بيان إفساد الإنقاذ للخدمة المدنية أمثلته عديدة؛ ولكن مثاله الأقرب ربما يتمثل في الجدل الدائر حول ميناء بورتسودان الجنوبي.. وهذا الأمر ليس لعباً؛ إنما هي قضية تمس رئة الوطن و(النفس الطالع والنازل) للاقتصاد السوداني..! ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن هذا المرفق الذي تم تعريضه للبيع أو الإيجار الطويل لشركة أجنبية..هو من المرافق العامة عظيمة الأهمية، بل هو من المرافق السيادية ذات الحساسية العالية التي تتصل بكل ما يدخل البلاد وما يخرج منها من سلع وبشر و(مسموحات وممنوعات)! ثم يمكن الحديث قبل ذلك وبعده عن مصائر العاملين فيه..وقد شاهد الناس (الشبورة) التي أحاطت بهذا التعاقد الغامض، والتضارب حول صحته وشروطه، وما إذا كان عقد بيع أم إيجار أم تشغيل؟! وما طبيعته ومداه الزمني؟ وماذا يحدث خلال مدة الإيجار وما بعدها..؟ وهل هو إيجار معدات أم إيجار أرض أم (مقطوعية عمل)! وما هو نصيب السودان في مقابل نصيب الشركة الأجنبية؟ وما حجم المبلغ الذي دفعته الشركة؟ وهل تصبح الإدارة خالصة للشركة أم يشاركها مرفق حكومي أو جهة أخرى؟ وهل تمت استشارة هيئة الموانئ والوزارة المعنية حول هذا التعاقد؟ وهل تقوم الشركة المذكورة بجلب آليات ووسائل جديدة ولمن تؤول بعد رحيلها؟ وما هي مؤهلات هذه الشركة؟.. وإذا قالوا إنها شركة فلبينية.. فما هو (مدى فلبينيتها)؟ هل هي فلبينية الجنسية أم تتبع للحكومة الفلبينية؟ وهل هي فلبينية بالشراكة أم (بالميلاد)؟! أو ربما هي سودانية الملكية (فلبينية التسجيل)..؟!! ما هو الخلل القائم الذي استدعى الاستعانة بشركة أجنبية؟.. وما هي (القيمة المُضافة) التي ستحدثها الشركة؟ وهل تقيم هذه الشركة المجهولة منفعتها بتشريد العمالة السودانية؟.. فقد تحدثت جهات حكومية عن تعويض العاملين السودانيين وعن استيعابهم في موانئ أخرى!.. كما تحدثت جهات برلمانية ووصفت ما جرى بأنه يأتي في إطار(إعادة هيكلة للموانئ البحرية).. فهل تم إقرار هذه الهيكلة فقط من أجل هذه الشركة الفلبينية؟! ولماذا صمتت اتحادات العمال المركزية (جماعة المنشأة والغندرة) ولم تناصر عمال الميناء.. أم إنها مشغولة بمناصرة المؤتمر الوطني؟ هل تريد بعض الشركات من أجل مصلحتها الخاصة أن تدير نفس العمل الذي كان يقوم به السودانيون بعد أن أوحى لها من أوحى بسهولة (التكويش) على مرافق السودان الرئيسية..؟! كل هذا الغموض يكشف حجم التسيب و(العنقالية) والشفافية الغائبة والستائر المعتمة التي تخفي ما يدور خلفها من حركة وشخوص ومصالح..! وقد تصدى للدفاع عن هذا التعاقد وزير النقل الأخير (وهو صاحب تحدي غياب الصفوف عدا صف أداء الصلوات) وحاول أن يدافع عن العقد الموقع مع الشركة فأضاف غموضاً جديداً وكان دفاعه عن نوايا الشركة الأجنبية أوضح من دفاعه عن هذا المرفق الوطني والمصلحة العامة .... وربما كان هذا الوزير آخر من يعلم وآخر من يُستشار حول العقود الخاصة بالنقل والمواصلات وبشؤون الوزارة التي كان يتقلدها.... فهو (وزير كوتة) لا وزير قرار... وقد اتضح أن كلامه (غير مأخوذ به) حيث صدرت من جهات أعلى منه تصريحات تدعو إلى تجميد ومراجعة الاتفاق على العقد.. بعد أن فاحت حوله وحول رصيف البحر وساحات الميناء (رائحة السمك النافق)..! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.