مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكيك المركز من منطلقات عنصرية .. بقلم: كوكو موسى
نشر في سودانيل يوم 18 - 12 - 2018

(أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة)
مارتن لوثر كنغ جونيور
(''الثورة‘‘ هي صراع حتى الموت بين المستقبل والماضي)
فيدل كاسترو
لم يعد خافياً على أحد الموجة الهائلة من العنصرية والكراهية العميقة التي إجتاحت السودان في العقود الأخيرة والتي يجب أن لايتم إنكار أنه عند حدوث الإنهيار المتوقع للدولة السودانية سوف تنتهي إلى مذابح وفظائع لم يشهدها المجتمع الدولي منذ فترة ليست بالقصيرة. هذا إذا لم يتحرك الفاعلون في الأزمة السودانية لإحتواء الإنهيار وتخفيف وقعه ، أما إيقافه فيبدو بالمتعذر الآن ومنذ فترة طويلة.
وبما أن ما يسمى بالمركز في الأدبيات السياسية السودانية نظرياً هو المسؤول عن هذه الكراهية والعنصرية ، بطبيعته وتكوينه الثقافي ، وبما أن المركز في المخيلة الشعبية هو الأخوة الشمالييون ، فإن قدراً هائلاً من هذه العنصرية موجه ضدهم بعد أن كانوا هم المصدر التقليدي للعنصرية ضد الشعوب الأخرى بسبب مكونهم الثقافي والآيدلوجي الغالب والذي دون مفر يحتم عليهم أن ينظروا إلى العالم بطريقة معينة بطبيعتها هي نظرة فاشية ونازية لابد من أن تثير حفيظة كل من يتعامل معها ، والقليلون فقط ينظرون إلى الشماليين بإعتبارهم هم أنفسهم ضحايا لهذه الثقافة. وقد تطورت النظرة العنصرية ضد الشماليين وأصبحت هي نفسها لها آيدلوجيات وبهذا فقد تحولت من منطلق المدافع إلى منطلق المهاجم أيضاً في قفزة نوعية سيصعب إحتوائها بالطريقة التي يتعامل بها المركز مع هذه المعضلة التي تواجهه.
ويجدر القول بأن هذا المقال هو تكملة لمحتوى مقال سابق وهو مقال (النوبة) ولما ورد فيه من محتوى قد يلتبس على البعض ، وبالتأكيد يرفضه البعض جملة وتفصيلاً ، وقد وعدنا بإلقاء الضوء على بعض النقاط ، وبغض النظر عن الرفض والقبول فلابد أن تكون وجهة النظر واضحة ليكون حق الرفض أو القبول عن بينة.
وكما ذكرنا في كتابات سابقة بأن مشكلة المركز نفسه ليست في أنه إثنية أو ثقافة واحدة متجانسة تعاني من إنقسام طبقي حاد رغم أن هذا موجود وواضح ولايمكن أن نقول أنه ليس مشكلة ولا نسعى لحلها - ولكنها ليست المشكلة التي دمرت السودان. وبأن المركز نفسه هو عبارة عن تنظيم إجتماعي وثقافي منغلق على نفسه يحتوي على أغنيائه وفقرائه وطبقته الوسطى وتنظيماته السياسية وحراكه السياسي وحكومته ومعارضته الحقيقية والمزيفة ومثقفيه (بعضهم متجاوز) .. إلخ ، وهو على قلب رجل واحد في في عدم إشراك من لا ينتمي لثقافتهم وإثنيتهم في إدارة حتى شئون أنفسهم ، ويرفض بعناد حتى التنازل عن المفاهيم الثقافية التي أضرت به هو نفسه ضرراً بليغاً ظاهراً للعيان.
وليكون القياس سهلاً على التصور يمكن قياس هذه المشكلة الإجتماعية بمشكلة المجتمع الأمريكي في ما قبل تحرير العبيد إلى مابعد تحريرهم وإنهاء التمييز ضد الملونين رسمياً. بغض النظر عن أن العبيد في أمريكا قد تم إصطيادهم حرفياً كسلع تباع وتشترى وبأن المعنيين في السودان هم شعوب حرة تم التمييز ضدها برمتها ، وبالطبع هناك أيضاً عبيد سابقون في السودان ولكن التمييز ليس ضدهم فقط بل ضد الأصول التي ينحدرون منها ، ولهذا فإن مشكلتهم هم والأحرار من أصولهم والأصول الأخرى من غير إثنية المركز واحدة مع إختلافات ليست جوهرية بل أن العبيد السابقون تكون وضعياتهم أحياناً أفضل.
وبالرجوع إلى العبيد والملونين في أمريكا خصوصاً العبيد السود من الزنوج فهناك معتقد بأنهم كانوا جميعهم من الفقراء والمعدمين وهذا إعتقاد خاطئ ، حيث أن مجتمع العبيد قبل وبعد التحرير كان من الضخامة بحيث أنه شكل إقتصاداً قائماً بذاته به هامش كبير من الحرية ، فقبل تحريرهم مثلاً بعد تداعيات أزمة العام 1857م والتي تركت العديد من عمال المصانع الشماليين عاطلين عن العمل ومحرومين من أساسيات الحياة ، أشار مؤيدي العبودية بأن العبيد أصبحوا عموماً يحصلون على غذاء أفضل ولديهم مساكن أفضل من العديد من العمال الأحرار ولقد تم تقدير أن العبيد حسب نظم أجورهم يحصلون على أجور أعلى ب 15% من أجور السوق الحر*¹. أما بعد تحريرهم فقد كان دمار الحرب في الجنوب كبيراً ونجم عنه الفقر ، وإنخفضت مداخيل البيض كثيراً ، في حين أن مداخيل العبيد السابقين إرتفعت. العبيد السابقين أصبحوا عمالاً بالأجر ، مزارعين أجراء ، أو صغار مزارعين. لقد إنضم إليهم العديد من الفقراء البيض ، بما أن عدد السكان كان يزداد بمعدلات أعلى من النمو الإقتصادي*². لقد شكل الربع الأول من القرن العشرين أسوأ فترات الفصل العنصري وهضم حقوق السود السياسية والقانونية ورغماً عن ذلك فإنه كلما إزداد إقصائهم عن المجتمع الكبير ، كلما زاد نجاح رواد الأعمال السود في إنشاء أعمال مزدهرة تقدم خدماتها للزبائن السود في تلك الفترة ، وفي المناطق الحضرية كانت أعداد ومداخيل السود في إزدياد مانحة المزيد من الفرص لهم*³. ولهذا فإن المشكلة لم تكن محض مشكلة إقتصادية للطرفين ، البيض والزنوج ، وهذا الوضع ينطبق بشكل كبير على السودان مع إختلاف أنه على عكس أمريكا قد أدى إلى تدمير كبير للإقتصاد وقلل من حظوظ جميع الأطراف مع عدم إنكار أن العبء الأكبر قد تم رميه على ما يسمى بشعوب الهامش السوداني. أما في أمريكا وهذا هو هدفنا من المقارنة فإن إصطفاف الزنوج والملونين في حركة الحقوق المدنية الشهيرة والتي بلغت زروتها بقيادة الزعيم الأمريكي مارتن لوثر كنغ ، والخطاب الموضوعي وحتى المتطرف لحركة الزنوج الأمريكان عموماً لم يؤدي إلى دمغهم بالعنصرية ولم يمنع إصطفاف المثقفين البيض مع الزنوج بإعتبار أن هذه مشكلة أمريكا ، وليست مشكلة الزنوج ، حتى توج الأمر بوصول أول رئيس أسود إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمر الذي كان مستحيل التصور حتى قبل سنوات قلائل من حدوثه ، وهذا لا يعني أن أمريكا ليس فيها مشكلة طبقية ولكن كان الأولى حل المشكلة العنصرية أو تخفيفها بإعتبارها مشكلة من القرون الوسطى لا تليق بأمريكا ، تكون الطبقية وسوء توزيع الدخل في المجتمعات الإنسانية الحديثة والصناعية بالنسبة لها مشكلة مشرفة. ولأن المثقف في المركز ينظر للمشكل السوداني بأفق غاية في الضيق فإن كل ما ليس في أفقه يتم رفضه مبدئياً دون تبصر ودراسة منفتحة صبورة ، ولهذا فإن الفعل في المشكل السوداني ينفد من يديه شيئاً فشيئاً ، ف ''أزمة‘‘ مثقفي المركز الحقيقية أنهم لا يعون أن مهمتهم الحقيقية هي تفتيت المركز الذي ينتمون إليه عرقياً ، بأيديهم هم أنفسهم ، ولكي نصوغ المعنى بطريقة أكثر قبولاً لهؤلاء المثقفين يمكن أن نقول أن مهمتهم هي تحرير أنفسهم وإثنيتهم من ثقافتها المضرة لها وللآخرين بجميع الوسائل التي يمكن أن تصل إليها أيديهم بما فيها وضع أيديهم بفعالية في أيدي المثقفين والفاعلين من الإثنيات الأخرى بنفس القدر الذي يجب أن يحرر فيه مثقفي الأثنيات الأخرى أنفسهم وأثنياتهم من أنفسها ومن المركز ، الأمر الذي يجب أن يتكلل في النهاية بتجاوز موضوع الإثنية تماماً أو على الأقل لا يكون فاعلاً أساسياً ، فلا يمكن أن تكون منغرزاً في الوحل حتى فخذيك وتحاول جاداً عبور النهر الذي أمامك لتتسلق الجبل الذي خلف النهر! بالطبع يجب أن يكون كل جهدك العضلي والفكري في محاولة الخروج من الوحل ، حياً على الأقل! .. هذا الوحل ليس سوى العنصرية والإثنية التي نتحدث عنها الآن ، ليس لأننا عنصريون ولكن لأنه الوحل الذي وجدنا أنفسنا قابعين فيه كلنا بلا إستثناء. ولكننا نجد أن معظم مثقفي المركز في حالة إشفاق دائم من كيفية تحقيق ذلك مع حفظ دماء ومصالح إثنيتهم بقدر الإمكان وكأن مثقفي الهامش عندما ثاروا لم يكونوا يعلمون بأن قواعدهم الإثنية سيتم ذبحها وتدمير مصالحها الآنية. وهذا هو لب فشل الثورة منذ إنطلاقها وكأن هناك ثورات نجحت في التاريخ دون خسائر في المركز الذي تمت الثورة عليه! والعجيب في الأمر والذي لا ينتبه له الكثير منا حتى الآن أن أحد الأسباب الرئيسية في الفشل ، والذي قد ينافس السبب السابق ، هو مجاملة ومسايرة فاعلي الثورة في الهامش والثورة التقدمية عموماً لتوجهات مثقفي المركز التي ذكرناها في النقطة السابقة بل وتعاطفهم معها بطريقة شعورية ولا شعورية تنافس أحياناً المركز في الشفقة على نفسه! بل أن د. جون قرنق نفسه قد وقع في هذا الفخ .. وهذا يذكرني بلقاء شاهدته في إحدى القنوات العربية إستضافت فيه المذيعة أحد المسؤلين الحوثيين في حرب اليمن بعد أن تم قصف العمق السعودي بالصواريخ الباليستية وهي تسأله بأنهم متهمون من قبل السعودية بقصف العمق السعودي بصواريخ لا يمكنهم تصنيعها وبأنهم قد حصلوا عليها من إيران وبأنهم حلفاء لإيران .. إلخ. وقد أجاب المسئول بدهشة حقيقية من تعاطي المملكة في ما معناه بأنهم في حالة حرب كاملة مع السعودية (وقال حرفياً: نحن نحاربهم وهم يتهموننا!!) وبأن من حقهم تماماً إستخدام السلاح الذي يرونه مناسباً سواء صنعوه أو جلبوه من حليف دون توضيح جهات التسليح وبأن من حقهم التحالف مع كل من يناسبهم وليس من يناسب السعودية بما أن السعودية نفسها تحتفظ بحقوقها كاملة. فهل يجرؤ مثلاً مسئول في الهامش بأن يقول بأن من حقنا التحالف مع أي جهة بما فيها إسرائيل علانية! إذا كان في مخيلة المثقف السوداني الثورة في زنجبار وذبح العرب (البوسعيدية) سلاطين زنجبار التاريخيين وغيرهم من العرب والآسيويين الذين كانو يحترفون الأعمال والتجارة كالعادة بينما يمتلك العرب معظم الأراضي ويمسكون بتلابيب الحكم والإقتصاد ، في ما يعرف بهتاناً في كثير من الأدبيات العربية (بطرد العرب من زنجبار) وهي دعاية شوفينية عربية ، فإن تلك كانت ثورة حقيقية*⁴ بتحالف بين الأفارقة السود*⁵ والشيرازيين (يدعون بأن أصولهم فارسية) والثوريين اليساريين العرب - من ضمنهم سالم أحمد سالم رئيس الإتحاد الأفريقي السابق - وبأنها كانت بدعم عربي (يُزعم بأن الجزائر قد أرسلت أسلحة للثوار) حيث يعتقد بأن جمال عبدالناصر قد تواطأ بعدم تدخله عسكرياً لصالح العرب عن طريق قواته التي كانت تحارب في اليمن التي كان يعيش فيها ورطة عسكرية حقيقية إلا أنه حقيقة لم يكن له خيار حيث كان مطلعاً على ممارسات العرب الرأسمالية السيئة ضد السود وإحتقارهم ونظرتهم الدونية لهم والتي لم يكونوا حتى يجتهدون في إخفائها وكان سيكون موقفه حرجاً أمام الأفارقة الذين كانت تشملهم حملته ضمن حركته لتحرير العالم العربي والأفريقي من الرجعية والإستعمار. فلماذا لم يقل جمال عبدالناصر أنا عربي والحكام في زنجبار عرب فكيف لا أقاتل عن عربي مثلي حتى لو كان إقطاعياً ظالماً ويعتقد بأن هناك أناساً أدنى منه مرتبة بترخيص من الله. ذلك في الوقت الذي كان فيه قادتنا في السودان غارقين في قرض الشعر عن الفردوس المفقود في الأندلس لينضم إليه الفردوس المفقود في زنجبار! إن الخوف من إتخاذ مواقف معينة خوفاً من غضب الشماليين كإثنية هو إتجاه غير صحيح وأضر بالثورة كثيراً ، إن الشماليين أنفسهم في حوجة حقيقية لصدمة تجعل كلفة تمسكهم بمبادئ ثقافية معينة عالية فيسهل عليهم التخلي عن هذه المبادئ. ورغم أنه ليس بالضرورة ولكن من الأفضل أن يتم هذا بأيدي المثقفين والفاعلين الشماليين أنفسهم ، أو على الأقل بمساعدتهم. وحري بي القول أن هذا في النهاية سوف يؤدي لتطور الإثنية الشمالية نفسها. إن من أراد الثورة فلينتظم في الثورة أما من لم يرد الثورة حتى لو أظهر خلاف ذلك يجب أن لا نخشى من خسارته بل أن موقعه في الطرف المقابل أفضل من موقعه في وسطنا حتى لو كان بقصد التحييد ، والتجربة تقول بأن الأمر ينتهي دائماً بالعكس بتحييدهم هم لجهود حركة الهامش وتبديدها وتشتيت قواه وشلها لفترات طويلة (ليس إبتداءاً بالتجمع الوطني الديموقراطي وليس إنتهاءاً بنداء السودان) ناهيك عن القوى التي تتسلل داخل قوى الهامش نفسها وتساهم في التفتيت كما حدث في الجبهة الثورية والحركة الشعبية نفسها ، ولا حوجة للقول بأن معول حكومة المركز نفسه بالإضافة لمشاكل الهامش الداخلية من الفعالية بمكان بحيث لا مكان لأي عوامل أخرى تستضيفها حركة الهامش بإرادتها الحرة لتعمل شوكتها المسمومة في خاصرته ، وقد أثبت التاريخ هذا بشدة ولم يتبقى إلا أن يرسل مبعوثاً يحمل رسالة من الوالي بهذا المعنى!! إن مشكلة قادتنا بأنه تغلب عليهم الحنكة السياسية والعسكرية دون الثورية في كثير من التقاطعات .. حنكة تفضي إلى صفر كبير وبارد.
ورغم أن السودانيين لايحبون التحدث في هذه المواضيع على الملأ إلا أن هذه المواضيع هي المشكلة نفسها وهي (تابوه) رسمي يتم التعامل معه بحساسية عالية ، ولهذا يصعب تناوله دون إطلاق التسميات ولإتهامات ضد من يتناولونه مما يشكل إرهاباً فكرياً يسبب غباشاً وضبابية في الطرح. فإذا أردت أن تسهم في حل إشكالٍ ما فلا بد أن تتحدث عن الإشكال نفسه وتوضيح جميع أبعاده وإتجاهاته سواء التي يراها المجتمع إيجابية أو سلبية حيث أن رأي المجتمع نفسه ليس بالضرورة أن يكون سليماً ، فما يراه مجتمع ما إيجابياً تراه مجتمعات أخرى سلبياً والعكس كذلك .. فما يهم هو أن تكون وجهات النظر واضحة لا لبس فيها وتكشف بجلاء أين تقف المشكلة الآن وإلى أين ستتحرك.
فلا يمكن مثلاً أن يكون هدفي حل إشكال عرقي عنصري وأتحدث عن شيء آخر أو ألتف حول الموضوع أو أخجل منه أو من توضيح وجهات النظر الموجودة على الأرض أو حتى الخاصة بي وإلا لكنا نلعب لعبة الغميضة! وبهذا لن يستطيع أحد أن يتلمس ماهية مشكلة الآخر ليسعى سعياً جاداً لحلها ولهذا لابد أن أتحدث عن هذه الأشياء القذرة ليتم معرفة أن هناك شيئاً قذراً متعفناً هناك على الأقل.
وفي النهاية وبما أن السودان بدرجة من التخلف بحيث أن المؤسسات والمنظمات الإجتماعية الوحيدة الفاعلة والتي تفسر كل تحرك داخل المجتمع هي المؤسسات والمنظمات العرقية والإثنية فلا بد أن الحلول المضادة ستكون ذات ملامح عرقية وإثنية واضحة وهذا ليس خرقاً أخلاقياً كما يظن البعض وإلا لما تم إبتداع التمييز الإيجابي في الغرب والذي يقوم على أسس عرقية وإثنية وجنسية لا يجرؤ أي أحد على التشكيك في مشروعيتها والحري بالقول أن من إبتدعوها وطبقوها عن إقتناع هم البيض أنفسهم ، وبما أننا في السودان على الأقل في الأفق المنظور لايوجد بما يشي بأن هناك درجة من الوعي على الأقل الآن وربما للمائة عام القادمة بأن يحدث شيء كهذا بروح حقيقية في السودان فلا يمكن قمط المتضررين في حقهم من تمييز أنفسهم إيجابياً بالوسائل المتاحة والتي تناسبهم وظروفهم وواقعهم وإختيار ما يريدون أن يكونوا عليه من السوق العالمي الواسع دون وصاية بمشاركة المتجاوزين من المثقفيين من جميع الإثنيات والعرقيات دون تمييز ، ولربما إستطاع المضطهَد من تحرير المضطهِد من نفسه وهذا بالتأكيد هدف أسمى ولكن كل الأهداف يمكن الوصول إليها بالمراحل.
ومع هذا يجب أن لايتم إنكار أن هناك منطلقات عنصرية فعلاً ، ولكن المشكلة في أن لكلٍ زاوية ينظر منها لما يراه هو عنصري وما لا يراه عنصرياً ويمكن للخيط أن يكون رفيعاً جداً ويصعب تمييزه. فمن الزاوية التي ننظر منها هنا فإن العنصرية هي تحميل أفراد عرقية معينة مسؤولية شخصية فردية عن ثقافتهم التي ولدوا بها والتعامل معهم وفقاً لذلك ، فمثلاً بدلاً من أن يتم إعتبار أن العرب والأفارقة متخلفون لأن ثقافاتهم متخلفة يتم إعتبار أن المعنيين متخلفين في أعراقهم ويتم إستهدافهم شخصياً بدلاً عن ثقافاتهم ، وهي النظرية المسؤولة عن جرائم الإبادات العرقية لإجتثاث حامل الثقافة نفسه بدلاً عن تجريده من ثقافته المضرة أو تعديلها والإبقاء على حياته وحقوقه الإنسانية الكاملة ، وللأسف فإن معظم المجتمعات السودانية في المركز والهامش تعتنق هذه النظرية.
إن الكثيرون ينسون أنه لماذا يجب تفكيك المركز أصلاً؟ إن السبب الأول والأخير في رأيي أن ثقافة المركز غير مؤهلة أخلاقياً أو حضارياً لتتحكم في حياة بشر لهم حقوق إنسان تم التوصل إليها عبر آلاف السنين من الدماء والتضحيات والآلام والمشاريع الإنسانية عالية الكلفة That's it. ولهذا فإن المشكلة في أصلها الحقيقي ليس لها علاقة بالإثنيات والأعراق ولكنها صدف أن تنزلت علينا في قنوات عرقية حسب نصيبنا في توزيع المشاكل ، ولكن البعض يرفض القسمة.
كما أن تفكيك المركز لا يعني بالضرورة نجاح الهامش ولا يجب أن ينظر إليه بأنه نجاح للهامش ولكن كنجاح للسودان ككل وكخطوة في الإتجاه الصحيح قد تؤدي في البداية إلى الدوس على الأشواك بالأقدام الحافية.
ولكي تكتمل الرؤية فلابد أن نوضح بأن المقاربة التي تتخذها المنطلقات التي وصفناها بالعنصرية والتي أصبحت عالية الصوت في الآونة الإخيرة رغم أنها تبدو واحدة من حيث نظرتها للصراع من زاوية الأدوات والتأثيرات العرقية والإثنية ووضعها لحلول تسطصحب معها هذه الأدوات والتأثيرات إلا أنها تنطلق من منطلقات فكرية وآيدلوجية مختلفة كما رأينا في الفقرات السابقة بالإضافة لأن البعض ينطلق من وجهة نظر المركزية الأفريقية Afrocentricity والرابطة الأفريقية Panafricanism والتي يمتعض منها من ينظرون للأمر من زاوية ما بعد الحداثة ويرون أن هذا غرق بعيد في الآيدلوجيا الأفريقية والسوداء ، والبعض له توجهات قومية بحتة بل وحتى عنصرية .. إلخ ، ورغم الهزيمة الظاهرية المؤلمة للماركسية في هذا السياق إلا أن السبب ليس الفكر الماركسي ولكن حاملي الفكر الماركسي لأسباب كثيرة منها أحياناً عدم الواقعية أو التكلس العقدي كما أن بعضهم رغم أنهم تم تعميدهم لعشرات السنين في المغطس الماركسي إلا أن إنائهم لازال ينضح أحياناً بالشراب القديم! شراب العشيرة والإشفاق عليها ، وبعيداً عنهم لازالت الماركسية هي أول من قدم لنا في سنين مبكرة جداً حتى قبل أن نغادر قطار الطفولة أول نظرة عميقة مذهلة تماماً بالنسبة لنا في تلك السنون الحساسة عن العنصرية كأبناء هامش عاشوا في الوسط مما جعل العنصرية لاتشكل أي بعبعاً نفسياً لنا ليصبح جل الكفاح في محاربة الآثار الإقتصادية والإجتماعية لها على المستويات الشخصية دون الحوجة للقلق على السلامة النفسية للمرء ، ولهذا فإن الدور الماركسي سيظل باقياً والحديث عن إنهزامه فيه الكثير من الإجحاف والسطحية وعدم التروي. وفي كل الأحوال كما شهدنا فإن الأمر لن يغادر قطار الإثنية والذي سوف لن يتوقف قريباً في أي محطة يتمناها الرافضون والذين لو تمعنوا قليلاً لو جدوا أن الأمر ليس له علاقة بالرفض أو القبول وإنما أن الأمر هو أمر واقع.
كوكو موسى
مراجع وحواشي:-
1- راجع Economic history of the United States - Wikipedia تحت العنوان الفرعي Slave labor
2- راجع Economic history of the United States - Wikipedia تحت العنوان الفرعي Collapse of the South
3- راجع American business history - Wikipedia تحت العنوان الفرعي The golden age of black entrepreneurship
4- Zanzibar Revolution - Wikipedia
5- قاد الثورة على الأرض جون أوكيلو (John Okello) - وهو بناء (حرفي بناء) ذو شخصية كارزمية - المسيحي ذو الأصول اليوغندية رغم أن كل الثوار تقريباً كانوا مسلمين حيث أن الإسلام هو ديانة معظم الزنجباريين في ذلك الوقت.
رغم أن الثوار قد قاموا بإرتكاب مجازر وفظائع شنيعة في حق العرب والآسيويين والتي ترتقي حالياً لما يسمى بالإبادة الجماعية genocide رغم التضارب الكبير في أعداد الضحايا حسب التقارير المتوفرة إلا أن أي ثورة في التاريخ قد نالت نصيبها من الفظائع وكونها هنا قد وقعت في حق العرب فلأن العرب كانوا حرفياً منبع الممارسات التي أدت للثورة ناهيك عن أنهم أصلاً كانو يتخذون الجزيرة تاريخياً كمستودع لتجارة العبيد ، وبما أن الثورة لا تقع ضد ظلم ''مجرد‘‘ معلق في الهواء فقد صدف هنا أن الظلمة كانوا من العرب والآسيويين كما أن ممارسات الثوار الذين نفذوا الثورة على الأرض وكانوا كلهم من السود كانت متسقة مع مستوياتهم التعليمية والثقافية التي أرادتها لهم النخب العربية حيث قاموا بتخفيض ميزانية التعليم التي تستهدف السود بطريقة دراماتيكية مباشرة بعد نيل الإستقلال لهيكلة وضعية السود كطبقة ومواطنين من الدرجة الثانية بصورة دائمة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.