ورد في الأخبار أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يبذل جهودا كبيرة لإقناع الإتحاد الأفريقي بتخفيف مطالبته للمجلس العسكري بتسليم السلطة لحكومة مدنية. وقد يستغرب البعض لهذا الموقف المصري الخطير، الذي هو، في أحسن حالاته، يصب في خانة تعطيل الثورة السودانية عن تحقيق أهدافها، وتأييد المجلس العسكري للإلتفاف عليها. فمثر عندها نفوذ قوي وكبير جدا، يؤثر على الكثير من الدول الأفريقية، خاصة وهي تتولى في هذه الدورة رئاسة الإتحاد الأفريقي. ويجب على الثوار الانتباه لخطورة موقفها ضد الثورة، ومواجهتها فورا بقوة، وتحذيرها، ومطالبتها بعدم التدخل في شئون السودان، لأن الشعب السوداني لن ينسى لها هذا الموقف الرديء، والذي سيؤثر سلبا على مستقبل العلاقات، بعد نجاح الثورة وتحول السودان لدولة مدنية ديمقراطية. وأنا قد سبق لي تناول هذه الأسباب التي تجعل مصر لا ترى مصلحتها في نجاح الثورة السودانية، حيث كتبت: (... مصر تحتاج لبقاء نظام البشير حاجة حياة أو موت! (... فقد ظلت مصر طوال تاريخها طامعة في أراضي السودان، ولا تشك مطلقا، في كون أن السودان يمثل حديقتها الخلفية، التي ستتوسع فيها وقت الحاجة، وفي هذا الوقت بالذات، الذي بلغت فيه مشكلة الانفجار السكاني بها أقصى مداها، وقارب تعدادها السكاني أن يبلغ المائة مليون نسمة، ونقصت، في نفس الوقت، رقعتها الزراعية، بحوالي خمس مساحتها، بسبب توغل الدلتا في شمالها، ولم يعد يلوح لها مصدر حل عاجل لاطعام شعبها، وسد فجوات نقص الغذاء، وكفاية حاجتها الملحة، بأسهل وأسرع من التمدد والتوسع، والتوغل في أراضي السودان، الواسعة، والبكر، والخصبة، والمهجورة، لنقص عدد السكان السودانيين بها، خاصة في الإقليم الشمالي! ...)! (... فوجبة الفول، مثلا، التي هي وجبة طعام المصريين الأساسية، يتم استيراد أكثر من 70٪ من مكوناتها الآن، ولو تمكنت مصر من زراعته في أراضي السودان الشمالية الواسعة، والبكر، والمهجورة، يمكننا أن نتصور ما يمكنها من توفيره من العملات الصعبة! فمن غير نظام حكم البشير الذي سيسمح لهم بهذا، خاصة بعد أن يصبح مدينا لهم بتثبيت نظامه، وحمايته من السقوط بالتدخل ومعارنته لإفشال هذه الانتفاضة؟! (... لم يتبق بين مصر ويين بلوغ هذا الحل لمشكلتها إلا زمنا وجيزا، يكتمل فيه انهيار، وضعف تماسك الدولة السودانية، وضعف قبضة وسيطرة الحكومة في السودان، فقد أصبح قاب قوسين أو أدنى! فكيف سيتسنى لنا نحن، الآن، أن نقنع مصر بأن مصلحتها في نهضة السودان، ليصبح قويا، وصامدا، وناجحا في حماية حدوده وأراضيه، وفي أن يحول بينها وبين بلوغها الهدف، وقادرا على كبح جماح، واحتواء أطماعها التاريخية في السودان، ويضطرها الى التخلي عن أحلامها بحل مشاكلها على حساب السودان؟! (... ثم إن حكومة مصر، العسكرية الديكتاتورية، والتي تحكم سيطرتها على شعبها بالقبضة الامنية، ولا تؤمن بالديمقراطية، ولا تعرفها، عبر تاريخها القديم، والحديث، لا قيادة ولا شعب، تعلم بأن مصلحة نظامها، العسكري، لا تكمن في نجاح الشعب السوداني في إقامة نظام ديمقراطي ناجح، وكامل الدسم، تحكمه حكومة قوية، ذات إرادة حرة، ومستقلة عن دائرة نفوذها، ستسعى غالبا، وبالضرورة، أول ما تسعى، لاسترداد حلايب، وكل المسلوب من أراضيها، واستعادة حصتها المائية الكاملة من مصر، والتمتع بإرادتها الحرة، وحقها في التعاون مع جارتها إثيوبيا، بما يحقق مصالحهما الاثنين، وتأييدها، مثلا، لإقامة سد النهضة، أو توقيعها على اتفاقية عنتيبي، وكلها تطورات ستكون خصما على حساب المصالح المصرية، التي كثيرا ما تتقاطع مع المصالح السودانية؟! (... وماذا عن احتمالات فقدان مصر للعملات الصعبة التي تصب على اقتصادها من السودانيين، وتضطرد زائدة كلما زادت الأحوال سوءا في السودان؟! إن السودانيين اليوم، وكما ظلوا منذ مجيء وبداية دمار الانقاذ للسودان، بهربون إلى مصر، ويرفدون الاقتصاد المصري بعدة مليارات من الدولارات كل سنة. (... هذه هي البلايين التي لم تصدر بها أي إحصاءات مصرية رسمية توضح قدرها، وغالبا لا يعرف حجمها الكبير غير القيادة المصرية، والمخابرات، والخزانة المصرية. ولكن يمكننا أن نتصور ونقدر ما يرفد به السودانيون الاقتصاد المصري، وتقدير حجم ما يحولونه، من عملات صعبة، ويصرفونه في مصر، حيث يقدر عدد من ارتحلوا للإقامة الدائمة فيها بأكثر من ثلاثة ملايين سوداني، ويقدر عدد من اشترى شققا ومساكن منهم بأكثر من ستمائة ألفا، على أيسر التقديرات، ويزور مصر سنويا، غير هؤلاء المقيمين، ملايين السودانيين، والمقتدرين خاصة، للتعليم، وللعلاج، وللزيارات السياحية، لقضاء شهور العسل، ومقابلة أبنائهم المغتربين..). بدر موسى عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.