رحيل مفاجيء لرجل ثوري صميم، هو مضوي محمد أحمد، طالب اللغة العربية في كلية الآداب .. لم يخب ظن أهله شيوخ (اللعوتة الحجاج) حين تطابق اسمه مع حاج مضوي الاتحادي .. حركته الدائبة بين الحِلة ومقهى النشاط ودار الاتحاد، واجتماعاته هنا وهناك، تجعلك تشك في أنه جلس ولو قليلاً لمذاكرة ما جاء من أجله، رغم ذلك تخرج متفوقاً في حبه لبنت عدنان، وفي حبه للوطن، كان يرفع سنانه ونحن طلاب بالجامعة من أجلهما. رحل صديقنا الذي كان دؤوبا للتغيير الديمقراطي، فهو من قادة ثورة مارس - أبريل ومن دعاة الديمقراطية ومعادٍ للشمولية والجهوية والعنصرية.. فيه هدوء وطيبة وعفوية تكاد تتناقض مع ثوريته، فهو في مقدمة المتظاهرين من أجل الحقوق.. كان ذكياً وفيلسوفاً يوائم بطريقة غريبة بين إنسه الشفيف البريء، ومواقفه النضالية النارية، وهو الذي يصنع عبارات بنت وقتها، سرعان ما تصبح شعارات يتبناها أصحاب القضية.. سقط قلمه من يده والبلاد تعاني من أزمات في جميع المجالات، ودوننا حالة وفاته، فهي مرآة لنظامنا الصحي الراهن.. مات بسبب (بسيط)، هو انفجار الزائدة الدودية، مات بها في زمان العلم، تحت مظلة توطين العلاج بالداخل، وفي زمن إدعاءات نقل الخدمات إلى الأطراف!. واجه علته بشجاعة منقطعة النظير. فالرجل كان مثل الوطن، يعاني من التواء مميت..عند فجة الموت الأخيرة وحينما عجز آخر (دِرِبْ) أن يروي عروقاً أنهكها الفراغ، ابتسم المضوي في لحظة الحقيقة السرمدية، وأوصى من حوله بوالدته ألا تبكي.. لقد ظل مثقفاً ملتزماً، يقرأ ويكتب ويثاقف، ويهتبل مساحة الزمن الرقيق، ما وسعه الجري وراء المعايش. لا يفرق بين غنى وفقر، مرتب الأفكار يضع الأمور في نصابها متعدد المعارف، مصادم لاتلين له قناة، لم يغير موقفاً تبناه في حياته. مات مضوي في درب الكدح الحلال، مدرساً أمينا مع نفسه ومع طلابه، لا يكف ابداً عن المقارنة، وعن تبيين خطل مناهج هذا الزمن.. إنه نموذج للمثقف البسيط المتواضع حين تقابله بهيئته البسيطة يخال إليك إنه درويش مجذوب، ما إن ينداح في مناقشة موضوع فلسفي أو سياسي أو اجتماعي فأنت أمام مثقف عظيم المعرفة.. وعده الأخير لأصدقائه أنه سيدفع بموضوع للنقاش :هل أختطف الدين؟ هل الدين الذي نمارسه الآن هو دين آبائنا وأسلافنا؟. جاء نقياً ورحل نقياً.. رحل على عجل وعلى وعد التغيير الذي لم يتحقق في حياته. بعد وفاته رُفعت له صوراً عديدة، منها واحدة في ساحة الحرم المكي قبالة برج الساعة.. هكذا كان جل حاله، مهموماً بالقضايا الكلية، منصرفاً بوقته وجهده وفكره ليكون السودان وطناً يسع الجميع..عاش بسيطاً ومات متنبأً بساعة موته.. في لحظاته الأخيرة جمع حول سريره الأبيض كل أحبائه وأسرته، وقال لهم إنه في فجة الموت.. فمازحه بعض أصدقائه الذين كانوا هناك، إن موت الجمعة للسعداء، فابحث لك عن يوم آخر. سخر منهم، كما سخر من كل برتوكولات الحياة.. مضوي صديقنا الحميم، مات لسبب (بسيط)..! رحمة الله عليه. //////////////////