الآن بعد (فوات الفوات) أصبح أعضاء المجلس الوطني يتحدثون عن ملاحقة الفساد والسؤال عن (إقرارات الذمة)..إنهم يبحثون في أدراجهم عن قانون (من أين لك هذا) بعد أن أصبحت البلاد قاعاً صفصفاً وصعيداً جُرُزا و(صفوان عليه تراب)..! يحدث هذا مع توالي التعيينات الوزارية التي لا يبدو أن لها حداً تقف فيه، وقد احتشدت (بالكفاءات النادرة).. ومن بين هؤلاء من كان آخر نشاط معروف له أنه (متعهد حفلات) ويذكر الناس استقدامه لمغنيات من الجارة أثيوبيا ولا زال صدى المناكفات والشبهات يحوم بينه وبين بعض منافسيه في إدعاءات حول إقامة ميادين عشوائية لكرة القدم بالأحياء، الأمر الذي جعله (يزور الحبس) وبقية القصة معروفة..! الآن هو وزير الشباب والرياضة في السودان..! وخبرته في الشباب والرياضة (هي ما ذكرنا أعلاه)..! فيا ترى ما هي الكفاءة المطلوبة لتقليد شخص ما وزارة للشباب الذي هو مستقبل ما جملته 60% من سكان السودان!.. الشباب السوداني الذي أغلقت المنافذ في وجهه بكل يحمل من أحلام وآمال.. والذي يتطلع للعلم والمعارف الحديثة ويريد أن يجد مكانه تحت الشمس ليطلق العنان لإبداعاته الخلاقة وطاقاته الكامنة ..والآن أوكل أمر إدارة شؤونه لهذا الوزير..وزير الأجيال الجديدة التي تشرئب للعلم والانجاز وتتطلع لتوظيف طاقاتها من أجل إعمار بلادها.. هكذا ينتهي الأمر بتعيين وزير للشباب السوداني بهذه (القامة القصيرة)..! وكذلك الحال في وزارة الثقافة...الثقافة بكل ما تعني..الثقافة إكسير الأمم للنهوض ومعبرها للتنمية والعمران وبناء الوجدان في بلد مثل السودان بتعدديته البهية وفنونه وآدابه وتراثه وميراثه وتطلعاته ومستقبله.. فأنظر من جاء (أو من جاءت) إلى وزارة من هذا العيار الثقيل.. وأضرب كفاً بكف!..هل بلغ الأمر هذا المبلغ من الاستهزاء بالبلاد ومَنْ عليها..!! أما حكاية المجلس الوطني وبرلمانات الولايات التي أصبح عدد نوابها والإضافات التي تترى عليها مما يحتاج إلى نصف الميزانية الشحيحة المتعثرة ...فما هو الجدوى من مثل هذه البرلمانات التي لن يشعر بغيابها أحد، ونحن على يقين بأنها إذا غابت سيظل السودان على موقعه من الكرة الأرضية بين الجنوب والشرق والشمال الإفريقي وعلى ساحل البحر الأحمر ولن تصيبه ظاهرة (زحزحة القارات)! فمن يجادل في عدم جدواها بداية من معني الإنابة والتمثيل الشعبي، وإلى معاني الرقابة على الحكومة.. إلى الوظيفة التشريعية، إلى المثلث الذهب الذي تقوم عليه نظرية فصل السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية! وإذا كان هذا هو حال الأعداد الغفيرة من عضوية هذه البرلمانات في المركز والولايات فستعلم ما ينوء به الاقتصاد والمال العام من حمولة..دع عنك عدد رؤوس اللجان ونوابهم ومخصصاتهم التي تطابق أو تقارب مخصصات الوزراء..! هذا عدا مصروفات اللجان والسيارات والبدلات و(أكياس الدجاج) والتسهيلات والأسفار والسلفيات والضمانات والحصانات والإجازات.. وستعلم حينها سعة (النفاج العريض) المؤدي إلى الاختناق الاقتصادي..! وإذا كانت هناك بعض المؤسسات الايرادية التي يمكن (نظرياً) أن تجلب بعض المال للخزينة العامة- وهذه نفسها أصبحت في خبر كان المُقدّم - فإن مثل هذه البرلمانات هي من المؤسسات التي تنكل بالمال العام وتقطع شأفته..! ومن المعلوم أن البرلمانات في كل العالم هي من المعالم والمؤسسات المهمة التي تدفع الدول مرتباتها ومخصصاتها (بطيب خاطر) لأنها تمثل ركناً ركيناً في النظام السياسي؛ فهي تسن التشريعات التي تواكب تطور المجتمعات وقضاياها المُستجِدة، وهي التي تراقب الجهاز التنفيذي وتلاحق الخلل والفساد وتحمي حقوق المواطنين..ولكن الأمر عندنا ليس كذلك؛ فحن لدينا عقيدة سياسية مخالفة تقوم على التوالي و(النظام الخالف) والتمكين لنصرة الدين وإجازة برامج (الذكر والذاكرين)..! فالنائب لابد أن (يمر على المؤتمر الوطني).. والأجهزة العدلية والتنفيذية تفهم معنى ذلك، وعلاقة البرلمان بالمؤتمر الوطني هي علاقة (حبيب القسا شريك الأذي) وفي مثل هذا النظام تصبح مسألة فصل السلطات من دواعي التشرذم و(فرز العيشة) الذي لا معنى له في المسيرة القاصدة التي ليلها كنهارها.. والتي يقود لواءها حزبٌ يجمع كل السلطات ولا مشكلة في ذلك..وضف إلى ذلك مصاريف الكوادر الوظيفية والسكرتارية والمستشارية الصحفية التي أصبحت تتحدث باسم البرلمان ونوابه..وهذه من (مقامات بديع الزمان الهمذاني)..! البرلمانات في الشرق والغرب حيث التشريعات لها إجراءاتها، وملاحقة الفساد لها آلياتها، وتقارير المراجع العام لها نفاذها، وقد ظل البرلمانيون عندنا يفهمون وظيفتهم وفق قواعد المؤتمر الوطني الذي لا يرضي بنشوذ البرلمانيين.. فهو يملك سلطة (الحذف والإضافة).. ولا تقل لي أن أي نائب يذكر أو يتذكّر الدائرة الانتخابية المُفترض أنه يمثلها، أو أنه اجتمع أو رجع إلى أهل دائرته، أو نقل شكاوي أي من المواطنين ممن يصرخون من العطش ويطالبون بالمدارس والمراكز الصحية والخدمات البيطرية..الخ أو أنه (جأر) بحقوقهم في الأرض أو الميادين أو الزراعة والرعي والتعدين أو نظر إلى شكاويهم من استفراد الشركات الأجنبية والحكومية بهم..الخ.. أحد النواب من صنف الذين يقولون أنهم مستقلون دعا في وسائط الإعلام إلى حل رئاسة البرلمان ورؤساء اللجان ونوابهم وإعادة تشكيلهم.. فلم (ينسى نفسه) من استمرار البقاء.. فهو يريد فقط إعادة شكّة اللجان..(عل وعسى).. وهو يقول إن بعض رؤساء اللجان يأتون من أحزاب لا يتجاوز عدد ممثليها عضوين أو ثلاثة..! يا سيدي (الحال من بعضو) وأنت تحتج على مناصب البرلمان لا على وظيفته.. (ولا تثريب عليك) فهكذا يشغل المؤتمر الوطني من يتابعه بالمناصب والوظائف فلا يكاد يرى الدنيا إلا من باب الكراسي والمخصصات..! ولو سمعت برلمانات الدنيا في ضفاف التيمز والسين والدانوب بحكايتكم وأنتم تصفقون وتتصايحون مهللين بقرارات زيادة الأسعار على المواطنين لألقت بنفسها في هذه الأنهار.. وأراحت واستراحت!! ..هذا هو الإفلاس المبين..! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.