نائبان، هما رياك مشار وعلي عثمان محمد طه، كانا ملء السمع والبصر، في القصر الجمهوري بالخرطوم، قبيل وصول قطار نيفاشا إلى محطته الكبرى. كان الرجلان على تواءم وانسجام تمكنا من خلاله تمرير خطة انفصال الجنوب، لكنهما لم يترقيا من طور الإنابة – مقام الرجل الثاني في الدولة - إلى طور الرئاسة، رغم استماتة كليهما في ذلك السبيل. هناك من يرى أن علي عثمان طه، لا يبدي طموحاً نحو الرئاسة، بينما دوره في مفاوضات اتفاقية السلام يُلقي الكثير من الأضواء على مشروع الحلم الكامن داخل النفس البشرية، فالسياسي، مُطلق سياسي، قد لا يصعد في المراتب لسبب أو آخر، لكنه لا يُشفى بسهولة من داء السلطة، حتى نقول إنه زهُدَ في أدواتها. رياك مشار، ما زال لديه بصيص أمل في الصعود، بينما ليس لعثمان طه حظ من ذلك، وفق شهود العيان لهذه المرحلة الإنقاذية الحرجة، فلا هو مسنود بنبوءة أو رافعة اجتماعية تجعله يعاوِد الكرّة، ولا هو صاحب فلجة، فضلاً عن أن سبل وطرائق التمكين العجيبة، تمخضت عن تمكُن آخرين داخل تنظيمه الحزبي... وتلك إحدى العِبر والدروس، التي يجب أن يضعها ابن آدم في الحسبان، وابن آدم في سيره السرمدي نحو الحق، يظل مشروع إنسان، والإنسان لا يأمن سنن الزمان. هناك تحول كبير في الموقف الإقليمي والدولي من كافة القضايا السودانية، في الجنوب والشمال. هناك بالضرورة سياسة جديدة تفتح الباب أمام تطورات لا تبقي ولا تذر في السودانيْن.. مشار يبدو أوفر حظاً في المضي نحو الحلم، لأنه يستند على قاعدة اجتماعية قبلية لا يستهان بها، بالإضافة إلى أنه يمتلك قوة عسكرية، ويتمتع بالدهاء اللازم لمباغتة أطراف اللعبة، محلياً وإقليمياً ودولياً. الدورالسياسي لرياك مشار سيترافع أكثر حسب المعطيات الحالية، لكونه زعيم مقدس لدى أفراد قبيلته النوير، وهو يختلف عن رصيفه علي عثمان طه، بامتلاكه روافعاً وأدوات... الرجل لديه جيش يتواجد حول حقول البترول،، والجيش أداة حاسمة في الصراع، بل هو أحد أهم مفاتن السياسة السودانية وأقوى عناصر الغلبة لدى الشعوب الفقيرة.. السياسيون في أفريقيا، وفي الجزائر بطبيعة الحال، لا غنى لهم عن مقاتِلهم. السياسيون الأفارقة، على وجه العموم، لا يتقاعدون، وإن كانت الشمس حانيةً فوق الرؤوس، لذلك لن ينتهي دور مشار بمزحة. لن يموت حلمه وهناك نبوءة شائِعة بأنه الزعيم الذي يحكم دولة الجنوب،، بينما رفيقه طه، كان قد التزم الصمت بعد أن غادر القصر.. قبيل الأحداث الأخيرة أطلق علي عثمان طه، بضع كلمات في ندوة، ثم عاد إلى صمته المطبق بعد تنامي الحراك، لكن هذا لا يعني أن الرجل بعيد عن دائرة الفعل.. قد يبدو الزهد على سيماء النائب الأسبق، بيد أن للزهد معانٍ، كما أن في الصمت كلام كثير، مثلما أنَّ في الخمر معنىً ليس في العنبِ،، ولقد صبرت عن لذة العيش أنفسٌ، وما صبرت عن لذة النهي والأمرُ.. /////////////////