عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. مع بشائر المرحلة الانتقالية نهنئ الشعب السوداني على أول انجازات الثورة السودانية وهي التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية ونتمنى ان ينتقل معها الوطن إلى وطن يسع الجميع وان تتحقق شعارات الثورة بالحرية والسلام والعدالة والكرامة الإنسانية، ونستعيد معه سودانيتنا التي يراها الآخر من خلال القيم التي نمارسها مستفزة في تعبيرها عن جوهر الإنسانية، وكانت يجب ان تحلق بالإنسان السوداني في مصاف النموذج الذي يكون عليه قياس معنى الإنسانية، لولا تشويه كل ذلك بمدارس فكرية قاصرة عن استيعاب ذلك الإنسان المتفرد. ان الاختلافات الفكرية والايدولوجية الكبيرة في الساحة السودانية أجبرت هذا الشعب على اللجوء إلى الانطباعية أو ما يمكن ان نسميه بالاختزال القيمي للأشخاص، ويرجع ذلك نتيجة لعدم وجود رؤية كلية أو فلسفة تعلي من شان الإنسان السوداني وتجعله خلاصة الفكر والاجتهاد، ولعدم وجود ذلك الرابط بين تلك المدارس أصبح المجتمع مقسم بين الذات والآخر الضد، فكل مدرسة فكرية كانت ترى انها تمثل الإنسان السوداني والمدرسة الأخرى تمثل العدو لذلك الإنسان، وهو ما جعلنا ندخل في حروب منذ الاستقلال فكل يحاول حماية السودانية من منطلقه الشخصي دون إدراك ان الآخر الذي يقاتله أيضا سوداني. ولان المجتمع لا يدخل في المتاهات الفكرية فقد اكتفي بتوصيف المدرسة التي تمثله والتي تختزل له مفهوم الآخر الضد في أشخاص أو فئات محددة وتترك له الخيال لاغتيال تلك الشخصية ماديا أو معنويا، فلم تكن الحروب واغتيال الشخصيات المادي والمعنوي يتم أمام المجتمع فقط ولكن بمباركته أيضا نتيجة لذلك الاختزال. وحتى في هذه الثورة حاولت المدارس الفكرية ممارسة ذلك التنميط أو تزييف الوعي من كل الجهات، فحاول النظام البائد ممارسة تلك الطريقة في تحريكه للمساجد ووصف الثورة والثوار بالشيوعية وهو توصيف حاول الكيزان ترسيخه باعتباره الضد للشخصية السودانية وليست عبارة عن مدرسة فكرية مختلفة، وعندما فشلت وصل إلى حد الانحطاط في العداوة وأنتج خفافيش الظلام وهو وصمة عار في جبين كل من أعده وأنتجه وساعد على نشره ولكن لا نستغرب ان يأتي ذلك من الكيزان الذين يمثلون اسوا ما فينا من طبائع. وعندما فشل ذلك حاولوا ترميز الدعم السريع كعدو حتى تسيل الدماء انهارا وعندها يستطيعوا العودة إلى السلطة. ولكن كل ذلك فشل لان النظام فقد أهلية بقاءه وبالتالي فقد من يمكن ان يستمع إليه. كذلك استخدمت المعارضة ذلك الترميز في تسقط بس والمدنية، ولزيادة الاثارة عند المنعطفات الكبيرة في الثورة تم وصف برهان بالكوز الوسخان وحميدتي بعدو الشعب وكباشي بالكضاب، وذلك الترميز الذي كان سبب أساسي في الكثير من المماحكات بين الجانبين، فالمدارس الفكرية لا تستوعب آخر مختلف فهو اما ذات واما آخر ضد ولذلك نجدها مفرطة في المعاداة وتتفق بحذر وخجل، فرغم كل ذلك الوصف نجد الآن الاتفاق بين قوى الحرية وذلك الآخر الذي وصف باسوا الصفات. فلولا تلك المدارس الفكرية والعداء المسبق الذي حاولت ان تجعله بين المدنيين والعسكريين لتحدث الجميع بايجابية عن المجلس السيادي، فيستفيد العسكريين من تخصصات المدنيين ويستفيد المدنيين من تخصصات العسكريين ويعملوا معا من اجل مصلحة السودان. وشاهدنا كذلك الانطباعية في خطابات الجبهة الثورة التي حولت الرفاق إلى أعداء بين يوم وليلة، فلا يوجد تمييز للفعل السلبي من الايجابي ولكن يوجد ترميز للأشخاص فما يأتي به الآخرين وإذا كان ايجابيا يجب ان يوضع في خانة ما هو سلبي. فأزمة السودان هي أزمة نخبوية في الأساس، وتكمن في المدارس الفكرية التي تبنتها نخبه فباعدت بين أبناءه وجعلته يستعدي بعضه بعضا إلى درجة الحروب والقتل، ويمكن ان تذهب تلك المدارس إلى خارج السودان حتى تبحث عن من يكمل لها ذاتها في حين ترفض من هو معها ويتشارك معها التاريخ والجغرافيا والقيم. وكان ذلك ظاهرا في العهد البائد الذي كان ينتمي إلى السعودية والدول العربية أكثر من انتماءه إلى السودان، يتحدث عن درة واحدة في فلسطين ويقيم لها سرادق والعزاء ويتجاهل آلاف الدرر في السودان دون حتى خبر خجول. ولكن لم نودع ذلك العهد بعد، فلم ننتهي من الدول العربية جاء من يمجد لنا الدول الأفريقية بداية بأثيوبيا ومحاولة تنميط أخرى. علينا تثبيت حقائق التاريخ وهي ان الثورة السودانية لم تستجدي أحدا في المحيط الإقليمي أو الدولي فكل اعتمادنا كان على ذاتنا وعلى هؤلاء الشباب، فهنالك الكثيرين الذين حاولوا تسلق الثورة من الداخل والخارج، وأولهم قوش الذي حاول الالتفاف على الثورة، وأبي احمد لم يأتي مدفوعا بحب السودان أو الثورة السودانية ولكنها حسابات مصلحيه واضحة، فنظام البشير كان يوظف الدولة السودانية في صالح مصر وضد أثيوبيا ولم يكن يهتم بمصلحة السودان كثيرا، ولذلك سعي ابي احمد الجاد لإسقاط البشير ونظامه كان هدف أساسي من اجل فك الارتباط بين السودان ومصر، فكل ذلك السعي إذا كان هدفه الأول مصلحة أثيوبيا ثم ثانيا مصلحة السودان، وعلى الجميع ان يعلم الشعب السوداني قد سمح له بالتدخل عندما تطابقت مبادرته مع مبادئ الثورة السودانية، فإذا كانت ضد الثورة لما تم السماح لها. فأبي احمد الذي صفق له الشعب كثيرا هو نفسه الذي تحتل بلاده جزء من الأراضي السودانية وعمل على تهجير الكثير من المجتمعات السودانية من أراضيها. ومن لحظة هذه الثورة نريد ان تعلم كل الدولة المحيطة والإقليمية ان هنالك عهد جديد في السودان لا يقوم على التعاطف مع احد ولكن يقوم على مصلحة السودان، وان فعلك الجيد لا يجعلنا ننسي الأفعال الأخرى، فإذا كنت اليوم صديقا يمكن ان تتحول غدا إلى عدو. وعلى الأجيال الصاعدة ان تبعد عن الترميز والانطباعية فلا يوجد صديق كامل أو عدو كامل في العلاقات الخارجية فهي محكومة بالمرحلة وبأفعال محددة، وكذلك على تلك الأجيال ان تدرك ان الإنسان السوداني لا يتحول إلى عدو مطلقا، فأسوا شخص يكون لديه جانبان مع المجتمع وضد المجتمع، نمتدح الجانب الذي مع المجتمع ونحاول تقويم الجانب الذي ضد المجتمع بالنصح والمحاكمات وغيره، وان نترك اغتيال الشخصيات والتخوين ونمنح أنفسنا مساحة للوعي بمنطلقات الشخص المختلف.