لا شك أن ثورة ديسمبر اتسمت بالسلمية منذ بدايتها وحتى تتويجها بذهاب البشير ورموز النظام السابق وهذه الثورة السلمية "كفكرة" قامت لأجل أهداف سامية وعظيمة كانت تتجه إليها أنظار الثوار من إقامة دولة توصف بالعدل والنهضة والحريات والسلام السياسي والمجتمعي والآن هب أن هذه الثورة بما كل فيها من مبادئ سامية وأهداف عظيمة اتخذها مجموعة من الناس سلماً يتسلقونه لتحقيق أهدافهم هم فرأيتهم يرفعون شعارات الثورة وينادون بمبادئها حتى إذا نالوا مراميهم تنكروا للثورة وأهدافها وعمدوا إلى كل مبدأ من مبادئ الثورة وعملوا بخلافه تماماً فحققت لهم الثورة ما كانوا يصبون هم إليه وأفشلوها بسوء نواياهم وكان الذي ينبغي أن يكون سبباً في النهضة والحضارة والحريات عاد سبباً للسقوط والتخلف ومزيد من الاستبداد ولكنهم رغم ذلك لم يكفوا عن المناداة بشعارات الثورة التي خالفوها عملاً وتطبيقاً ولم يعودوا إليها إلا في مواطن التعبئة والخطب الجماهيرية. هب كل ذلك قد جرى فهل يقول عاقل أن كل البؤس الذي جرى كان بسبب أهداف الثورة ومبادئها التي نادت بها؟ هل يقبل اليوم ثائر أن يقال إن ثورته السلمية قد فشلت وكان سبب فشلها هو لبها وجوهرها وأفكارها ومبادئها؟ أم يقول أن مبادئ الثورة وأهدافها عند الثوار كانت سليمة لا غبار عليها لكن أولئك الذين تسلقوها قد أساءوا تحقيق شعاراتها وجعلها واقعاً يحياه الناس، فلا يقال أن "فكرة السلام" التي نادت بها الثورة كانت فكرة فاشلة بل يقال أن السلام كان وما يزال هو الحل ولكن الذين رفعوا شعارات السلام فشلوا في تحقيق السلام! أظن أن الفكرة التي أريد تمريرها قد مرَّت! الأفكار والمبادئ لا يقاس صوابها من خطئها وحقها من باطلها بمقياس نتائجها وأشخاصها الذين تبنوها فإن كان الثائر لا يقبل أن يقال مثل ذلك في الثورة فما بال بعض الأقوام قد خدعتهم دعاوى "لا مجال للإسلام لأن الحركة الإسلامية فشلت". كلنا يعلم أن تنظيم الحركة الإسلامية ولد من رحم جماعة الإخوان المسلمين التي عرفت بتبنيها لشعارات الإسلام من أجل السياسة وظهر حينئذ مصطلح "الإسلام السياسي" بسبب جماعة الإخوان المسلمين فأصبح هناك إسلام وإسلام سياسي وصار الأخير منبوذاً بسبب فشل أصحابه الذين رفعوا شعاراته وفشلوا في تحقيق شيء منها والحقيقة أنه لا وجود لمثل هذا التقسيم فالإسلام هو الإسلام، هو دين نظم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بالإنسان ووضع نظماً تنظم حياة الإنسان في المجتمع والاقتصاد والسياسة وغير ذلك ولكننا في زمن القرن الحادي والعشرين ابتلينا بقوم من بني جلدتنا يسعون سعياً حثيثاً لإقصاء وتهميش الإسلام من الدولة متعللين بأن ذلك "إسلام سياسي" وأن هناك أدياناً أخرى عندما تدخلت في الدولة كانت سبباً في تخلفها وأن هناك جماعة من المسلمين أرادوا إدخال الإسلام في السياسة ففشلوا. هذا المنطق السقيم والتسطيح الذي يعامل به الإسلام مدهش أن يصدر ممن يفترض أنهم نخبة المجتمع وصفوة الناس فإن من أبجديات المنطق أنك حينما تريد نقد فكرة ما أو دحضها أن تقرأ عنها بتمحيص وتمعن وتقرأ تاريخها وأسسها والأسباب التي جعلتها تؤول إلى ما آلت إليه حتى تعلم مواضع القصور والنقد فيها ولكن قومنا منهم من لم يزكي نفسه بعلمٍ شرعي ولا أدب ثم يأتي بكل ما أوتي من جرأة ليقول "الإسلام ما بنفع معانا عشان زمان الدين ما نفع في أوربا" أو "الإسلام في السياسة فاشل عشان الحركة الإسلامية فشلت". الإسلام دين نزل بالعبادات كما نزل بكل نظم الحياة الأخرى وإن من السخف أن تحاول هذه النخب إقناعنا أن نقول للإسلام "سمعنا وأطعنا" حينما يقول لنا "صلوا وصوموا وتصدقوا" وحين يقول لنا "أقيموا دولة شكلها كذا وعاقبوا المجرم عقوبة كذا" أن نقول "هي دنيانا نحياها كما نهوى" من بين مساوئ الحركة الإسلامية التي أدت لثورة الناس عليها هي الفساد ومد أيديهم إلى المال العام فهل الإسلام الذي تتبناه الحركة الإسلامية يدعو المسلم حين يكون "سياسياً" أن ينهب مال رعيته ويستأثر به لنفسه وذويه؟ أم هل يأمر الإسلام بالعنصرية والتمييز العرقي الذي كان من جرائم الحركة الإسلامية التي رفعت الإسلام شعاراً. فنقول لأولئك القوم إن كنتم تريدون بعقولكم الجبارة محاكمة الإسلام الذي أنزله الله الذي أودعكم عقولاً فما هكذا تنقد الأفكار ولا بهذه السطحية يُحاكم الإسلام! ونحن نعلم يقيناً أن دولة الإسلام الحقيقية لا تقوم إلا على ركن ركين وأساس متين وهو العقيدة الصافية النقية والتوحيد الخالص من كل الشوائب ولا ندعو الساسة والسلاطين لتطبيق شرع الله قبل أن ندعوهم إلى توحيد المسلمين بعقيدة التوحيد وليست قضيتنا محاكمة الساسة لقوانينهم الوضعية ولكن لا يقبل مسلم أن يعامل إسلامُه بهذا الإقصاء والانتقاص بسبب خطأ وتقصير بعض المسلمين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.