أظن إن إسمها (سوسن)، كانت تدرس في المرحلة المتوسطة بالمساء، كانت فاتنة في هيئتها و مشيتها و ضحكتها، و كان اللون البني الرسمي يليق ببشرتها القمحية المائلة إلى سمار... و يبدو أنها أحست أو عرفت، فقد كنت أنتظر قدومها من محطة المواصلات في إتجاه الغرب حيث تدرس، مروراً ببيتنا، حيث أنتظر، منذ وقتٍ طويل مجيئها... و معها رفيقاتها يتقافزن كالصيد البري... كنت في تلك الفترة من حياتي (مرحلة الثانوي) أخاف من جنس النساء و أخجل من البنات... و لكن، يبدو أن حبي لسوسن قد كساني جرأة و إقدام، فكنت لا أتورع عن التحديق فيها و التملي في قسماتها وفي هيئتها الفتانة.... و كانت هي تبذل المزيد من الغنج حالما تصل قُبالتي... و مع ذلك لم أتحدَّث إليها إلا مرّة واحدة، و كانت تلك السانحة بموجب صدفة وجود (أحمد) الذي تربط أسرته بأسرتها علاقة نسب... كان واقفاً بجواري عندما قدمت سوسن و رفيقاتها... فبادرها، قاطعاً عليها الطريق، بالسلام... و بجاه الملوك، صافحتها بيد ظلت مرتعشة لزمن، أنا أيضاً... و في الحقيقة، فأنني لا أزال أذكر طعم ذلك السلام، و ما زالت كلمات الترحيب الباشة ترن على مسامعي بالصوت السماوي المتسق مع البهاء و الألق الذي كان يفيض من سوسن. و جربت، بعد تردد، أن ألقي التحية عليها و على صويحباتها... في اليوم التالي، رغم غياب أحمد، و لكنها أشاحت بوجهها عني، لينقطع حبل الوصل الوليد، و نعود غرباء، كأننا لم نتصافح بالأمس و نتعارف عن طريق (أحمد) على مستوى الأسماء... و نتبادل إبتسام المراهقين... و قد إلتقيتها بعد سنوات، كانت تدرس الجامعة في كلية الآداب و كنت على مشارف التخرج من الهندسة، و شاءت الأقدار أن نجتمع في جو فرايحي و ودي، بوجود عدد من الأصدقاء المشتركين، و سلمت عليها، كمن يعرفها لسنوات، بإسمها، فأندهشت، و لكنها ابتلعت دهشتها على الفور... و رسمت ابتسامة ترحيب رسميّة و هي ترد السلام بعادية متوقعة... و أقتربت منها، بالتدريج، محاولاً مخاطبتها، و ما أن جادت علي بأول كلمات، حتى أمطرتها بسيل الذكريات... و حكيت لها عن حبي لها من بعيد، و أنا أخفي إرتباكي بضحكات قصيرة ... و غاصت سوسن في أضابير ذاكرتها، و رويداً رويداً افصحت عن تذكرها لتلك الأيّام، و لكنها خذلت ذكريات حبي بأن قالت لي: - ما أنا، كانت معجبة بيك صفاء صاحبتي... و كنّا بنجاملها مخصوص و نمر بي قدام بيتكم! - صفاء؟ - الأقصر مني، و سمينة شوية، اتذكرتها؟ و تذكرت صفاء صاحبتها، و أجبتها كطفلٍ ضاعت منه دمية العيد: - آي ... اتذكرتها... و شعرت، لحظتها، أن سوسن خانتني، بأثر رجعي، و ندمت على ذكريات عزيزة، احتضنتها لسنوات، و شعرت بتوهان، فاعتذرت عن مواصلة الجلسة... و من بعيد ظللت أرقبها، نفس الألق، و نفس بريق العينين، و ذات الإبتسامة الساحرة... و أسررت في نفسي غضباً و حنق على صفاء: - الله لا يكسبك يا صفاء... ما لقيتي إلا أنا!؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.