء لمصر دون الإنجليز. وجنح نحو الإنجليز بالولاء الأعيان من رجال الدين والعشائر. واندلعت ثورة 1924 في هذه السياق. وغضب الإنجليز غضبة سكسونية على الجيل الذي أوجدوه من عدم في كلية غردون، وجازاهم بِعَض أيديهم المحسنة لقيامهم بالهبّة الوطنية الأولى في 1924. ولقتل فتنة المتعلمين المشرئبين ورجرجة المدن في مهدها تحوّل البريطانيون من سياسة الحكم المباشر إلى الحكم غير المباشر التي وضع أسسها اللورد لوقرد من واقع تجربته الإدارية في شمال نيجريا. وقد استنبط هذه السياسة، المعروفة باسم "الاستعمار بأقل تكلفة"، بعد دراسته لما تبقى من تقاليد الحكم في خلافة صكتو الإسلامية. وقد عُرفتْ هذه السياسة بينا ب"الإدارة الأهلية". بل ربما كانت أول البعثات الدراسية في السودان الاستعماري هي تلك التي حظي بها المستر ديفز، المفتش المعروف وصاحب كتاب على ظهر جمل، ليقف على ممارسة الحكم غير المباشر في نيجيريا عن كثب.
كانت سياسة الإدارة الأهلية هي "أدَبة" للمتعلمين لخروجهم على من أحسنوا إليهم واحتواء المؤثرات التي حفّزتهم لمثل ذلك الخروج. ولم تكن تلك المؤثرات سوى ما أصابوه مِن "مَن تقدّم وتمدّن"، وهو من لُبّ المهمة الاستعمارية، جعلهم يتشوقون إلى الحرية والاستقلال. وهذه سنة الله في الأرض. وأرادت الإدارة الاستعمارية بالحكم غير المباشر، الإدارة الأهلية، أن تقيم حِلفاً بديلاً لحلفها مع خريجي المدراس. واختارت هذه المرة التحالف مع الآباء الطبيعيين في الريف كيداً (أو كيّة) لأولادها العاقّين. وقد وصف الدكتور محمود ممدانى هذه الرِّدة الاستعمارية ب "استسلام المستعمرين" أي رفعهم الراية البيضاء دون تحقيق مهمة الرجل الأبيض، وهي حَمل الأهالي حملاً على الحضارة والتحديث. وليس من حسن التحديث أن تترك الحكم لرجال "القبائل البدائيين" الذين جاء الاستعمار، ابن وافدة البحار، بمهمة "الرجل الأبيض" الحضارية، لإنهاء وجودهم وإحلال إدارة مستنيرة مكانهم. وهكذا غلبت على الإنجليز شواغل الإدارة فأداروا ظهرهم للمتعلمين وأهل البندر خشية من أن ينقلبوا عليهم. وشمل الترييف حتى الشريعة نفسها وذلك بمنح محاكم النظار سلطة النظر في قضايا الأسر بمقتضى الشريعة. وكان القصد من هذا أن تزال المحاكم الشرعية من الريف لأنها من مؤسسات للحكم المباشر وتنتسب إلى تقليد ثقافي مركزي. وقد فصلت هذه المسالة في كتابي "الشريعة والحداثة". وقد بلغ الترييف عند المتطرفة من المفتشين الإنجليز حداً أزعج ماكمايكل، السكرتير الإداري للحاكم العام، وقال كفاية بقى. وقال إنجليزي واقعي آخر إنّ بعث القبلية بعد سنوات من الحكم المباشر بمثابة تزييت لعجلات ماكينة خربة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.