بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوبا مالك عليّ ولون المنقة الشايل المنقة .. بقلم: عبدالله محمد أحمد الصادق
نشر في سودانيل يوم 04 - 11 - 2018

النور عنقرة من ضباط الجيش التركي الذين انحازوا الي المهدى في قديروكان لهم الفضل في قيادة المهدية الي النصر ضد التركية الأولي التي وصفها شاعر سوداني من ذلك الزمان بأنها حوض رملة قط مابيروى، فقدعاني السودانيون من تعسف وعنف وفساد جباة الضرائب ومنها ضريبة الدقنية كالعبد يكاتب سيده علي جعل محدد، وتذكرني جبايات الانقاذ بالتركية الأولي والسوادنيون الآن كالعبد يشترى السوط لسيده فهم الذين يدفعون ثمن الآلة الأمنية التي تتعامل معهم كعبيد آبقين ومن دقنو وفتلوا، وتوفي النورعنقرة بامدرمان سنة 1924وكان ابنه مكي من الجلابة المخضرمين الذين عشقواجنوبنا الفقيد، وتزوج بامرأتين من بنات الدينكا وأنجب البنين والبنات ومنهم محمد مكي النورعنقرة الذى ولد وعاش طفولته وصباه في مدينة جوبا وأكمل تعليمه الأولي في مدارسها والمرحلة المتوسطة بمدرسة بيت الأمانة بامدرمان ثم التحق بمدرسة النقل الميكانيكي بالخرطوم بحرى وتخرج فنيا ومعلما صناعيا، وبحكم الجيرة وعلاقتي بالأسرة الممتدة خصني بنسخة من مشروع مذكراته، وليس لدينا مصادر حول الحياة الاجتماعية في جوبا سوى التقارير والمنشورات الادارية والأدب الشفوى المتداول، وكنت أحاول اقناع الأخ فتحي صديق بكتابة مذكراته حول الحياة الاجتماعية في كردفان ودارفو والنيل الأزرق، وعلي أبواب ذاكرة فتحي صديق الكثير من الذكريات الاجتماعية، ولم أر في عيوب الناس عيبا كما قال أبو الطيب كعجز القادرين علي التمام والاستاذ فتحي صديق قلم سيال وخيال خصب، وأتمني علي الاستاذ شوقي بدرى نشر مذكراته حول الحياة الاجتماعية بأم درمان عاصمتنا الشعبية ومهد الحركة الوطنية، وأذكر ان الدكتور محمد جلال هاشم دعا المثقفين والاداريين الي كتابة مذكراتهم لاجيال تعاقبت لا تعرف الكثير عن تاريخ السودان الحديث، والماضي يمتد في الحاضر عظات وعبر انطلاقا الي المستقبل، وقد وثق لنا ماكمايكل الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد القبلية في الثلاثينيات من القرن الماضي في كتابه تاريخ العرب في السودان وكذلك الاستاذ حسن نجيلة في كتابه ملامح من المجتمع السوداني وكتابه ذكرياتي في البادية، وكان أسامة أنور عكاشة في مسلسلاته مؤرخا اجتماعيا وكذلك نجيب محفوظ فمن يوثق لنا تاريخنا الاجتماعي عبر الأجيال وكان الراحل المقيم حمدنا الله عبد القادر في خطوبة سهير مؤرخا اجتماعية كأسامة أنور عكاشة، وفي سنة 2015 تقدمت بطلب الي هيئة المصنفات للتصديق بنشر كتابي بعنوان انتكاسات التحول الحضارى في السودان واختلف المستشارون الذين تعتمد الهيئة علي ملحوظاتهم حول الكتاب، ووعدني الأمين العام باحالته الي طرف آخر وفوجئت بأن هذا الطرف الدكتور ربيع عبد العاطي والتقيت به بناء علي طلبه وقال لي ان الكتاب تاريخ اجتماعي في غاية الأهمية واضافة للمكتبة السودانية وكانت تعليقاته ايجابية للغاية، لكن التصديق لم يصدر حتي الآن، وأعفي الأمين العام واعتذر خلفه عن مقابلتي ويكلفني المشوار ما لاأطيق ماديا وصحيا، واعترض المستشارون علي لتصديق علي نشر كتابي بعنوان المهجرون بسبب خزان الحامداب بحجة الاساءة الي المسئولين وليس في الكتاب كلام غيرمؤسس بالقول والفعل ولم أتسلم ردا بالرفض أو القبول حتي هذه اللحظة، وتفاديت تلخيص مذكرات محمد مكي النور عنقرة لأن قيمتها الدرامية في عفويتها وأحداثها الحافلة بالمواقف والعلاقات الاتستنية فقد كنت أحس بالماضي حيا بين السطور، وقد يستطيع الكاتب الصحفي جمال عنقرة ابن عم الكاتب المساعدة في نشر هذه المذكرات ذات الأهمية انطلاقا الي توحيد المليون ميل مربع، وادعي الترابي ان الجنوب كان تابعا للشمال بمعني أنه ليس طرفا أصيلا والسودان أقدم الدول في أفريقيا والشرق الأوسط تحديدا فقد كان يعرف بأملاك الخديوى في أفريقيا التي كانت تشمل أوغندا وارتيريا منذ القرن الثامن عشر وكان وحدة ادارية في التركية الأولي والحكم الثنائي، ولم تتحدد حدود معظم الدول الأفريقية والآسيوية الا في النصف الثاني من القرن العشرين بتصفية الاستعمار، فقد كان الانفصال مخططا ترابيا بدأ تنفيذه بالانقلاب العسكرى في 30 يونيو 1989 ، وادعي صدام حسين ان للعراق حقوقا تاريخية في الكويت وأيده عمر البشير مثلما ادعي اليهود ان لديهم حقوقا تاريخية في فلسطين، واذا صحت هذه الادعاءات علي العرب مغادرة العراق وسوريا وفلسطين ولبنان وشمال أفريقيا ومصر والسودان وعلي البيض مغادرة أميركا الجنوبية والشمالية واستراليا وجنوب أفريقيا ونيو زيلدنا، وفي مصر الآن مجموعة من المثقفين تدعي ان السودان أرض مصرية وتطالب باستعادتها،ولن يتقبل الرأى العام في مصر التنازل عن حلايب وشلاتين بعد الضجة التي أثيرت حول ترسيم الحدود مع السعودية، ومن أغانينا الشعبية جوبا مالك عليّ شلتي نوم عينيّ ومسافر جوبا ولون المنقة الشايل المنقة.
تخبطات الادارة البريطانية:
كانت الادارة البريطانية في سنواتها العشرين الأولي تعاني من ضغوط من الداخل والخارج، فقد كانت جماعات مناهضة الرق في أوربا تتهمها بالمماطلة والتسويف في تحريم الرق وتحرير العبيد، لكن الادارة البريطانية كانت تتفادى تحريم الرق بجرة قلم خوفا من تبعات اغضاب ملاك العبيد في الشمال وانهيار القطاع الزراعي والقطاع الرعوى، وكانت المجاعة من مخلفات المهدية ولم يكن من الممكن تفاديها لأن العبيد أخذوا حريتهم بأيديهم وتجمعوا في مستعمرات حول المدن كانت تعرف بالرديف والديم، وامتهن الرجال السرقة والنساء الدعارة وصناعة الخمور البلدية، فقد كن مستباحات لشباب الأسرة الممتدة واكرام الضيف كالبقرة في حظيرة سيدها يراد لها أن تلد عجلا أو عجلة كل سنة فقد كان للعبد قيمة نقدية، وكان دافع الضرائب في التركية الأولي يخيّر بين سداد الضرائب نقدا أو ما يساوى قيمتها من العبيد، كما كانت الادارة البريضانية تواجه ضغوطا من النواب الليبراليين في مجلس العموم الذين كانوا يتهمونها بالانحياز الي المبشرين ضد انتشار الاسلام وانتهاك الحرية الدينية وكذلك الصحافة اللندنية وضغوطا داخلية من أئمة المساجد في الشمال، فقد كانت الادارة البريطانية في حالة من الارتباك والتخبط كحكومة الكيزان الآن، وكانت تشتم في الصوفية رائحة المهدى والمهدية وتنحاز الي أهل السنة، لكنها سرعانما اكتشفت ان الصوفية أكثر تسامحا وكراهية للعنف، وكان الاسلام يتقدم بفضل رجال الطرق الصوفية والمشاركة الوجدانية في معترك الحياة، وبدأ التبشير في الجنوب في التركية الأولي لكن المبشرين لم يفلحوا في تنصير أكثر من مأتي ألف نسمة في التركية الأولي والحكم الثنائي من جملة السكان الذين كان تعدادهم في سنة 1956 ثلاثة مليون نسمة ، والمسلمون في السودان صوفيون بدليل طبقات ود ضيف الله وأقرب في لون بشرتهم الي الجنوبيين، ومن الطبيعي أن يواجه التبشير بالاعراض والنفور كغزو ثقافي لكن العرب يحلون الغزو الثقافي لأنفسهم ويحرمون علي الآخرين، وكان أدعياء الاسلام الذين يحتكرون منابر المساجد يطالبون أول حكومة وطنية بطرد المبشرين لاحتكار التبشير في الجنوب فقد كان الاستقلال في نظرهم معركة حربية والجنوب غنيمة حرب، وكانت ولا تزال الحكومات الوطنية المتعاقبة تنافق أدعياء الاسلام وتخشي بأسهم وتتقي شرهم، واستجابت لهم حكومة الأزهرى وألغت مستشفي الارسالية بأمدرمان الذى كان قبلة المرضي من العاصمة والأقاليم فامتدت صفوف المرضي أمام الأطباء بمستشفي أمدرمان واستجابت لهم حكومة عبود وطردت المبشرين، وتعلمنا من التاريخ ان الاسلام لا ينتشر الا في مناخات السلام والحرية مصداقا لآيات الحرية والتسامح وعددها مائة آية.
جوبا والحرب والسلام:
أصدرت الادارة البرطانية قانون المناطق المقفولة في سنة 1922 لمحاصرة عصابات اصطياد العبيد من بحر الغزال وجبال النوبة والنيل الأزرق وألغته في سنة 1946 بعد اكتمال عمليات تحريم الرق وتحرير العبيد وتجاهلت اعتراضات المبشرين ويعض الاداريين البريطانيين الذين كانوا يتعاطفون معهم لأسباب قد تكون دينية، لكن عصابات اصطياد العبيد انتقلت الي جمبيلا علي الحدود مع أثوبيا وداخل الحدود الأثيوبية وبدأت تصطاد العبيد من جنوب شرق السودان فاتفقت الادارة البريطانية مع الحكومة الأثيوبية علي تبعية جمبيلا اداريا لحكومة السودان واعادتها أول حكومة وطنية الي أثيوبيا، وازدهرت الحياة في جوبا التي أصبحت عاصمة اقليمية كسائر العواصم الاقليمية في الشمال وأصبح لاتحاد عمال السودان فرعا في جوبا وواو وملكال وكذلك الحزب الشيوعي الذى كان يتخفي في عباءة الجبهة المعادية للاستعمار ومن قياداته جوزيف قرنق الذى أعدمه نميرى مع عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ، وألغت الادارة البريطانية مشروعها الذى كان يرمي الي تحويل السودان الي دويلات قبلية يحكمها زعماء القبائل لتخفيض نفقات الادارة وسحب البساط من تحت أقدام الحركة الوطنية، لكن ذلك أصبح أثرا بعد عين بتمرد القيادة الجنوبية في توريت سنة 1955 كرد فعل لتراكمات من الأخطا القاتلة التي ارتكبتها حكومة الأزهرى، وتكونت الأنانيا ون بقيادة جوزيف لاحقو ونقل محمد مكي النور عنقرة الي ورشة النقل المكانيكي بجوبا وأصبح يشارك في العمليات الحربية مسئولا عن اصلاح أعطال العربات والدبابات ولآليات الميكانيكية، الي ان عاد السلام الي الجنوب باتفاقية أديس أبابا، وخان نميرى الاتفاقية وتنكر لها بعد عشرة أعوام من السلام، وتجددت الحرب ضد الأنانيا تو حتي اتفاقية نيفاشا في نهاية التسعينيات.
المجتمع السوداني حتي 1983 :
في مؤتمر المائدة المستديرة في سنة 1967 حاول عبد الخالق محجوب الاعتذار لممثلي المديريات الجنوبية عن تجارة الرقيق، لكنه عندما كان يتحدث أمام المؤتمرين كان في الخرطوم شرق مقر المؤتمر شارع يحمل اسم الزبير باشا أشهر تجار الرقيق في أفريقيا وعميل الخديوى الذى أنعم علية بالباشوية، وكان ولا يزال الزبير في صحافتنا ومناهجنا التربوية بطلا قوميا، ولم يكن الجنوبيون في حاجة لمن يذكرهم بتجارة الرقيق لأن شيوخهم عاصروا الزبير باشا ولهم أقارب مفقودين، وفي الانتخابات الأولي امتنع الناس في الجنوب من الذهاب الي مراكز التسجيل ظنا منهم ان ذلك حيلة لاصطيادهم وبيعهم في سوق الرقيق، لكن ممثلي الجنوبيين في مؤتمر جوبا في سنة 1947 اختاروا الوحدة مع الشمال بحضور السكرتير الادارى الرجل الثاني في الادارة البريطانية، ولا شك ان ذلك كان بتوجيهات من الحكومة البريطانية في لندن، لكن انقسام مؤتمر الخريجين الي أحزاب طائفية كان أول مسمار في تعش مؤتمر جوبا ونعش الدولة القومية ودولة المواطنة في السودان، والمجتمعات التعددية أكثر وعيا لأن الناس هم الذين يصنعون الواقع ويتكيفون معه بالضرورة، وفي السودان 58 قبيلة و54 مجموعة عرقية و144 لغة وفي الهند 350 عقيدة دينية، وأذكر ان الطيب زين العابدين قال ان الدولة في السودان مصطنة وحمّل الاستعمار مسئولية التداخل القبلي، والدولة في كل زمان ومكان كائن غير طبيعي يصنعه البشر لتفادى الصراع حول الموارد الطبيعية، ولا يمكن تفادى التداخل القبلي في أفريقيا لأن القبائل الرعوية لا تعترف بالحدود السياسية أو الادارية، ولا تقوم الدولة الا علي واقع تعددى، وتقوم علي الأرض والتاريخ والمصير المشترك وليس الدين من القواسم المشتركة، ولا وجود لمجتمع متجانس عرقيا ودينيا ولا وجود لمثل هذا المجتمع في الماضي أو الحاضر ولن يكون لمثل هذا المجمع وجودا في المستقبل الا في أوهام حسن البنا وميشل عفلق وحسن عبداله الترابي في السودان، وقد خلق الله الناس مختلفين في مفهوم الدين والوسع الاستطاعة وشكلا ومضمونا لأن الله خلق الخير الخير والشر في طبائع الأشياء كالماء والنار، ولولا الخير لما عرف الشر ولولا الباطل لماعرف الحق، بدليل تعدد المذاهب في اليهودية والمسيحية والاسلام وتعدد التيارات في المذهب الواحد وفي اليهودية طائفة تعارض الصهيونية ووجود اسرائيل، والمجتمع نظام للعلاقات بين الأفراد والفرد هو الأصل ومصدر الفعل الحقيقي في المجتمع، ويلتقي الناس في المجنمعات الحضرية في علاقات العمل والجوار وفي مواصلات العاصمة في الديموقراطية الثالثة كان رئيس نقابة العمال مسيحيا من أبناء الدينكا اختاره العمال ومعظمهم عرب ومسلمون، أما المجتمعات القبلية في الشمال والجنوب فتلقي في العادات والتقاليد التي تحكم العلاقات الداخلية والعلاقات الخارجية مع السلطة والقبائل الأخرى، وللناس مصلحة في السلام ولأمن والاستقرار وتبادل المنافع وليس لهم مصلحة في الصراع لأن الصراع في ذاته ضد المصالح المشتركة، وأينما كان الصراع كانت المصالح الخاصة والأطماع والتطلعات غبر المشروعة، وفي نهاية المهدية كنا شتاتا متنافرا من القبائل والمجموعات الاثنية واستطاعت الادارة البريطانية في ستين عاما أن تصنع منه دولة حديثة ومجتمعا حرا متسامحا فقدكان المجتمع السوداني مجتمعا ديموقراطيا متسامحا بحكم واقعه التعددى وخلفياته الصوفية، وكان المسيحيون يشاركون المسلمين في أعيادهم والمسيحيون يشاركون المسلمين في أعيادهم في الميادين والساحات العامة، ويا مداعب الغصن الرطيب في بنانك ازدهت الزهور زادت جمال ونضار وطيب، لكن بعض الموتورين الذين يحتكرون السلطة الآن كانوا يصفون عيد الميلاد بعيد القبط والمسلمين العبط، الي أن جاء الكيزان وصنفوا السودانيين الي عرب وغير عرب ومسلمين وغير مسلمين وسلحوا القبائل العربية ضد القبائل الأفريقية.
خاتمة:
برر الشيخ محمد متولي الشعراني الرق في الاسلام بأنه كان الخيار الأفضل بين خيارين الاستراقاق أو الاعدام فقد كان أسرى الحرب يسترقون في الأمبراطوريات السابقة للاسلام، وكذلك الأمبراطورية التركية التي كانت تعرف بالخلافة الاسلامية، ولا يبيح الاسلام قتل أو استرقاق الأسرى وجاء في القرآن ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا واما منا أو فداءا، ولا يمكن تبرير الرق في اللاسلام لأنه ظلم مبين ولأنه اهانة للانسان الذى كرمه الله، ولأن الاسلام رسالة موجهة الي الناس كافة فكيف يسترق الاسلام الناس ويدعوهم الي الاسلام؟ وجاء في خطبة الوداع لا خير لعربي علي أعجمي ولا أبيض علي أسود الا بالتقوى وقال علي بن أبي طالب الناس اما اخوانك في الدين أو اخوانك في الخلق، لذلك قال محمود محمد طه ان الاسلام كان رسالة حضارية وأخلاقية جاءت في الوقت المناسب، وجاء في تقرير رفعه السكرتير الادارى الي الحاكم العام لو أن المسلمون يتبعون شريعة نبيهم لما كان تحريم الرق وتحرير العبيد مشكلة، ولم يكن الأرقاء في أفريقيا أسرى حرب فقد كان الأوربيون يصطادون العبيد من سواحل غرب أفريقيا ويصدرونهم الي الأراضي الجديدة عبر المحيط الأطلنطي، والعرب يصطادون العبيد من بحر الغزال وجبال النوبة ويتقتادونهم مقرنين بالسلاسل الي أسواق النخاسة في بربر وشندى وسواكن واسنا في جنوب مصر، وأذكر أن بعض المتحدثين في ندوة تلفزيونية دعوا الأفارقة الي مطالبة أوربا بالتعويض عن تجارة العبيد، لكن العرب سبقوا أوربا في اصطياد وتصدير العبيد الي البلدان العربية عبر البحر الأحمر بمئات السنين، بدليل ثورة العبيد في الدولة العباسية في القرن الثامن الذين احتلوا البصرة وهددوا بغداد، وتذكرني ثورة العبيد في العصر العباسي بثورة العبيد في روما قبل الميلاد، وفي كتابه علاقات الرق في المجتمع السوداني يزعم محمد ابراهي نقد ان الرق في السودان شكل من العلاقات الاجتماعية والأسرية، لكن تحريم الرق وتحرير العبيد تحول الي نظرة دونية ظالمة فلم يكن للأرقاء السابقين ملاذا سوى القرى التي نشأوا وترعرعوا فيها فقد انبتت جذورهم ولا يختلفون في ذلك عن الأرقاء السابقين في أميركا، وفي عهد الكيزان تقدمت فتاة الي المحكمة الشرعية لتزويجها من الشاب الذى اختارته ضد اعتراض والدهابحجة ان العريس ينتمي الي اسرة كانت مسترقة واصدرت المحكمة حكمها لصالح الأب وأيدتها محكمة الاستئناف، أما المحكمة العليا فقد قضت لصالح الفتاة وجاء في الحيثيات ان الاسترقاق لا يمكن اثباته ولا يمكن الركون الي الأقوال والأقوال المضادة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
////////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.