حديث بعض الدعاة "المبرراتية" الذين يعتلون المنابر يذكّرك بالتحذير النبوي من (المتشدقين المتفيقهين) الذين ينطقون بألسنة (حلوة) تناقض ما في قلوبهم حتى يهربوا من مواجهة الواقع والنصح بالحق لأصحاب السلطان، وهم يعلمون أن اعظم الجهاد هو قول الحق أمام القائمين بأمور الناس؛ ولكنهم لا يتطلعون الي نيل هذه المكرمة الغالية ويكتفون باللف والدوران لتلقيط الأجر بالوعظ ونوافل العبادات.. ويكملون الباقي بالتأنق وحُسن الهندام والعطور والساعات اللامعة على معاصم الأيدي..! هذا يذكرنا بحكمة وردت على لسان أحد (حكماء السليقة) من الناس العاديين فقد قال إن بعض الناس عندما يعترض طريقهم سائل يبحثون في أركان محافظهم المنتفخة عن (أقل فئة من العملة المسهوكة) ليتصدقوا بها، ثم يطلبون أن يكون ثوابها (الفردوس الأعلى)! لقد ظلوا يحتكرون الخطابة أكثر من ربع قرن من الزمان وهم يعلمون أن هناك من هو أفقه وأصدق منهم، ولكنهم يعلمون أيضاً أن غيرهم غير مسموح له بصعود المنابر، لأن (التمكين) لم يقتصر على دواوين الدولة ومناصبها، بل إمتد حتى بلغ الزوايا والخلاوي ومنابر المساجد..! ولو كان كلامهم ينفذ للقلوب لبلغ المجتمع ذروة التعافي، ولتقاصرت أيدي الفساد، وأرعوى السارقين والمختلسين، وتراجعت الشرور والأوبئة والمخدرات.. ولكنهم يتجاهلون مصادر البلاء، وبدلاً من أن يطعنوا الفيل (يتلاطفون مع ظله) وبذلك تذهب هيبة المنابر وتذوي رحمانية الدين ويغيب فقه المعاملات ويتمدد (التديّن الشكلاني) الذي يهتم باللحية الدائرة والمسواك على جانب الفم والسبحة التي تعبق بالمسك والزعفران! في آخر حديث لأحدهم، لم يلهمه الله من كل تداعيات الأزمة الاقتصادية إلا أن يقول إن (بعض ضعاف النفوس استغلوا الأزمة للقيام بمعاملات ربوية)! ولو كان صادقاً لقال إن غياب القدوة من الدولة هو السبب! ولذكر بذات الاستهجان قبولها للقروض الربوية تحت ستار (فقه الضرورة) وبإجازة وتصفيق من مجمّعاتهم الفقهية والتشريعية.. ولكن الذي يجيز الربا للدولة بكل هيلها وهيلمانها يغضب لصدور مثله من الأفراد الذين يمكن قبول توبتهم.. ولكن كيف تتوب الدولة و(تستغفر لربها) عن هذا الإثم؟! ثم هو يريد أن يختم خطبته بالثناء على الدولة متجاهلاً كل (الهوايل والقلايل) والإهدار الذي هو طابع المرحلة، والقرارات والممارسات التي تزيد من ضراوة الأزمة، فلا يجد من الثناء غير أن يشيد بتصريح للحكومة حول جبر ضرر المحال التجارية التي احترقت وإلغاء مهرجانات السياحة.. فهو لا يبادر بنقل شكايات الناس ومخاطبة السلطة باسم المتضررين والمقهورين، ولكنه ينتظر تصريحات المسؤولين ليثني عليها من غير أن يختبر صدق الوعود.. وهو يعلم أن كثيراً منها لم يتجاوز حدود (التسكين والتطمين) إلى حين ينسى الناس كما هو معهود من التصريحات والوعود التي تم اختبارها (مئة مرة)!!... ما فائدة إيقاف الصرف على مهرجانات السياحة إذا كانت وفود الدولة تسافر إلى المكسيك لمجرد تهنئة رئيسها بتنصيبه؟.. يا ترى هل كانت المكسيك ستغضب علينا وتحرمنا من صداقتها إذا اكتفينا بإرسال (برقية تهنئة عاجلة).. كما تفعل أغلب دول العالم! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.