وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول فهمنا ودراستنا لدخول الاسلام في السودان (10) .. بقلم: د. أحمد الياس حسين
نشر في سودانيل يوم 05 - 12 - 2018

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المحور الشرقي: ودوره في انتشار الاسلام في السودان
انتشار الإسلام في الحبشة
تناولن في موضوعاتنا السابقة عن المحور الشرقي ساحل البحر الأحمر السوداني والارتري قبل ظهور الإسلام ثم تعرفنا على أدوار موانئ دَهلَك وباضع وعيذاب وسواكن وتعرفنا على دور تلك الموانئ على صلات المسلمين المبكرة بسواحل السودان وارتريا، ونواصل هنا دور الحبشة في تلك الصلات.
أدى استقرار المسلمين المبكر في جزر ومواني جنوب البحر الأحمر مثل دَهلَك وباضع إلى تواصلهم بتجارة البحر الأحمر والمحيط الهندي من جهة واتصالهم بالمناطق المنتجة للسلع – وعلى رأسها الذهب – في داخل البلاد من جهة أخرى مما أدى إلى تأسيسهم لكثير من الموانئ والمراكز التجارية التي تطورت سريعاً إلى ممالك إسلامية ممتدة من ساحل القرن الافريقي شرقاً ومتوغلة في الداخلغرباً، فأنشأوا عدداً من المراكز والمدن التجارية والممالك التي انتظمت على الساحل والداخل فيما عرف في المصادر العربية ببلاد الطراز الاسلامي. ونتناول فيما يلي بعض تلك المراكز الساحلية وممالك الداخل للتعرف على أدوارها في انتشار الإسلام في الحبشة.
المدن الساحلية
أطلق المسلون على منطقة القرن الإفريقي وبلاد الحبشة بلاد الطراز التي يعرفها القلقشندي (ج 2 ص 331) قائلاً: "وهي البلاد المقابلة لبر اليمن على أعالي بحر القلزم، وما يتصل به من بحر الهند، ويعبر عنها بالطراز الإسلامي لأنها على جانب البحر كالطراز له. قال في مسالك الأبصار: وهي البلاد التي يقال لها بمصر والشام بلاد الزيلع. قال: والزيلع إنما هي قريةٌ من قراها، وجزيرةٌ من جزائرها، غلب عليها اسمها. قال الشيخ عبد المؤمن الزيلعي الفقيه: وطولها براً وبحراً خاصاً بها نحو شهرين، وعرضها يمتد أكثر من ذلك"
فبلاد الطراز الاسلامي تبدأ من جنوب البحر الأحمر شمالاً وتمتد جنوباً على سواحل المحيط الهندي، ويبلغ امتدادها من الشمال إلى الجنوب كما قدره القلقشندي نحو شهرين، وتمتد نحو الداخل في وسط أراضي الحبشة نحو أكثر من شهرين. وقد أطلق ابن سعيد (ص 1 - 2)على المنطقة الواقعة بين القرن الإفريقي ومدينة مقديشو بلاد بربرا، وذكر منها قرفونة وبرمة وزيلع ومركة ومقدشو. وقد اشتهرت من بين هذه المدن زيلع وبربرا ومقدشو ونتعرف عليها بإيجاز فيما يلي:
زيلع: تقع مدينة زيلع في خليج عدن على الساحل الشمالي لدولة الصومال، وجنوب ساحل دولة جيبوتي. وأصبحت زيلع بعد انتشار الإسلام كما ذكر ابن حوقل (ج 1 ص 60) "فرضة [مرسى] للعبور الى الحجاز واليمن" ووصفها ابن سعيد بأنها "مدينة مشهورة وأهلها مسلمون وهي على ركن من البحر في وطاءة من الأرض." وتناولت المصادر نشاطها التجاري الواسع وسوقها الكبير الي ترتاده الأعداد الكبيرة من التجار، والذي تدخله مختلف السلع من داخل البلاد (صبح الأعشى ج 5 ص 312 وابن بطوطة (ص: 119)
بربرا: تقع مدينة أيضاً على الساحل الشمالي لدولة الصومال إلى الشرق قليلاً من مدينة زيلع. وكانت بربرا على صلة بالعرب قبل ظهور الاسلام، فقد جاء في قصيدة لامرؤ القيس (ديوان إمرؤ القيس، موقع الوراق): (على كل مقصوص الذنابي معاوِد ** بريد السرى بالليل من خيلِ بربرا ) والإشارة هنا إلى خيل بربراالتي كانت تستخدم في البريد. وكانوا يقصون شعر ذنب الخيول التي تُستخدم في البريد لكي تكون مميزة عن غيرها من الخيول، وقد تواصلت هذه العادة في الدولة الاسلامية. ويوضح ذلك الصلات التجارية القديمة بين شبه الجزيرة ومنطقة بربرا قبل الاسلام. وذكر ابن سعيد (ص 1) "أن بربرا قاعدة البرابر" ووضح أن أكثر سكانها دانوا بالإسلام "فلذلك عدوا من بلاد الإسلام."
مدينة مركة: قال ابن سعيد (ص 1 - 2)"وهي قاعدة الهاوية التي تنيف على خمسين قرية، وهي شاطئ نهر يخرج من نيل مقدشو وينصب على مرحلتين من المدينة في شرقيها. ومنه فرع يكون حوض المركه"
مقْدَشَوْ: ضبط اسمها ابن بطوطة (ج 1 ص 113) بفتح الميم وإسكان القاف وفتح الدال المهمل والشين المعجم وإسكان الواو" أسسها مهاجرون عرب في القرن الرابع الهجري (السابع الميلادي).وصفها ابن سعيد (ص 2) بأنها مدينة الإسلام المشهورة والمتردِّدَة الذكر على ألسُن المسافرين. ووصفه ابن بطوطة ج 1 ص 119) بأنها "مدينة متناهية في الكبر، وأهلها لهم جمال كثيرة ينحرون منها المئين في كل يوم. ولهم أغنام كثيرة، وأهلها تجار أقوياء، وبها تصنع الثياب المنسوبة إليها التي لا نظير لها. ومنه تحمل إلى ديار مصر وغيرها.
ورغم أن ما ورد في المصادر العربية من معلومات عن مدن ساحل جاء مقتضباً، إلا أن ما ورد أوضح أن الارتباط ساحل القرن الإفريقي كان قرياً ومتواصلاً منذ القرن السابع الميلادي بالعالم الإسلامي وبخاصة اليمن ومصر حتى أصبحت منطقة القرن الإفريقي تُعد من بلاد الإسلام كما ذكر ابن سعيد (ص 1). وأدى ذلك إلى ازدهار التجارة الداخلية فتواصلت المراكز والممالك حاملة الإسلام إلى دواخل الحبشة.
ممالك الداخل
نشأت الممالك الإسلامية وانتشر الإسلام في مناطق جنوب وغرب الحبشة حتى وصلإلى مشارف الحدود مع مملكة علوة في منطقة أعالي النيل الأزرق. ويمكن تناول تاريخ الإسلام في الحبشة من خلال فترتين متميزتين يمثل القرن الرابع عشر الميلادي الحد الفاصل بينهما. الفترة الأولى نمتد حتى القرن الرابع عشر والثانية تبدأ بعد القرن الرابع عشر.
1. الفترة الأولى: قبل القرن الرابع عشر
تبدأ هذه الفترة منذ بداية اتصال المسلمين بالحبشة في عصر الرسول ﷺ،ومروراً باستقرار المسلمين على المراكز الجنوبية لساحل البحر الأحمر كما في دَهلَك وباضع، ثم واستقرارهم على ساحل الطراز ومناطق الداخل، وقد امتدت هذه الفترة حتى نهاية حكم الأسرة الزغوية في الحبشة عام 1270 م. شهدت هذه الفترة تحولات كبيرة في حوض البحر المتوسط كان لها أثرها الواضح في منطقة القرن الإفريقي والحبشة. فقد أدت الحروب الصليبية منذ نهاية القرن الحادي عشر وبداية القرن الثاني عشر وتحركات المغول من أواسط آسيا إلى شرق البحر المتوسط والحروب التي صاحبت توسع العثمانيون في آسيا الصغرى وأوربا أدى كل ذلك إلى بعض الاضطرابات في طرق التجارة البرية من شرق آسيا إلى البحر المتوسط. وترتب على ذلك ازدياد النشاط التجاريعلى الطريق البحري عبر المحيط الهندي فالبحر الأحمر إلى البحر المتوسط. ونتج عن ذلك ازدهار مراكز ومواني القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وازدهار التجارة الداخلية في الحبشة. فشهت هذه الفترة السابقة للقرن الرابع عشر تطور واضح في أوضاع ممالك الساحل والداخل في الحبشة.
ومما ساعد على ذلك التطور والازدهار العلاقات الطيبة بين ممالك الحبشة الإسلامية والمسيحية. فقد كانت تحكم الحبشة في ذلك الوقت الأسرة الزغوية التي اتسمت سياستها بالتسامح والعلاقات الطيبة مع الدول الاسلامية في الحبشة، فقد أسس ملك الحبشة اسيو اريوس (حكم نحو 1067 – 1092 م) بعض المساجد في الحبشة. (Trimingham p 56) مما أدى أتاح الفرصة للاستقرار والتطور. وفي نفس الوقت سادت العلاقات الودية بين هذه الأسرة والدول الإسلامية. فقد أدت صلات الحبشة باليمن إلى تأسيس أسرة يمنية لدولة بني نجاح في زبيد على ساحل البحر الأحمر. كما سادت العلاقات الودية بين ملوك الحبشة والدولتين الفاطمية والأيوبية. حتى إن صلاح الدين الأيوبي (1171 – 1193 م) أعطى الحبشة حق الاشراف على بعض المناطق في بيت المقدس. (Trimingham p 56)
أدى كل ذلك إلى انتشار الإسلام الواسع في كل بلاد الحبشة، والتواصل المستمر والعلاقات التجارية والثقافية الدائمة بين الحبشة والعالم الإسلامي، فشهدت هذه الفترة قيام عدد من الممالك الإسلامية امتدت من القرن الإفريقي شرقاً حتى نهر أباي (اسم النيل الأزرق في اثيوبيا) غرباً. ويلاحظ أن الجغرافيين والرحالة المسلمين الذين كتبوا عن الحبشة لم يصلوا إلى مناطق الحبشة الداخلية بل مر بعضهم على الساحل مثل المسعودي وابن حوقل وابن بطوطة، وجمع البعض الآخر مثل ابن سعيد معلوماتهم من التجار والمسافرين. ولذلك جاءت المعلومات في المصادر العربية عن مناطق الداخل قليلة عن هذه الفترة، بعكس الفترة الثانية التي تبدأ بالقرن الرابع عشر. فقد جذبت أحداث هذه الفترة اهتمام المؤرخين في القرنين الرابع عشر والخامس عشر مثل ابن فضل الله العمري وابن خلدون والقلقشندي والمقريزي.
وسنلقي الضوء بصورة عامة على الممالك التي قامت في هذه الفترة من خلال ما توفر من معلومات لكي نتعرف عليها وعلى مدي انتشار الإسلام في الداخل. فقد تناولت المصادر والمراجععدداً كبيراً من الممالك، ربما كانت بعض تلك الممالك إمارات صغيرة أو كان بعضها جزء من ممالك كبرى ولكن أدت شهرتها إلى وصول المعلومات عنها للمؤلفين فكتبوا عنها، والممالك هي: 1/ مملكة واصمع ذكرها ابن خلدون (ج 6 ص 199)، الممالك التي ذكرها القلقشندي (ج 5 ص 311 - 313) 2/ شوا 3/ افات 4/ دوارو 5/ أرابيني 6/ هدية 7/ شرحا 8/ بالي 9/ دارة 10/ الزيلع اضافها لاحقاً (ج 8 ص 10). وما ورد من أسماء الممالك عند ترمنجهام (ص 58 – 61) يختلف قليلاً عما ورد عند القلقشندي. يتفق ترمنجهام مع القلقشندي في ذكر الممالك أرقام 1 و2 و3 و4 و5 و7 و8 ويضيف ترمنجهام ممالك 1/ فاتجار و2/ مورا 3/ عدل 4/ هبات 5/ جدايا، وذكر أن الثلاثة ممالك الأخيرة ضمتها مملكة ولاصما (وفات) فيكون عدد الممالك التي ورد ذكرها خمس عشرة ممالك.
ويقول القلقشندي أن الممالك الإسلامية التي ذكرها كلها تحت طاعة ملك الحبشة الذي تطلق عليه المصادر العربية لقب الحطي. وحكم القلقشندي هذا يصدق على الزمن الذي عاش فيه وهو القرن الخامس عشر. لكن لم تكن هذه الممالك خاضعة لملك الحبشة قبل القرن الرابع عشر. وقد ورد ذكر الممالك التي لم يذكرها القلقشندي إبان أحداث الحروب التي دارت بين الممالك الإسلامية وملك الحبشة في القرن الرابع عشر مما يوضح وجودها السابق لتلك الحروب. فعدد الممالك الصغيرة والكبيرة التي ورد ذكرها في المصادر والمراجع بلغ خمسة عشرة مملكة امتدت بين ميناء بربرة وزيلع شرقاً حتى مناطق نهر أباي أي المناطق المجاورة للحدود السودانية الاثيوبية الحالية جنوب غرب بحيرة تانا غرباً.
وقد تركزت أغلب المعلومات التي أتت في المصادر العربية عن ممالك شوا واوفات، وجاءت بعض المعلومات عن ممالك هدية وبالي ودارة. واكتفت المصادر العربية بتحديد مواقع الممالك الأخرى. ولم تهتم المصادر الاثيوبية بالممالك الإسلاميةقبل القرن الرابع عشر كماذكر ترمنجهام. وسنلقي بعض الضوء على بعض تلك الممالك.
مملكة شوا:
شواتعتبر مملكة شوا من أقدم الممالك الاسلامية في داخل بلاد الحبشة، وتعرف أيضاً بمملكة بنو مخزوم. وقد تأسست عام 283 ه / 896 م، ويرى البعض أن تأسيسها سابق لهذا التاريخ بوقت طويل، إذ يرون أن أسرة بني مخوم التي أسست المملكة دخلت الحبشة في عصر الخليفة عمر بن الخطاب في القرن السابع الميلادي. وكانت عاصمتها والالاه في منطقة شوا شمال مدينة أديس اببا الحالية، وقد عرفت باسم مملكة بنو مخزوم ومملكة شوا. (ترمنجهام ص 58) وقد ورد في موقع ejabat.geogle.com أنه تم اكتشاف بقايا ثلاث مدن اسلامية قديمة في قلب مملكة شوا هي: أسبري ومماسال ونورا.
وقد تم الكشف في مدينة أسبري عن مسجد ضخم بحالة جيدة، ربما هو الأكبر من نوعه في أثيوبيا، كما وجدت مقبرة ممتدة لعدة هكتارات مما يشير إلى الكثافة السكانية العالية في المنطقة. ووضحت الكشوفات الأثرية أن مدينة نورا كانت مركزا للحضارة وظهر ذلك من خلال شبكة من الشوارع وبقايا الطرق، وأن مسجد المدينة لا يزال يحتفظ بحوائطه البالغ ارتفاعها خمسة أمتار. ويعتقد أن مملكة شوا قد بلغت أوج عظمتها في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وذكرت المخطوطات القديمة – كما ورد في الموقع – أن مملكة شوا كانت تسيطر على طرق التجارة الرئيسة بين موانئ البحر الأحمر والقرن الافريقي ومراكز ومناطق انتاج السلع في الداخل حتى أعالي النيل الأزرق منذ مشارف القرن العاشر الميلادي.
ولم يرد ذكر للمالك الإسلامية المعاصرة لمملكة شوا، ولكن وردت الإشارة إلى ذلك إبان الأحداث التي أدت إلى نهاية المملكة. فقد ذكر ترمنجهام (ص 59) أن الضعف انتاب مملكة شوا بسبب الخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة والحروب بينها وبين الدول الاسلامية المجاورة حتى استطاع أحد كلوكها وهو واصمعالقضاء على مملكة شوا عام 1285 م. ولذلك لم تكن مملكة شوا موجودة في عصر القلقشندي (القرن الخامس عشر) ولذلك لم ترد ضمن الممالك التي ذكرها.
مملكة اوفات: ذكر المقريزي (ص 86) أن أسرة لشمع (واصمع عند ابن خلدون ج 6 ص 199 ولم ينسبه إلى بني مخزوم) ترجع أصولها إلى بني عبد الدار الذين استوطنوا ارض الزيلع وأقاموا في مدينة اوفات، وولى ملك الحبشة عمر الذي يقال له لشمع مدينة اوفات واعمالها.ولم يحدد المقريزي تاريخ بداية حكم الأسرة، لكنه ذكر أن الحاكم رقم ستة من الأسرة تولى نحو عام 1300 م.(المقريزي ص 86) وذكر ابن خلدون أن أجداد واصمع أسلموا منذ في تواريخ مجهولة. وذكر ترمنجهام أن ابو الفداء نقل عن ابن سعيد (توفى نخو 1286 م) أخبار الأسرة مما يرجح أن حكم الأسرة بدأ قبل القرن الث
وتمكنت أسرة لشمع إنهاء حكم المخزوميين وتأسيس المملكة التي عرفت باسم مدينتها اوفات. ويقول قلقشندي (ج 5 ص 311)أن اسمها"وفات" لكن العامة تسميها اوفات، ورغم ذلك فهو يكتبها في أغلب مواضع كتابه "اوفات". ويقول ترمنجهام(ص 58) أن وفات هي مملكة ولاشما التي يطلق عليها الاثيوبيين افات. ووضح القلقشندي أن وفات "يقال لها أيضا جبرة بفتح الجيم والباء الموحدة والراء المهملة ثم هاء في الاخر والنسبة إلى جبرة جبرتي ... وطول مملكتها خمسة عشر يوما وعرضها عشرون يوما بالسير المعتاد قال وكلها عامرة اهلة بقرى متصلة
مملكة أرابيني: لم يذكرها ترمنجهام، وحدد القلقشندي موقعها بجنوب وفات.
مملكة هدية: حدد القلقشندي موقعها بأنها تلي ارابيني وجوب وفات. وعلى خريطة ترمنجهام (ص 64) تقع في الجزء الغربي من الهضبة الاثيوبية جنوب نهر أباي. وذكر القلقشندي بأنها أقوى الممالك الاسلامية بالحبشة وأكثها خيلاً ورجالاً رغم أن مساحتها أصفر من مساحة مملكة وفات.
مملكة شرحا: لم يذكرها ترمنجهام، وحدد القلقشندي موقعها بأنها تلي مملكة هدية.
مملكة بالي: ذكر القلقشندي أنها تليشرحا" ووصفها بأنها "أكثرخصباً،وأطيبسكناً،وأبردهواءً" وعلى خريطة ترمنجهام تقع جنوب الهضبةالاثيوبية. يقول كرافورد(Itineraries p153) نقلاً عن معلومات أدلى بها الراهب الحبشي الأخ توماس عام 1523 م أن التجارمن الجنوب من بالي وداموت وقوجيان Gogian يأتون بأنواع متعددة من السلع مثل الذهب والفضة والجواهر واللؤلؤ والخيل والبغال ومختلف أنواع الأعشاب الطبية وملابس الحرير ونع آخر من الملابس أجمل وأنعم وألمع من الحرير يصنعونه من شجرة تنبت في بلادهم يصنعون منها الملابس لملوكهم وزعمائهم.
مملكة دارة: ذكر القلقشندي أنها تلي بالي، ووضعها ترمنجهام على خريطته (ص 64) غرب الهضبة الاثيوبية بينمملكة هدية فيالجنوب ونهر أباي في الشمال
مملكة دوارو:حدد القلقشندي موقعها بجنوب بالي، وعلى خريطة ترمنجهام وتقع في جنوب الهضبة الاثيوبية جنوب مدينة أديس أببا.
مملكةفتجار: وتقع جنوب أديس أببا وشمال مملكة دوارو.
وقد ذكر ترمنجهام (ص 63) أربعة ممالك لم يرد ذكرها عند القلقشندي وهي: مملكة مُورا وتقع غرب أديس أببا، وهُوبَت وجِدايا لم يظهرا على خريطته لكنه ذكر أنه ضمتهما مملكة اوفات. والمملكة الربعة هي مملكة عدل والتي تقع إلى الشرق من اوفات. وذكر أيضا أن اوفات ضمتها لحدودها.
2. الفترة الثانية: بعد القرنالرابععشر
تبدأ هذه الفترة بنهاية حكم الأسرة الزغوية وبداية عهد الأسرة السليمانية عام 1270 م. وقد مرت هذه الفترة بثلاث مراحل، المرحلة الأولى شهدت التوتر والحروب بين مملكة الحبشة والممالك الإسلامية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر والمرحلة الثانية شهدت حروب الامام أحمد بن إبراهيم الغازي الذي استولى على أغلب مناطق الحبشة في النصف الأول من القرن السادس عشر والمرحلة الثالثة ما بعد حروب الإمام أحمد حيث استعادت مملكة الحبشة سيادتها، وتهمنا هنا المرحلة الأولى.
بدأ التوتر يسود العلاقات بين الممالك الإسلامية ومملكة الحبشة مع بداية حكم الأسرة السليمانية التي أتت للسلطة بمباركة ومساعدة الكنيسة، وانتهى عصر التسامح والعلاقات الودية بين الطرفين. وبدأ الصراع يأخذ طابعاً واسعاً في عصر الملك عمدا زيون (1314 - 1344) الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للأسرة. وكانت مملكة اوفات أقوى الممالك في عصره، فهاجمها واقتطع أجزاء من حدودها. ولم يضمها لمملكته بل تركها تحت أسرتها الحاكمة. ولم تتمكن المقاومة من هزيمته إذ انتصارات كثيرة، فضم إليه مملكتي فتجار وهديا، وهزم دوارو وتوغل غرباً حتى مملكة قوجام ودامت جنوب غرب بحيرة تانا فوضع يده بذلك على مصادر ثروات المنطقة من الذهب وغيره. (ترمنجهام ص 71)
انكسرت بذلك مقاومة الحكام المسلمين، وبدأ ملوك الحبشة تواصلهم مع أوربا التي بدأت تتطلع للوصول إلى الملك القوي برستر جون Prester John. وذكر بعض الرحالة (تاريخ افريقيا العام ج 4 ص 448) أن الملك سيف أرعد (1344 - 1370) قاد حملة نحو وادي النيل لكي يقدم المعونة العسكرية لملك قبرص الذي كان يحاصر الإسكندرية. ومن المعروف أن أغلب الصليبيين عندما انهزموا وغادروا الشام استقر جزء كبير منهم في جزيرة صقلية.
توالت انتصارات ملوك الحبشة وتمكنوا في مطلع القرن الخامس عشر من هزيمة مملكة اوفات وإنهاء وجودها. فتولت مملكة عدل القيادة لكنها لم تفلح في استعادة قوة الممالك الإسلامية، وفرض ملوك الحبشة سيادتهم، وتحالفوا في منتصف القرن الخامس عشر مع البرتغال. وأدى هذا الوضع إلى هجرة أغلب الملوك والأمراء إلى اليمن، وتحركت مجموعات كبيرة ممن المسلين نحو الممالك التي لا تخضع لملوك الحبشة عرب وجنوب غرب الهضبة الحبشية.
فتواصل المسلمين وانتشار الإسلام في الحبشة منذ القرن السابع الميلادي. وكان المسلمون يمثلون ثقلاً واضحاً في النواحي التجارية الثقافية في الحبشة حتى القرن السادس عشر الميلادي، أي نحو 900 سنة. وامتدت حدود الممالك الإسلامية وانتشار الإسلام على نهر أبي وعلى مناطق أعالي النيل الأزرق حيث تمتد حدود مملكة علوة الشرقية وحيث قامت عدد من الممالك نسلط عليها بعض الضوء في الموضوع التالي.
Muslim states in the Time of `AmdaZyon 1 (1314-44)
Trimingham, Islam in Ethiopia, p 64
المراجع
- ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، موقع الوراق warraq.com
- تامرات، ت، تطور الحضارة السواحيلية، تاريخ افريقيا العام، اليونسكو 1988.
- ابن حوقل، صورة الأرض، موقع الوراق
- ابن خلدون، تاريخ ابن خلدونن موقع الوراق
- ابن سعيد، كتاب الجغرافيا، موقع الوراق
- القلقشندي، صبح الأعشى، موقع الوراق
- المقريزي، الالمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام، المقريزي، تحقبق عبد المنعم ضيفي، القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث 2006.
- Crawford, O. G. S. Ethiopian Itineraries c 1519 – 1524, Cambridge University Press 1958.
- Trimingham. J. S. Islam in Ethiopia, 3d impression New York: Routledge 1967.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.