يخفي العداوة وهي غير خفية.. نظر العدو بما أسر يبوح. ومن نكد الدنيا علي المرء .. ان يري عدواً ما من صداقته بد. المتنبي توطئة كابدت أنغولا واحدة من اعنف الحروب التي كانت اكثر احتداماً واضطراماً منذ عام 1975 حتي 2002، حيث فقدت من خلالها مليون شخص، تلك الصراع المرير الذي وصفته الاممالمتحدة بانه أسوأ حرب في العالم. والجدير بالذكر فقد كانت حرباً مدمراً علي أنغولا وشعبها اذ اشتعلت علي خلفية صراع بين فصيلين هما الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، والاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا. ومهما يكن من امر فان هاتين الحركتين كانتا تتحصلان علي تأييد من أطراف دولية مختلفة حيث كانت كوبا حليف الاتحاد السوفييتي وقتها تدعم الحركة الشعبية لتحرير أنغولا لانها ماركسية التوجه، بينما كان الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا تتلقي الدعم والمساعدات من الولاياتالمتحدةالامريكية. وبناء علي ما تقدم، يمكن القول ان حرب أنغولا كانت احدي تجليات الحرب الباردة بين أطراف دولية متصارعة علي النفوذ والمصالح السياسية في افريقيا. وعلي ايً فثمة سيناريوهات اكثر تشابهاً بين تجربتي أنغولا التي سبقت الذكر، وتجربة الحرب الاهلية المؤلمة في جنوب السودان التي اندلعت في ديسمبر عام 2013حيث أكدت الاحداث تدخل أطراف إقليمية في هذا الصراع الدامي، وبطبيعة الحال تورطت كل من دولتي يوغندا والسودان بصورة واضحة وجلية في اذكاء نيران تلكم الحرب، اذ وقفت يوغندا بجانب جوبا وتحامتها للحيلولة دون وصول الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة الي السلطة تحت مزاعم ان قائدها دكتور رياك مشار حليف لجيش الرب اليوغندي المعارض. وفي الضفة الآخري دعمت الخرطوم حركة دكتور رياك مشار باعتبارها حليفها القديم الذي ظل ينفذ أجنداتها السياسية ويحقق اطماعها وأهدافها التوسعية في جنوب السودان. وتجدر الإشارة الي ان الصراع بين القادة السياسيين قد فتح الباب علي مصراعيه لتدخل هذه القوي الإقليمية الطامعة في ثروات وموارد البلاد وهو الأمر الذي يعد انتكاسةً سياسيةً كبيرةً تلقي بظلالها الكالح علي مستقبل شعب جنوب السودان الذي كان يعتقد ان استقلاله الوطني في يوليو 2011 بمثابة النقطة الفاصلة بينه والحقبة الاستعمارية المريرة (موسسة الجلابة ).تلك الكيان العنصري الذي قاد حروباً دينية وعنصرية علي نحو أكثر من نصف قرن من الزمان ضد شعب جنوب السودان بهدف القضاء عليه قضاءاً مبرماً، ومن ثم احكام السيطرة والاستحواذ علي الموارد الاقتصادية ، النفط . الأراضي والمياه . ومهما يكن من امر فقد حري بنا القول ان الحرب الجهادية التي شنها دهاقنة النظام الاسلاموعروبي علي جنوب السودان عام 1989 كانت هي الاعنف والأكثر دمويةً إذ ان الإسلاميين يحملون حقداً وكراهيةً سياسيةً ضد الجنوبيين، وحتي لحطة كتابة هذه السطور ما فتئوا يحيكون العديد من الدسائس و المؤامرات لتحقيق أهدافهم المشبوهة التي تتمثل في انتهاج سياسة الفوضى الخلاقة في جنوب السودان من خلال اختراق سياسي وامني للبلاد من اقصاها الي اقصاها، وذلك لمحاولة اختطاف الدولة، ومن ثم أعادتها ووضعها مرة اخري تحت وصاية حكمهم الجائر، او خلق أزمات سياسية وأمنية مزمنة تستهدف إغراق البلاد في وحل حروب أهلية مع الذات، ويا لها من مفارقات سياسية ! ان تتقدم جامعة جوبا بمنح الدكتوراة الفخرية للطاغية طريد المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر البشير بما سمته إدارة الجامعة بدوره في السلم والدبلوماسية في اتفاقية الخرطوم للسلام المنشطة في جنوب السودان اغسطس 2018، علي الرغم من ان هذه الموسسة الأكاديمية المستقلة تتبني في سياساتها العامة مبدئي حقوق الإنسان وعدم الإفلات من العقوبة عن جرائم ترتكب او ارتكبت في حق الشعوب السودانية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وهو ذات عمر البشير الذي توعد في غطرسة وتسلط كبيرين باحتلال واستباحة جنوب السودان في احدي ترهاته وتجاسره الأحمق في ابريل 2012 إبان قيام الجيش الشعبي لتحرير السودان بدخول منطقة ( فانطو) وتحريرها، حيث قال :( انه سيلقن الجنوبيين درساً لن ينسوه)، وعلي مضض سار في ركابه نائبه الأول السابق علي عثمان طه وقال : أمام البرلمان السوداني وهو في حالة هستيريا ،( نقول لجنودنا اوامرنا واضحة ان من يمد عدواً ولو بشق التمر يضرب في المقتل ) وهو يدعو في سياق حديثه هذا لقطع العلاقات التعاون بين السودان وجمهورية جنوب السودان، وان يتم إغلاق كل المعابر الحدودية بين الدولتين، ومنذ تلك لحظة اعتبر البرلمان السوداني جمهورية جنوب السودان دولةً عدواً، بيد ان الأمر الذي لم يدر في خلد كل من البشير وطه وقتها هو ان شعب جنوب السودان ظل أقوي مراساً وأصلب عوداً في مكارة الحروب اذ انه بندقية عصية الكسر في الرد علي كيد الاعادي. صفوة القول ان الوقوف سداً منيعاً في وجه سياسات الفوضي الخلاقة التي يراد بها العبث بمستقبل هذه البلاد يمثل واجباً وطنياً لكل ابناء وبنات هذا الشعب، كما ان وقفة تضامن مع الجماهير السودانية الثائرة وقواها السياسية المحبة للحرية، يمثل موقفاً سياسياً نبيلاً فضلاً عن انه يعد واجباً انسانيا لمحبيي الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان . ومما يجدر ذكره في هذا السياق المتصل ان الدعاية السياسية الرخيصة التي ظلت تنسج بكرةً وعشية علي ان سقوط المؤتمر الوطني يعني سقوط وانهيار اتفاقية الخرطوم للسلام في جنوب السودان هو امر لن ينطلي علي العقول البتة، فالرئيس عمر البشير ونظامه لا يمثل ضامناً لهذه الاتفاقية علي الإطلاق ،وإنما دول الايغاد هي التي تمثل ضامناً وراعياً أساسياً لها، وبناء علي ما تقدم فان سقوط حكومة الاسلامويين الملتحيين في الخرطوم سيكون انتصاراً كبيراً وفتحاً جديداً للعلاقات البينية لشعبي البلدين، وتعزيزاً للعلاقات حسن الجوار التي ظلت مضطربة بصورة مستمرة في عهد نظام المؤتمر الوطني الفاشي الذي عمل علي دق الإسفين بين دولتي السودان. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.