ينتابني شعور الثائر علي نفسه فأنا من جيلٍ ينبغي أن تستهدفه ثورة الشباب بالتغيير قبل كل شيء فإعمال العقل عند جيلنا منذ النشاة لم يكن فريضة إنما الفريضة هي التلقي والتنوير ، ولذلك جاءت افكارنا السياسية وأحزابنا التنظيمية من واقعٍ آخر لا علاقة لنا به البتة ، بل ربما لا تتفق مع أعرافنا وتقاليدنا وهكذا تربينا في تنظيمات اليسار واليمين فوجدنا مقولة المعرفة قدر الحاجة ، ولم يشغلني كثيراً عندئذٍ فكر ومقتل الأستاذ محمود محمد طه فقد عرفته من خلال أقلام أخري كفّرته وقتلته بنصوصٍ قرآنية هي الأخري لم تكن معرفتها وتأويلها بالنسبة لنا نتاج عقل وفكر إنما ورثناها أباً عن جد ، فمحمود محمد طه الذي عرفته اليوم وبصرف النظر عن صحة فكرته أو خطئها ليس هو محمود محمد طه الذي عرفته بالأمس فمحمود الأمس عندي قُتِلِ لأنه كافر زنديق ومحمود اليوم قُتِلِ لأنه أتخذ من فريضة التفكير وإعمال العقل منهجاً لمعرفة نفسه والواقع الذي يعيش فيه ويدرك بهذه الفريضة معني خلافته التي كرمه الله بها 0 ولذلك أقول لأبنائي الثوار ولكي نتجنب الظلم و تستقيم الحياة يجب ألّا نُقصي الفكر ولا نُضيق عليه مهما كان خطأه وخطله ، وليكن الفيصل بينك وبين مخالفك في الرأي مساحة الحرية التي هي بينكما ، فلا تفرض عليه فكرك مهما كانت قدسيته عندك ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ولا تلزمه به كمعتقد وسياسة مهما كانت قوتك وجبروتك طالما أنه التزم بأعراف المجتمع الذي يعيش فيه ، فإذا كان شرب ( المريسة ) عند بعض المجتمعات عُرفاً وغذاءً ومتعةً وبهجةً متفق عليها فما علينا إلّا أن نعترف بهذا الواقع ( أرجو ملاحظة أن كلمة نعترف هي من أصل كلمة العرف ) واذا كان هنالك ضرراً يصيب الناس من جراء شربهم لها فالنصيحة بالتي هي أحسن ، والقول المعروف واللين ( أيضاً مع ملاحظة ان القول المعروف من جنس العرف ) لعلهم ينتهوا كما انتهي صحابة رسولنا الكريم وفي تقديري ولكي تتسق ثورة الشباب مع أهدافها العليا وشعاراتها ومايطلبه السودانيون ، فعليها إبتداءً خلق مناخٍ عفوٍ ضد الخوف والجوع والظلم ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) 0 لم يكن أبو سفيان بمقاييس الحق يستحق ان يُقيّمه الرسول بهذا القدر عندما فُتحت مكة وبعد إذاعة بيانه الأول : من دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن ومن دخل الكعبة فهو آمن وبهذا البيان قد أسس ( ص ) قيم الحرية والسلام والعدالة لكل الناس بما فيهم أبي سفيان الذي ناصب الرسول ( ص ) العداء قبل الفتح 0 أبو سفيان في هذا المقام ليس شخصاً إنما هو حالة كانت وستظل ، والذي يبحث عن الحرية والعدالة والسلام لنفسه لا يأبي ذلك لغيره من الناس ، بل وفينا من مات دون هذه القيم ليحيا بها الآخرون ، واتمني من كل قلبي أن نمد هؤلاء الشباب بما عندنا من حكمة وموعظة حسنة ، وليت الحكومة والمعارضة أتخذتا من شعار من دخل بيته فهو آمن 0 والله من وراء القصد وهادي السبيل 0 مبارك الكوده امدرمان الثورة الحارة ( 20 ) 18 / مارس / 2019