في خريف العام 2013 وهو عام مشهور بكارثة أمطار و سيول غير مسبوقة أدت لدمار واسع النطاق في مناطق مرابيع الشريف والكرياب ومربعات عديدة من منطقة الفتح شمال غربي أمدرمان . شهد ذلك العام مع تدني القدرات الحكومية أكبر مبادرة إنسانية طوعية وانخرط فيها قطاع كبير من الشباب فيما عرف بمبادرة (نفير). وهي في الحق كانت مبادرة رائعة قدم فيها أهل السودان نماذج في التلاحم المجتمعي أكد بأن هذه الأمة لم تزل بخير. من خلال عملي الميداني شبه المنتظم في منطقة الفتح ، كان بجانبي نفر كريم من طلابي في الدراسات العليا بمعهد دراسات الكوارث. وثلة من شباب حي بانت غرب اتجهنا بعون ذاتي للمنطقة بدأ بتبرع بسيط من احدي السيدات الفضليات من سكان الحي، ثم من بعد ذلك تدفقت علينا دعومات مادية وعينية وقد اتسعت الدائرة لتشمل مجموعة خيرة من شباب حي المهندسين، ثم توالت أعمالنا الإغاثية بفتح رباني مذهل ادهش كل من كان ضمن المبادرة. ولقد ظهر لنا أثناء توزيع ما تيسر أمامنا الحاجة الماسة للمشمعات نظرا لانهيار اعداد كبيرة من المنازل ولما نفدت الكمية التي كانت بحوزتنا أذكر أن أحد طالباتي الائي افتخر كثيرا بهن كانت الأستاذة رانية هارون مقدم البرامج بقناة الشروق وقتها والتي كانت تربطها بالاخ ناظم سراج علاقة عمل قديمة في المحيط الإنساني، اتصلت رانية بناظم لمدنا بالمشمعات حيث لم يتوان وكانت تلك اول مدخل معرفتي بشخصه دون أن اقابله. ثم وفي الذكرى الاولي لتأبين الشهيد صلاح سنهوري بمنطقة بري أشار الي صديق بأن الشخص الذي يتنقل وسط الجموع ويقف علي خدماتهم هو ناظم سراج ، بعد انتهاء التأبين رأيت نفس الشخص يحمل علي الأعناق ويهتف ضد السلطة التي اغتالت الشهيد. ومن يومها لم تغب ملامح الشاب عن ذاكرتي. انسان لا تقتحمه العين من قصر ولا تفتر وراءه من طول ، وجه سوداني مشرب بسمرة تشي بانتساله من محتد كريم ، عينان تلمعان من خلف نظارات طبية تكاد تحوي كل ما في الوجود من عطف. خطوات رشيقات تتلاحقان بشدة علي فعل الخير كأنه درب قد خلق للسير فيه لوحده. إبان الإعتصام المجيد وبالتحديد في 28 أبريل 2019 كنا في يوم مسيرة الشهيد صلاح سنهوري التي دعت لها اسرته ، انطلاقا من أمام سفارة الاتحاد الأوربي انتهاء بساحة الإعتصام ، وقد كان وجودي كأحد سناير الشهيد من خريجي باكستان ، عقب المسيرة أخذنا اتكاءة مع احدي بائعات الشاي للاستجمام من عناء يوم مرهق ، كان ذلك قبيل المغيب ، حيث أخذ الناس في التوافد علي ساحة الإعتصام إيذانا ببدء وردية ( ثوار الليل)، وسط الجموع المتدافعة كان هنالك ( دفار) يشق طريقه بصعوبة ، ما أن اقترب من المدخل حتي ونزلت منه شخصية ناظم سراج الذي أخذ يركض بهمة ونشاط فاتحا الطريق أمام العربة المحملة بكميات كبيرة من ألواح الثلج، كنت ارصد ذلك الموقف من علي البعد وكأنه كان يفتح الطريق لمناسبة سارة في عقر داره. عندها أيقنت أن هذا الإنسان يحمل من النبل بقدر ما يحمل من الإخلاص بلا من ولا أذي خدمة للثورة والثوار. لا أجدني في حاجة للحديث عن اهتمامه الخاص بالجرحي من شباب الثورة فتلك سيرة يعرفها القاصي قبل الداني.