تريد أن تعرف مدى انهيار الخدمة المدنية ومدى الانحناء للرغبات السياسية ومخاطر الأوامر التي يفرضها السياسيون على من يعملون بالاقتصاد؛ بل حتى من يعملون في جهات مهنية (شبه علمية) يقع عملها في النطاق البحثي المنضبط مثل الجهاز المركزي للإحصاء.. تريد أن تعرف ذلك؟ تعال وانظر إلى ما أعلنه الجهاز المركزي للإحصاء بالأمس وقال إن التضخم انخفض من 72% إلى 43%..! كنا قد أشرنا إلى الانهيار الشامل في المهنية ومفارقة المصداقية بسبب التأثيرات السياسية في أمور الاقتصاد؛ وضربنا مثالاً بما قاله محافظ البنك المركزي الذي نفى أي صلة بين التضخم وارتفاع الأسعار وبين طباعة أوراق العملة بالكيفية التي تم الإعلان عنها ب(الربربة الناشئة عن صوت ماكينات طباعة العملة) فقد قال المحافظ بعضمة لسانه عبر القنوات الفضائية أن ضخ أوراق العملة لا يؤثر على التضخم ولا على ارتفاع الأسعار، بل قال إن الشعور بزيادة الأسعار هو (شعور نفساني) لا علاقة له بالواقع ولا يشعر به الشخص إلا عندما يذهب للسوق وهو يحمل خمسمائة (ألف جنية) ثم يشترى حاجة حاجتين وتخلص الخمسمائة فيشعر بالاكتئاب ويحس (نفسياً) بالتضخم وبزيادة الأسعار! كيف يصدر من هم على رأس الجهاز المركزي للإحصاء مثل هذا الكلام الذي يتحدث عن انخفاض التضخم (فجأة) بهذه النسبة الفلكية؟!؟ ماذا حدث لينخفض التضخم هكذا.. والدول تكد وتجتهد و(تضرب رأسها بالحائط) لتخفض التضخم عندها بنسبة 2 أو 3 أو 4% فلا تستطيع.. وأصحابنا هؤلاء يهبطون به بنسبة (40%) بين عشية وضحاها رغم طباعة النقود على الطريقة إياها..! هل هي تعليمات سياسية؟ هي مبادرة شخصية من أجل (المجاملة والزمالة)؟..وهل المقصود هو التطمين الكاذب بتحسن حال الاقتصاد.. أم هي رسالة للخارج؟! وهل يمكن بعد ذلك اكتساب أي مصداقية في أي هيئة عامة في السودان في هذا (السيرك العجيب)! لنترك كلام (شذاذ الآفاق) والعامة ودهشة خبراء الاقتصاد من غير الإنقاذيين، ونمسك في كلام (زولم) وزير مالية الإنقاذ السابق ورئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان رداً على جهاز الإحصاء؛ فقد تشكك في أرقام الإحصاء وقال إنها غير منطقية ولا يمكن أن ينخفض التضخم خلال شهر واحد (من 72.94 إلى 43.45).. وأكد أن المعايير تشير إلى ارتفاعه وليس انخفاضه في ظل طرح عملات جديدة وكذلك بسبب ارتفاع أسعار السلع والارتفاع المضطرد في سعر الصرف (كلامه هنا يعارض أيضاً كلام محافظ البنك المركزي تماماً) وقال إن إعلان انخفاضه بهذه النسبة سيخلق مشكلة للتجار، حيث تفقد كل سعة قيمتها بذات النسبة..! السلوك السياسي القائم على تحسين وجه الكوارث وتغطية المصائب بكسوة حريرية زائفة (نهج ثلاثيني متواصل)..لكن القصد هو الإشارة إلى الخراب الذي أصاب الخدمة المدنية بسبب التمكين، بحيث أصبحت الخدمة العامة ذيلاً للولاء الحزبي على حساب الوطن وأمانة المنصب واللعب الخطر بحياة الناس ومعايشهم و(دغمسة المعلومات والوقائع).. وكل ذلك مما يتطلب حراثة جذرية للأرض لتنظيفها من أعشاب المداهنة وأوشاب المنافقة وامتهان المؤسسات العامة التي بيدها التخطيط لمصائر الوطن على أعتاب التزلف وخيانة أمانة العلم وخلخلة الأرقام الصماء التي لا تقبل القسمة على المصلحة الشخصية! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.