*اسئلة العقل*: السؤال الجوهري و الذي يجب طرحه هنا هو، لماذا صعد الأخوان المسلمون للسلطة ابتداءا؟ و هل قرأوا تواريخ السلطة في الأسلام قبل انقلابهم عليها ؟ و هل كان عقلهم الأيدولوجي و السياسي حاضرا عندما اختاروا عمر البشير ليكون رئيسا للبلاد؟ ماذا استفاد الأخوان المسلمون من حكمهم للسودان عبر هذه السنوات؟هذه الأسئلة و غيرها تتعاظم بعد ان ثار الشعب السوداني علي مشروع الأخوان المسلمين و تم اسقاطه عمليا، و سيحاول هذا المقال و بشكل علمي مناقشة هذه الأسئلة و تفكيك طبيعة هذا التفكير الذي صعد الي السلطة و سقط دونها، دون أن يمتلك الأجابة علي سؤال، لماذا صعد الي السلطة. *سؤال الدين*: هل بالفعل و كما يقول الحديث( ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، و هل هذه هي القاعدة التي استند اليها الأخوان في السودان من اجل استلام السلطة؟ *الوعي الغائب لدي الأخوان المسلمين* عند الأخوان المسلمين و ضمن تنظيراتهم المتعالية والتي تتصل بأبعاد ذات خطاب هتافي، بأن هنالك اشياء يسعون للوصول اليها ضمن رؤي غير مؤسسة علي تفكير عقلاني، و منها تطبيق الدين الصحيح في الأرض و أقامة شرع الله، دون الأجابة المسبقة عن الكيفية والقدرة علي امتلاك التصورات الصحيحة للوصول الي ذلك. و قد ذهبت بعض التنظيمات التي تناسلت عنهم الي ان تتحدث عن الفريضة الغائبة و التي تعني الجهاد، و لكنهم و عبر تاريخيهم لم يتحدثوا عن الوعي الغائب في طبيعة مقاربتهم للواقع و فهمه، و هذا ما ادي الي فكرة التدمير الذاتي و التي تطورت الي ان تصبح حالة تتصل بتدمير الأوطان. و يري البعض بأن التدمير الذاتي هو السلوك الذي نقوم به بدون وعي و الذي يحد من قدراتنا علي التقدم في الحياة و علي تحقيق اهدافنا، و هنالك نمطين من التدمير الذاتي و هما السلوكي والتفكيري( راجع موقع شوف). و ما يعنينا هنا هو الجانب التفكيري لدي الأخوان المسلمين في السودان و الذي جعلنا نطرح الأسئلة التي وردت في صدر هذا المقال. فصعود الأخوان المسلمين للسلطة و كنتيجة، فقد أدي الي تدمير التنظيم و من بعده الي تدمير الدولة و انشطارها، و الأهم فأن هذا التنظيم قد ثارت ضده الجماهير عبر ثورة عميقة طرحت شعارات متعددة يتمحور شعار ( كل كوز ندوسو دوس) في الدائرة الأهم. و هو شعار ذات دلالات متعددة يشيرالي قبر مشروع الأسلاميين لدي النفسية الشعبية،و الاقلال من قيمة الأخوان المسلمين لدي الناس العاديين للدرجة التي يسقط فيها اعضاء هذا التنظيم ليصبحوا بلا قيمة لدي العامة من الناس، و هذا بعد تتجنبه اية قوي سياسية تتمتع و لو بوعي نسبي و عبر العلاقة مع الجماهير. و لكن مجمل المشهد يشير الي حقيقة ان الأخوان المسلمين في السودان ينعدم لديهم الوعي الذي يستطيعون من خلاله مقاربة الواقع وفهمه و التجديف خارج المنظومة السياسية و الفكرية التي تدرك الواقع الذي تتحرك فيه. لماذا يحدث هذا لأية قوي تسعي لتغيير الواقع؟ الجواب يكمن في الآتي: *اولا*: يحدث هذا لأن الأحتكام للعقلانية يبدو غائبا لدي جماعة الأخوان المسلمين في السودان، و سبب غياب العقلانية يعود الي الرؤية المتعالية و التي تستمد رؤاها عبر المسلمات الدينية و عدم وضع اعتبار للمتغيرات التي حدثت في تواريخ البشرية، و يقود هذا الي عدم القدرة علي التطوير والتطور نتيجة لاهمال المناهج الحديثة، و احلالها بالشعارات الدينية، و بالتالي الأغتراب عن قضايا الجماهير و عن الواقع نفسه. و هذا ما أدي الي تجاهلهم للواقع الديمقراطي عبر الديمقراطية الثالثة و انتزاع السلطة بالقوة، و ليدخلوا اليها عبر شعار الجهاد و امريكا و روسيا قد دنا عذابهما و ثقافة التمكين، ليقود كل ذلك الي فساد الرؤية و تحلل المشروع و فساد أصحابه و بالشكل الذي دعا الشعب السوداني ان يقول (سلمية و ضد الحرامية) وهذا اسوأ وصف لحركة سياسية تطرح الدين شعارا و تحاكم به الآخرين، و يعود كل ذلك لأنعدام العقلانية و احلالها بالعقل المستقيل و الذي ( هو ذلك العقل الذي لا يسعي لاتعاب نفسه في القضايا الكبري، ولا يحاول أختراق المسلمات التي يستدعي اختراقها سلسلة من النتائج المضنية فكريا لاقامة بدائل معرفية عنها. و هو يتجلي احيانا في الركون الي المقولات التي تعتمد علي عقول الآخرين في عصور ماضية( راجع حيدر حب الله في موقع حب الله) *ثانيا*: الحركة الأسلامية السودانية لم تستطع ان تطور فكرا يستطيع مقاربة الأشكالات السودانية و اعتمدث علي تنظيرات الترابي برموزها المبهمة، بالرغم من مسحة التطوير التي ينادي بها، و أصبح الترابي هو شيخ الطريقة و المفتي للحركة و اصبح اعضاء الحركة يدورون في فلك الترابي بالشكل الذي حولهم الي تلاميذ في معية الشيخ و جمد طريقة تفكيرهم. وضمن هذا الواقع الأخواني ، فقد لا يبدو غريبا عندما نسمع شخص مثل حسين خوجلي يقول بأن ما يؤهل البشير لقيادة السودان هي المتلازمات الثلاث وهي ( جياشي، جبهة، جعلي). و عند تفكيك هذا التفكير لدي شخص يعتبره الأسلاميون (فيلسوفا) يتضح الي اي مدي تتجه طريقة الأسلاميين في التفكير. ما طرحه حسين خوجلي بكونها مؤهلات للقيادة، قال عنها المفكر محمد عابد الجابري بأنها هي المتلازمات التي تؤدي الي تدمير الأوطان في الواقع العربي. و حسب رؤيته اي محمد عابد الجابري، فان هذه المتلازمات ترتبط بتزاوج العقيدة (الأيدولوجية الدينية) مع القبيلة و يكون الناتج هو الغنيمة، و يمكن ان نضيف اليها الجيش عندما يتدخل في السياسية، وهذا هو مكمن الخطر و الذي يؤدي الي تدمير الأوطان،و الشواهد عديدة لخصتها تجربة الأخوان في السودان عندما وظفوا الأيدولوجية الدينية والقبيلة من اجل الغنيمة، و نهبوا عبر ذلك خيرات البلد كافة. و لكن ضمن حالة ضمور العقل يري البعض من الأخوان المسلمين بان تداخل القبيلة مع العقيدة والعسكر هي مميزات لحكم بلد كالسودان، و بالفعل فقد ادت هذه المتلازمات التي قال بها حسين خوجلي الي تدمير الوطن و الي سقوط البشير نفسه ، و المؤشر الأساسي يرتبط بعدم قدرة الأخوان المسلمين علي قراءة الواقع نتيجة لسيادة العقل المستقيل و المذكور سابقا، و نتيجة لثقافة التدمير الذاتي والتي يؤدي اليها كساح العقل و تجمده. ولهذا و علي مستوي الفلسفة الدينية فان فكر الأخوان المسلمين لم يتجاوز مستوي الحديث الذي اوردته في سؤال الدين و هو القائل( ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) و هذا هو التراث الذي يستند اليه الأخوان و هو التراث الذي صاغه فقهاء السلطان من اجل تغييب اساس الوعي بالقضايا الجوهرية لمصلحة السلطة و حتي لو تمت التضحية بالقرآن نفسه و هذا هو وعي الضرورة. *ثالثا*: لقد ادت الحالة المتعلقة بتدمير الذات و المرتبطة بعدم الوعي بالذات نفسها او تضخمها نتيجة للفكر الديني المتعالي الي الصعود الي السلطة و دون امكانية فهم المآلات التي يمكن ان تؤدي اليها السلطة، و عبر هذا السياق تم تدمير التنظيم نفسه عبر الفعل الذاتي نتيجة لغياب التفكير العقلاني، و لكن مع هذا التدمير الذاتي تم تدمير الوطن وضرب البنيات التحتية اولا، و معها تم ضرب البنيات الفوقية و كان حصاد الأخوان المسلمين في السودان( تسقط بس و كل كوز ندوسو دوس) و هذه هي بئس المآلات. *خاتمة*: لقد طرح الأديب الراحل الطيب صالح و في بداية حكم الأسلاميين اسئلة قال فيها (من أين جاء هؤلاء؟ اما أرضعتهم الأمات و العمات و الخالات؟ أما أصغوا الي الريح تهب من الشمال والجنوب؟ أما رأوا بروق الصعيد تشيل و تحط؟ أما شافوا القمح ينمو في الحقول و سبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟ أما سمعوا مدائح حاج الماحي و ود سعد و أغاني سرور و خليل فرح و حسن عطية و الكابلي والمصطفي؟) هذه الأسئلة هي اسئلة الحيرة و لكن اجابتها تكمن في الرؤية المسافرة والتي جسدها الأخوان في السودان، فهم موجودون بيننا لكنهم جاءوا عقليا من عصور الأنحطاط و التخلف، والمنتزع في هذا الصياغ ليس وجود الأنسان الفيزيائي بل وجوده العقلي الواعي، و عندما يتم انتزاع الوعي نتيجة للتفكير الخطأ تصبح امكانية التدمير اوسع و هذا ما حصده السودان عبر حكم هؤلاء. و السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل انتهي عهد هذا التفكير؟ و الأجابة بالقطع لا، فهم يحاولون العودة و بطرق مختلفة و يشتغلون لقطع ثورة الشعب السوداني عبر الألتفاف السلوكي، و من هنا فلابد ان يكون وعينا متقدما لقطع الطريق امام قوي الردة، لأن مرحلتهم القادمة اذا اتيحت لهم الفرصة ستكون افناء الذات ضمن الوعي السلوكي، بدلا من تدميرها و معها افناء الوطن وهذا لن يحدث لان وعي السودانيين تجاوز وعي القلة المنتحرة سياسيا و أخلاقيا نحو وعي الغالبية المنتصرة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.