كشف تقرير منظمة الشفافية العالمية عن العام 2018 حقائق مرعبة عن مايجري في العالم ليس النائم الذي يطلقون عليه تلطفا النامي فحسب بل حتى على صعيد القوى العظمي وتحديدا الولاياتالمتحدة التي يتبجح رئيسها المسعور (رجل العقارات) دونالد ترامب مهددا ومتوعدا ورافعا رافعا عقيرته بشعاره (امريكا اولا ) مبتزا الحلفاء والاعداء وراكلا المباديء والقيم والمواثيق ..التقرير الذي جاء في صحيفة الديلي ميل الانجليزية يهمنا نحن ايضا في السودان اذ يسلط الاضواء على الفساد (آفة العصر) الذي ينخر كالسوس في كل شيء من السياسة الى الاقتصاد بل حتى الرياضة حيث شاهدنا الرؤوس التي تطايرت في الفيفا صاحب الشعار المشهور (اللعب النظيف) بدأ من جوزيف بلاتر وليس انتهاء بميشيل بلاتيني. ( 2 ) تتصدر الدنمارك قائمة افضل دول العالم في مكافحة الفساد اذ حصلت على 180نقطة من جملة 100 مقابل الصومال التي تحتل المركز الاخير برصيد 10 نقاط أما السودان فيقبع في المركز رقم 172 وعلى بعد 5 أمتار من الطيش من جملة 180 دولة هم الاعضاء في الاممالمتحدة برصيد 16 نقطة وتفصله عن الهاوية دول منها كوريا الشمالية واليمن وجنوب السودان وسوريا والصومال . (3 ) شاركت بريطانياالمانيا في المركز 11 فيما سجلت المجر أسوأ النتائج منذ انهيار النظام الشيوعي وعزا التقرير السبب الى نزوعها نحو النظام الاوتوقراطي أما الولاياتالمتحدة أقوى وأغني دولة في العالم فقد خسرت اربعة نقاط تحت حكم الرئيس ترامب لتخرج من قائمة افضل 20 دولة في العالم لاول مرة في تأريخها . (4) التقرير الصادر من برلين المقر الرئيسي للمنظمة فسر التراجع الامريكي الى ضعف عمليات الرقابة التي تهدد نظامها المالي فضلا عن انجراف النظم والمعايير الاخلاقية وبالذات في المراكز العليا تحت تأثير صانعي القرار السياسي . كما يشير التقرير أيضا بأن دول افريقيا جنوب الصحراء تعتبر اكثر دول المنظومة العالمية انغماسا في الفساد حيث لم تحصل الا على 32 نقطة من مجموع 100 نقطة مقابل 66 لدول اوروبا الغربية ..ويعترف زو ريتر ممثل الولاياتالمتحدة في المنظمة بأن قيم الشفافية والطهارة والاستقامة وحكم القانون تصدعت كثيرا تحت ادارة ترامب وتواجه مصيرا مظلما بعد تراكم الفساد منذ توليه زمام الحكم خلفا لباراك اوباما . (5 ) الدراسة انتهت الى نتائج هامة كشفت النقاب عن جذور الداء وهو ان اكثر الدول فسادا هي التي تعاني من الحروب الأهلية وغياب الديموقراطية مشيرا الى العلاقة الوثيقة بين الفساد وأنظمة الحكم الشمولية حيث يشكل كل منهما سببا ونتيجة للآخر وهي مشكلة تعاني منها اكثر دول العالم سيما دول العالم الثالث في القارة السمراء حيث ان ثلثي حكوماتها حصدت أقل من 50 نقطة فيما كان نصيب الدول التي تتخذ الديموقراطية منهجا للحكم 75نقطة . وقد بلغ المتوسط مع الدول ذات الديموقراطيات الضعيفة 49 درجة مقابل 30 للدول الديكتاتورية .ولكن اذا كانت الحالة تتدهور والملفات تبدو اكثر قتامة في الولاياتالمتحدة والمجر والبرازيل فان الوضع يسجل تحسنا مضطردا في دول مثل استونيا وساحل العاج والسنغال وغيانا فيما تعيش استراليا ومالطا والمكسيك حالة من التراجع . (6 ) التقريريقول بأن تفشي الفساد يعود لعدة اسباب منها غياب حكم القانون وضعف المؤسسات الديمواقراطية وتضاؤل دور المجتمع المدني فضلا عن التضييق الحكومي على الصحافة المستقلة .ويضيف انه منذ عام 2012 فقد تحسنت الأوضاع في 22 دولة منها الارجنتين وساحل العاج فيما تدهور الحال في 16 دولة منها استراليا وتشيلي . (7) النتائج النهائية التي بنيت عليها الدراسة لم تنشأ من فراغ وانما استندت على 13 مصدرا ذو مصداقية عالية في تقديم البيانات والمعلومات والاحصائيات بل تخصص في رصد وتحليل ظواهر الفساد عبر رجال أعمال وخبراء قانون دوليون فضلا عن مصادر اخرى منها بنك التنمية الافريقي والبنك الدولى والمنتدى الاقتصادي العالمي ومشروع العدل الدولي وحكم القانون . (8) الذي يلفت النظر في السودان أنه رغم تكوين مفوضية للفساد ورغم اعلان الحرب على الفساد والمفسدين وملاحقتهم لاسترداد الاموال المنهوبة (راجعوا تصريحات الرئيس في فبراير الماضي) فان الجعجعة حتى الآن تطغى على الطحين فالشراك التي تم نصبها قبل سنوات لم تصطاد فأرا ناهيك عن الهوامير التي تسرح وتمرح بعيدا عن الحساب والمسائلة بل فحتى الذي تم استرداده من المال العام لا يمثل سوى الجزء البارز من جبل ثلج يسبح فوق ماء المحيط. (9 ) الكل يعلم ان جزءا من العقوبات التي نرزح تحتها من قبل المجتمع الدولي يعود الى هذه الاختلالات والتشوهات التي تعتبر ابنا شرعيا للفساد الناتج عن غياب المشاركة السياسية الحقيقية فضلا عن الرقابة المشددة على أجهزة الاعلام والتي تتمثل في تكميم الافواه و مصادرة الصحف وملاحقة اصحاب الرأي الآخر .فلا أحد حتى الأحزاب والقوى المعارضة التي تتغزل في الديموقراطية والعدالة يستطيع الزعم انه يحتكر وحده الحقيقة والصواب ففي النهاية فان مايفيد سيمكث في الارض اما الزبد فسوف يذهب جفاء . (10) استمرار هذه الحالة يعني اننا اما جامدون أو أننا وفي أفضل حالاتنا كملوك البوربون لا نقرأ واذا قرأنا لا نفهم .. نحن جزء من المجتمع الدولى شاء من شاء وأبى من أبى .. نتأثر بما يجري حولنا ونؤثر بقدر قوتنا الفعلية التي بين أيدينا وليست الكامنة على ظهر الارض وباطنها والتي نتفاخر بها للاسف وقد دفعنا ولازلنا ندفع غاليا ثمن المكابرة واجترار الشعارات الجوفاء .. أخشى والحال هكذا أن نستلم الراية من الصومال سيما فنحن على بعد فركة كعب من قاع الهاوية وبعدها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.