نتواجد في زمن تدور فيه العجلات مسرعة، الكل متعجل وغير متمهل للوصول للمقصد. هنا بعض، وهناك بعض آخر يختلفون. إذا جمعتك الصدفة بإنسان لا يحب الحديث عن الناس عند غيابهم، فأعلم بأنك في حضرة إنسان تقي. وإذا جمعتك الصدفة بإنسان لا يغتب الناس، بل يحرص على أن يذكر محاسنهم عند غيابهم، فتيقن بأنك في حضرة إنسان تقي وورع. أما إذا جمعتك الصدفة بإنسان لا يغتب الناس، يذكر محاسنهم عند غيابهم، يمجد الأموات منهم، ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة من عند ربه، فثق بأنك في حضرة إنسان تقي وورع وصالح. وكم هؤلاء هم قلائل في زمن لقط وقحط، تطيب فيه اللحظات، وتستلذ فيه الجلسات، وتتعالى فيه الضحكات بالحديث عن الآخرين بغيابهم. كيف هو حال هؤلاء الناس من النجاح أو الفشل، وكيف من دون العلم بسبب الأسباب، في حياة هي للكل فانية. الدكتورعبد المنعم عبد المحمود العربي: ليس هو فقط الرحالة الذي يخبرك عن صحاري ووديان ووهاد السودان، بمدنه وبودايه وقراه، بل يذكر لك عن قرب بعض من الأهل. هو الرحالة الذي يوصف لك بدقة بلاد العراق وبلاد الشام وبلاد الخليج العربي وأهلها. هو الطبيب المعالج في مملكة السويد (مستشفيات أوبسالا) والمملكة المتحدة (مستشفيات لندن). يوصف لك معايشا وممتهنا مزاج أهل غرب أوروبا وصفاتهم. ككبير إستشاريي أمراض الكلى والباطنية، يؤدي مهامه اليومية بصمت، يتحرك بين حافتي الحياة والموت، لإنقاذ مرضاه. يعيش مهنته المحببة كطبيب، ويذكر لك عن كثب في مقالاته عميقة الأبعاد، كم هي رحلة الحياة قصيرة، كم من درس يمكن للإنسان أن يأخذه معه يوميا من حواف سرير المريض، وكم من درس يمكن للشخص أن يتلقنه بنعمة الجسم المعافى والبدن الصحيح. إذا كثر الحديث عن هذا الطبيب الإنسان لما كفى، فهو إبن من حاضرة ولاية نهر النيل "مدينة بربر" – نشأ وتشبع بالوطنية الصادقة وبحب الخير للناس جميعا. فهو وكما يذكر في مقالاته التي أعتبرها نفسي مقالات مرجعية لأطفالنا وللأجيال الشابة، أن مدينة بربر هي مثال حي للتعددية العرقية، وكما هو الحال الغالب في معظم مدن السودان الكبيرة. ولنذكر بمجهوداته في نطاق تخصصه: لقد بذل دكتور عبد المنعم جهدا كبيرا في تخفيف معاناة مرضى الفشل الكلوي في السودان – زائرا ومعالجا ومشرفا وناصحا. وللذكر لا للحصر على سبيل المثال، إعداده ونشره (على نفقته الخاصة) لكتيبات تعين المرضى على التعامل مع مرضهم. لا أدري عما إذا كانت تتواجد هذه الكتيبات في المراكز الصحية، أمانعدمت من بعد نشرها وتوزيعها. نأمل أن تكن هذه الكتيبات متوفرة في مراكز الغسيل الكلوي للمرضى. لا ينحصر العطاء للدكتور عبد المنعم في مجال تخصصه فقط، بل له أنامل ولمسات فنان مبدع. له عدد مقدر من اللوحات الفنية الزاهية ، والتي تبرهن لنا بأنه ليس فقط الطبيب المعالج، بل هو أيضا الإنسان الذي يلتمس إحساس المريض في الفنون. لوحات ربما تذوقها وشهد لها المرحوم البروفيسور شبرين. أعمال تم عرضها في منتدى شبرين بضاحية الرياض، ووثقت له سبل الإعلام أثناء رحلات دكتور عبد المنعم القصيرة للبلاد. هذا الجمع النادر بين الطب والفنون شيء لا يستهان به، وليس هذا بشيء غريب على أطباء السودان. لقد أسس لهذا من قبل المرحوم البروفيسور التجاني الماحي، في وقت كانت تغط فيه كثير الدول في نوم عميق. عالم الطب، الذي جمع بين العلوم والموسيقى والرسم، وتعلم اللغات – الهيروغلفية مثالا. الشيء الذي حظينا بتلقيه عن عالم السودان الكبير في مدارس الزمن الجميل. يلزمني هنا أن أشكر الدكتور عبد المنعم على مداخلته الرقيقة والقيمة في مقال سابق لي بعنوان "بعيدا عن السياسة – ولكن مهنيا" نشر من قبل على صفحات سودانايل. هنا يبرهن لي دكتور عبد المنعم، وكما عهدت منه دوما، خصوصا متابعته لمقالاتي المتواضعة في نطاق التوعية الصحية، بل متابعته الدقيقة للأحداث في البلاد، ولما يكتب من مقالات، تلعب دور هام في راحة المواطن والنهوض بالبلاد وسبل تقدمها. وهذا على الرغم من مشغولياته المهنية الكثيرة. هنا يأتي رأيه واضحا فيما ورد من مقال. يبدأ لنا بمرامي المهنية من نطق وممارسة، يعرف لنا المهنية ومستلزماتها، يدعمها بالمراجع اللازمة، ويضرب لنا مثلا حيا في تطبيقها على نطاق الحقل الطبي (الضوابط والمعايير من تعليم وتدريب وتنظيم وممارسة ومراجعة دورية، من أجل ضمان سلامة الجودة والتطبيق في المهنة). إقتباس من مقال دكتور عبد المنعم: "أقترح هنا مراجعة كل ما يكتب قبل اعتماده للنشر مثل الشعارات ولافتات المؤسسات والمحلات التجارية والسياحية والحكومية وما يعرض على شاشات التلفزة كما على كل الخلاوي والمدارس والجامعات ووزارة التربية والتعليم ووسائل الإعلام شن حرب على تفشي أخطائنا اللغوية عربية أو إنجليزية والعمل على علاجها منذ تعليم الأطفال المواليد نطق الحروف والكلمات ومن بعد فى المدارس، وقديماً قيل لنا: (التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر)". مداخلة أخيرة: أوافق رأي الدكتور عبد المنعم فيما أقترح: أولا: كل شيء يبدأ بالنطق، ثم تتلوه التسمية. وكثيرا ما يستهان بالتسمية، ولكنها هي سلاح ذو حدين. نجد الإستهوان المبكر بالتسمية في أسماء المواليد - سواء كانت أسماء قديمة أو أسماء حديثة. فهناك من يجري التجارب في تسمية طفله أو أطفاله (أغلى ما يملك). وتكن النتيجة الحتمية معاناة الطفل منذ الصغر من جراء أسمه. الشيء الذي يجبر بعضهم على تغييره لاحقا، ومنهم من يعيش به منكد النفس ومكدر العيش طول حياته، خصوصا منهم البنات. ومن يفلح في تسميته لأطفاله بأسماء جميلة، يفلح أيضا بدوره في جلب السعادة عن طريقها لأنفسهم. فكثير ما يباهي الأطفال، ومن دون مبالغة بجمال معاني أسماءهم، والبعض يحكي قصص شيقة عنها. ثانيا: للتسمية دور مهم في العرض والتسويق، فاللافتة الجميلة تأثير ايجابي على النفس، وتقود لطرق أبواب المحلات التجارية والأسواق والمؤسسات. كما لها دور فعال في النهوض بالسياحة القومية، وجلب السياح للبلاد. ولننظر إلى لافتاتنا، سواء كانت في رياض الأطفال أو المدارس أو الجامعات أو المستشفيات أو المطارات أو المتاحف أو الوزارات. ولنسأل أنفسنا بصدق: هل هي فعلا لافتات مواتية لتقديم الدعوة للسياح والزوار لكي يأتوا لنا، أم هي لافتات تدخل الرعب والخوف في النفوس، وتدعو للانصراف والنفور إن وجدت؟ حينها يعرض علينا أكثر من سؤال تصعب الإجابة عليه. ثالثا: إذا تمعنا النظر في عالم اليوم، فهو عالم الجودة العالية، والعرض الجيد. نجد في نفس الحين صارت رائدة في الجودة والعرض معا. ونجد بلدان بدأت حديثا، تطورت في العرض لتجعل من السياحة مصدر دخل مضمون لها ولأهلها. على سبيل المثال أهل سلطنة عمان. هنا يحرص أهل سلطنة عمان على كتابة اللافتات أي كانت باللغتين العربية والإنجليزية. وكما هو الحال في تونس الخضراء، التي يحرص أهلها على التسمية في المؤسسات بثلاثة لغات: العربية، والفرنسية، والإنجليزية. وهذا ليس تواضعا منهم، أو انبطاح لغيرهم، بل هو سبيل لتعريف السياح والزوار بما يملكون من موقع أو منتج سياحي، ولتسويقهم للموقع والمنتجات سياحيا. رابعا: دعونا في البداية نبدأ بتحسين أسماء بعض مناطقنا أو أحياءنا التي جارت عليها وعلى أهلها التسميات "الشينة"، ومن ثم تتلوها شن حملة الإصلاح على اللافتات. فهناك حقيقة من الأسماء التي يستحسن عدمها. ولننسى السياحة والتسويق ككل، فما هو هذا التنوع اللغوي والتحري في التسمية، إلا تدريب عملي لأطفالنا، ولحثهم على الإلمام بأكبر قدر ممكن من المفردات والحصيلة اللغوية منذ الصغر. لقد كانت تقاس ثقافة الفرد قبل سنوات بعدد الصحف والمجلات والكتب التي يقرأها باللغة الأم. والآن تقاس ثقافة الفرد بعدد اللغات التي يتحدثها أويستخدمها الفرد لإنتقاء المعلومة المفيدة. E-Mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. رابط لمقال الدكتور عبد المنعم عبد المحمود العربي، ذو الصلة بهذا المقال: هل يعجبك اسمك؟ .. بقلم: د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربي - لندن هل يعجبك اسمك؟ .. بقلم: د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربي - لندن الجمع بين الطب والفنون: https://www.youtube.com/watch?v=nc8ZDsAoX2o عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.