عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. نبارك لشعبنا التوقيع الذي تم اليوم - بالأحرف الأولى - على الإعلان الدستوري الذي سيحكم الفترة الإنتقالية، الا ان الواجب يُحتِّمُ علينا - كقوى أنجزت هذا التغيير الثوري المهم - ان نكون متجاوزين: بمعنى ان ننصرف عما تحقق لنحلم بما لم يتحقق بعد.. " التَحضُّرْ" و " التَمَدُنْ" - في العربية - مفهومين متباينين، كثيرا ما يتم الخلط بينهما، فحين ان " التَمَدُنْ" لا يعدو القدرة علي استخدام تكنولوجيا اليوم، فإن التحضر هو "ذهنية" محددة و "منهج" تفكير وقناعات مع ما يستتبعه ذلك من تصرفات وممارسات على المُستويينْ الشخصي والعام... ليس كل متمدن هو متحضر بالضرورة، وأيضاً فإن العكس ليس بصحيح... فإنك إنْ اتيت بِبدَويٍ من صحارى الخليج والبسته " شِماغ البَسَّام"، ووفرت له سيارة، هاتف ذكي، مكيف هواء.. الخ فقد يصبح "متمدناً"، ولكن نمط تفكيره وتصرفاته وقناعاته سوف تبقى معاكسة ومخالفة لأبسط معايير "التحضر". وبسبب هذا فهو سيعاني طول الوقت من قصور واضح يجعله عُنصُراً غير فاعِلٍ في السياق الحضاري الإنساني العام ومجرد مستهلك لا يضيف شيئا إلى حضارة البشر.. A civil state versus a civilized one ساستفيد مؤقتا من التطابق بين مفردتي "التحضر" و "التمدن" في الإنجليزية لكي انادي بالانتقال من شعار الدولة المدنية إلى شعار الدولة المتمدنة..فالدولة تكتسب مدنيتها من وجهين: فلا هي بوليسية قمعية محكومة بالعسكر، ولا هي ثيوقراطية يتحكم فيها رجال الدين.. هي دولة تقوم على المواطنة والمؤسسات وسلطة القانون.. هذه الدولة هي قيد التحقق في السودان الان.. اما جهادنا الأكبر الدولة المتمدنة التي سَنُدوِّن تباعا بعض الأفكار بِشأنِها ، فمتطلباتها عديدة، فإن أَرِدناها تَوَجَّبَ علينا مثلا: * ان تعيد النظر في مجمل نظام التعليم البائس الذي يُهدِرُ نصف طاقات اليُفَّع في "حفظ" النصوص الدينية على حساب العلوم والرياضيات واللغات.. من الجرائم التي ارتكبها النظام البائد التخريب المنظم للتعليم بالتديين المفرط له لينتج أرباع متعلمين، بدون مهارات حقيقية، وينتفي عندهم التفكير النقدي.. خفضوا الساعات المخصصة لدروس الدين في المدارس وخفضوا ساعات بث البرامج الدينية في اجهزة الاعلام لصالح المعارف الموضوعية والعقلانيَّة والاستنارة ولا تلتفتوا لرجال الدين وأنصار التديُّن الشكلي الذين سيتعالى صراخهم لبعض الوقت.. * أن نربي كل من لديه سلطة (حاكم، شرطي، موظف خدمة مدنية.. الخ) على أن يكون خادماً للمواطنين لا سيِّداً عليهم.. وان ننشر ثقافة أن يكون هَمُّ اية مؤسسة هو إرضاء العميل والتسهيل عليه لا إِذلالِهِ والتَجهُّم في وجهه، " فتبسُّمِكَ في وجه أخيك صدقة"..