عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. - الليلة حُوبات الدفاتر القديمة! هكذا همستُ لنفسي، و أنا أراجع قائمة: مِمَن؟ يُمكن أن أسترد بعضَ الدُّيون، لتُقيني شرَّ صرفِ العيد الخُرافي. وجالت بخاطري أسماءٌ رئيسيةٌ واعدة، وأُخري لا يُعوَّل عليها: - حَسَنْ؟ لا... فقد مَاتَ الرجلُ دُونما يترك وريث أو وصية لسداد ديونه، فحلت الفاقة وساد الفقر بين الجميع! وسرحتُ مرةً أُخرى مع الدَّفاتِر، أقلِّبْ فيها و أنقِّبْ... - عُمر؟ أنهُ الآن في غرفة الإنعاش، ولن يلتفت لي أبناؤه، ولن يأبهوا، ولا يصحُّ في مثلِ ظروفهم هذه أن أطالبهم بدُريهماتٍ تقيني شُرور الإستدانة وشلهتةَ العيد، وأفضل أن أعدِّي العيد خَنِق، ولا أن أُطالب رجلاً على شفا حُفرةٍ من الموت أو أبناءه، معليش!... يِمْكِن بعدين، بعد حصر التركة ألقى طريقة... وقلت بصوت عالٍ وأنا أحادث نفسي: - لكن الآن، لأ! واستمرَّ العرضُ: - طيب، نشُوف حاج علي؟ ووجدت نفسي حائرا بين عليٍ وعلي... بأيهما أبدأ... بيد أني أجلت مطالبتي للعليين معاً، لأن الرجلين مراوغين، وثعالب لا يُجدي معها اظهارُ الصَرْمَة والمُطالبةُ تحت نير القهر و الحاجة، وقلت لنفسي مرةً أخرى: - لأ، ديل دايرين مَهَلة، ديل ح يتلوْلوُا وما ح يدفعُوا قبايل عيد! وفرغت جُعبتي إلا من حاج (بُرهان)، الذي عاني من الفقر والذل والمسغبات في زمنٍ غابِر، ولكن، أخبرتني زوجتِي (فاطمة) أن: - الأمُور ظبتت معهُ في الآونةِ الأخيرة، وضرَبَت مَعاهُ سلسلةٌ من الصفقات، وأحوالُهُ زهزهت! - إذن بُرهان! وتحمستُ لجَدوى طلبِ مديونياتي من مُستجدِ النعمة وحديثِ العهدِ بمجالس الأكابر(حَاج بُرهان)، وقررتُ أنه هو الأنسب، قبايل العيد، لأطلب منه مديونياتي السابقة، التي استدانها على أقساطٍ مريحة، تمدَّدت على رقعةٍ من الزمن مقدارهُ ثلاثون عاماً، عندما كان مُعدماً ضئيلَ الشأن، يَأكُلَ الطعامَ ويَمشِي بين الناسِ فِي الأسواق... ولأن الرجل كان لا يخلو من مُراوغةٍ وعُرف عنه التهوُّر وسُرعة الغضب، فقد إصطحبتُ معي الناظر ورئيس الجمعية التعاونيَّة وإثنين من مُوظفي المجلس البلدي ليكُونوا شُهوداً على رفضهِ، إِن هُوَ: رَفَضَ أنْ يرُدَّ المالَ لأهلهِ! فتحت الباب إمرأة جميلة، ويبدو إن ذلك كان صدفة وفقط بسبب قربها من الباب حين طرقناه، وليس ضمن مهامها البيتية، التي كان يحد منها ويقللها في الغالب: جمالها الأخاذ. يبدو أنها كانت من ضمن نعم بُرهان المستحدثة، أو هكذا يجب أن تكون. ومع إن فتحها الباب كان فال خير، إلا إن كلاباً كانت تربض في الحديقة زمجرت بوجهنا دون أن تتحرك من مراقدها في النجيلة وحولها... ولم تصمت تلك الكلاب إلا بعد أن قدم شاب من الداخل، من الصالون، وكان الشاب صارم القسمات، لامع العينين حي الشعور أسمه حامد، انتهرها فلوت أذيالها وهي تلوذ بالصمت، ولكن حافظت على النظرات الشريرة المستطيرة في عينيها... ولزمت مراقدها. وغابت المرأة، وتقدمنا حامد بخطوات كخطوات التعظيم العسكري نحو الصالون، ثم غاب هنيهةً ليُحضر لنا الماء والعصائر و حلوى الماكنتوش بيديه المعروقتين، في الأثناء التي رحب فيها بنا في الصالون، حمدان، تاجر المواشي، الذي عرفنا بعد لحظات أنه عديل برهان، وشريكه الجديد في التجارة، وجاره في العمارة... وانفرد بنا حمدان، يبدو أنه منع حامد من الجلوس معنا، لأنه أحس بأننا نتأبط مطالب، وأننا أصحاب حقوق، وأننا لا محالة سنمسك بتلابيب عديله (الغايب) بُرهان... ولم يشأ أن يطلع حامد على فحوى المفاوضة... وأبدى الرجل بساطة غير مصطنعة ولكنها لم تكن تتناسب مع العمارة و الأثاثات التي بها من حيثُ الأُبُهةِ و البهرج. ومن حكاياه، مددنا أرجلنا، ولكن تيقنا في نفس الوقت، أننا لابد أن ننتظر ظهور برهان لأن حمدان كان غير مؤهل من حيثُ بساطته وأخذه الأمور على نحو شخصي كما بان من مغامراته في دنيا الإتجار بالبهائم، لسماعنا، وفهم مطالبنا وإيفائها بديلاً لبرهان كشريك له وعديل... بل كان من المؤكد أنه سيصير عقبه أمام اقتناع برهان بإيفاء ديونه لي قبايل العيد... فقد كان الرجل يدعي فراسةً ويؤمن بقدراته المطلقة على السلب بالمغالطة والإنكار... وقد شهد بهذا تاريخه الذي نطق به، هو ذات نفسه، في تلك الجلسة القصيرة... العاصفة. ومع خصاصتي وحاجتي الماسّة لحقوقي، وجدت في حديثه تسلية لا تحدها حدود، فقد كان الرجل من نوع الرجال التي لا تدري، ولا تدري أنها لا تدري... وهكذا أخذ حديثه انتباهنا، وقل وقت الأنتظار... ودقت الساعة...