لفت أعتذار الدكتور عبد الله حمدوك الخبير الاقتصادي عن تولي وزارة المالية في التشكيل الوزاري الأخير لفت أنظار المتهمين ومتابعي الشأن السياسي والعام في البلاد الى أمر مهم هو ان الدكتور حمدوك كان واحدا من الذين طالتهم سياسة الصالح العام التي نفذت في بداية الإنقاذ منذ قدومها في العام 1989م ، في أطار سياسة لم تكن في أصل من بنات أفكارها ،وان أتخذت أشكالا مختلفة في عدد من النظم السياسة التي أستولت على السلطة عن طريق إنقلاب او جاءت للسلطة عن طريق إنتخاب ، والأمر ربما يمتد للعديد من الدول ان كانت في القارة الافريقية او في غيرها من القارات ، ولكن الأمر الذي يعنينا هو السودان ، باعتبار ان تلك السياسة كان لها أثارا سلبية لم تظهر في حينها عندما كانت النظم السياسية تنفذها في حقب سياسية مختلفة من تاريخ السودان السياسي، وإن كان الأمر بدأ لتلك الانظمة انها تستأصل جسما غريبا،او ورما غير مرغوب ،وان بقاؤه ربما أثر على أخرين او على استقرار النظام في حد ذاته ، وان كان ذلك الوصف غير صحيح في حق أناس جاءوا للخدمة المدنية من بابها ولم يدخلوها من الشباك ،ووفق أجراءات استوفت كل المعايير المطلوبة . وسياسة الصالح لم يكن نظام الانقاذ هو أول أدخلها فقد سبقه الى ذلك نظام مايو بقيادة جعفر محمد نميري (1969-1985م) وذلك بالتحول الكبير وظهور اول أختلاف بين العسكريين والقوى السياسية التي كانت تدعم النظام وهي الحزب الشيوعي اليسار بصفة عامة ، وجاء إستخدام سياسة الصالح العام بعد المحاولة الانقلابية الي قادها هاشم العطا في العام 1971م ، وبعد القضاء على القوة العسكرية التي نفذت المحاولة الانقلابية بالمحاكمات والأعفاء من الخدمة ، فلم تسلم الخدمة المدنية من ذات الاجراء حيث كانت هناك كوادر الحزب الشيوعي منتشرة في الخدمة المدنية ،ومتغلغة فيها باعتبارهم جزء من تنفيذ البرنامج السياسي لثورة مايو ولكن بعد تلك المحاولة الانقلابية ، بعد نميري في تطهير الخدمة المدنية من الشيوعيين الموالين للانقلاب وغير الموالين ولكن ذلك الأمرلم يكن تسييسا للخدمة المدنية بذات المعنى المقصود ولم يكن شرطا ان تكون منتميا للتنظيم السياسي الحاكم (الاتحاد الاشتراكي) لكي تتولى وظيفة ولكن العكس صحيح بمعنى ان النظام انذاك كان نظاما شموليا ولايتوانى بالاطاحة بأي موظف من موقعه اذا نما الى علمه عبر اجهزته المختلفة بأن للموظف المعنى انتماء سياسيا معينا. خاصة المنتمين الى الحزب الشيوعي سرا كان يتم طردهم من الوظائف حال كشف سرهم , وكان النظام يحاول قدر الامكان تصفية العناصر المسيسة قبل الدخول الى الخدمة نفسها. واستحدث نظام نميري قانون الاحالة للصالح العام كأداة قانونية يتم عبرها التخلص من الموظفين او العمال الذين لاترضى عنهم السلطة. ولم يكن البديل للذين يتم فصلهم من الخدمة بالضرورة عضوا في الاتحاد الاشتراكي. وفي فترة الديمقراطية التي تلت فترة النميري استخدمت الحكومة نفس قانون الاحالة للصالح العام وهو من آثار مايو التي كانت احزاب تلك الفترة تنادي بازالتها, وحلت كوادر حزبية في الغالب الاعم بنظام الحصص ( الكوتة) في العديد من الوزارات والمصالح بعد ان تم التخلص من عدد كبير من الموظفين بحسبانهم من سدنة مايو. وسياسة الإحالة للصالح لم تكن إنقاذية وحتى في ثورة أكتوبر 1964م كانت هنالك مطالبات بتطهير الخدمة المدنية عقب ذهاب نظام الرئيس إبراهيم عبود ، وبالتالي هي سياسة مصاحبة لإي نظام جديد إن جاء بإنقلاب او جاء بالانتخاب كما تمت الاشارة اليه ، وكان حاضرا في الانظمة الثلاث التي سبقت الانقاذ. وواضح ان هذه السياسة لم تجد التأييد الكامل من أهل السلطة وتبين فيما بعد انها أفقدت البلاد عددا كبيرا من الخبراء والعلماء ، ووصف البروفسور ابراهيم غندور رئيس اتحاد العمال السابق ان قوانين الصالح العام التي تم تطبيقها في التسعينيات بالجريمة، وشدد علي وقوفهم ضد تشريد العمال. وقال غندور الذي كان يتحدث في جلسة المناقشة التي أقيمت لتدشين كتاب " الآليات الوطنية والدولية للدفاع عن الحقوق " للنقابي اليساري محمد علي خوجلي بقاعة اتحاد عمال نقابات السودان قبل خمس سنوات ، انهم وقفوا مع إعطاء العمال "حقوقهم وتسريحهم في بعض المؤسسات الضعيفة الآيلة للسقوط" وقال رئيس اتحاد العمال الحالي المهندس يوسف علي عبد الكريم في حوارله مع وكالة أنباء العمال العرب، قبل 3سنوات ان قضية المفصولين للصالح العام أول من تصدى لها اتحاد نقابات عمال السودان إبان رئاسة الزعيم النقابي التاريخي تاج السر عبدون، وكان هنالك موقف واضح حدث ذلك في العام 1996م وأوقف الاتحاد مسألة الإحالة للصالح العام. ومنذ ذلك الوقت لم يصدر قرار بالإحالة إلى الصالح العام بقرار سياسي وما يتم عبارة عن إجراءات هيكلة وخصخصة، وطلب اتحاد العمال بمراجعة امر المفصولين ومعالجته، وقد تكونت لجنة في مجلس الوزراء برئاسة أمين عام المجلس، وأعلنوا أن أي شخص أحيل إلى الصالح العام بأن يتقدم بطلبه للنظر فيه، واللجنة نظرت في كل الطلبات التي وردت إليها وقد تم ارجاع البعض إلى الخدمة والبعض الآخر تم تحسين معاشاتهم وهنالك من رفض بتقديم طلبه.)) وقد يكون الشعور الاول لاي شخص طالته سياسة الصالح العام ، بان الدنيا قد أظلمت في وجه، وربما شعوره بالظلم قد يجعله يتصرف دون ان يكون الإيمان حاضرا بين جنبيه ،وان الامور هي مقدرة ، وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وليس د.عبد الله حمدوك وحده الذي لمع أسمه في الخارج من الذين طالتهم سياسة الصالح العام ،فقد لمع الدكتور سيد إبراهيم العالم الكيميائي ومخترع معجون أسنان (سيرنجين) الذي يعتبر من أفضل وأشهر السلع حالياً بالولايات المتحدةالامريكية والذي كان يعمل في مؤسسة تنمية جبال النوبة ،وايضا د. العبيد الحسين العبيد واحد من أميز الاقتصادين السودانيين كان مدير الادارة الاقتصادية ورئيس التجمع النقابى بالمؤسسة العامة للبترول فصل للصالح العام حيث تم تكريم د. العبيد من قبل قمة القيادة فى المملكة العربية السعودية بنجمة الإنجاز والتفوق فى مجال البحث وتطوير اقتصاد البترول السعودى. وخلاصة القول ان سياسة الصالح العام لم تكن من بنات افكار الانقاذ وانما كانت منذ انطلاقة ثورة اكتوبر 1964م مرورا بمايو والديمقراطية الثالثة والانقاذ،وهي سياسة طبقت في أربع حقب سياسية مرت في تاريح السودان السياسي ،بغض النظر عن تلك السياسة وأفرازتها السياسيو والاقتصادية والاجتماعية والقانونية . وذات السياسة لم تكن وبالا على الذين طالتهم بل كانت فتحا لهم كما أشرنا الى تلك النماذج وأرتبط أسماؤهم بالسودان وليس الأنظمة السياسية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.