عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. فِكر وتفكُر
يجمع الخبراء حول هشاشة الوضع الاقتصادي العالمي واتجاهه نحو الركود. شهد العقد الماضي سلسلةٌ من الأزمات الاقتصادية والصدمات السلبية الواسعة النطاق، بدءا من الأزمة المالية العالمية للفترة 2008-2009، تلتها أزمة الديون السيادية الأوروبية للفترة 2010-2012م، وإعادة تنظيم الأسعار العالمية للسلع الأساسية للفترة 2014-2016م؛ والاقتصاد العالمي بدلا من ان يتعزز اتجه نحو توقعات غير مبشرة بدءاً من عام 2018م رغم أن التوقعات كانت تشير الى انه ربما تتحسن ظروف الاستثمار بشكل عام، بفضل انخفاض حدة التقلبات المالية، وانحسار هشاشة القطاع المصرفي، والانتعاش في بعض قطاعات السلع الأساسية، وبفضل توقعات عالمية أقوى للاقتصاد الكلي؛ لكن ارتفاع مستوى عدم اليقين في مجال السياسات، وارتفاع مستويات الديون يحولان دون انتعاش محددات الاستثمار؛ حيث أن عدد من أوجه عدم التيقن والمخاطر باتت واضحة، لاسيما في مجال السياسات الذي ألقي بظلاله على آفاق التجارة العالمية، والمعونات الإنمائية، والهجرة والأهداف المتعلقة بالمناخ ويظهر ذلك بوضوح في سياسات الرئيس ترامب حول الهجرة والتغير المناخي. كل ذلك أخر تحقيق انتعاش في الاستثمارات والانتاج على الصعيد العالمي. ويمكن أن تؤدي حدة التوترات الجيوسياسية إلى تعزيز الاتجاه نحو المزيد من السياسات الانفرادية ومثال ذلك سياسات الولاياتالمتحدة المنفردة. من جانب آخر أسفر طول مدة الوفرة في السيولة العالمية وانخفاض تكاليف الاقتراض عن زيادة أخرى في حجم الديون العالمية نتج عنه تراكم الاختلالات المالية، كما أنه يرتبط من جانب آخر بمستويات الاسعار المرتفعة الحالية لأسعار الأصول، مما يوحي بتدني أسعار المخاطر؛ ايضاً تعمل المصارف المركزية في الاقتصادات المتقدمة حاليا على مسارات جديدة وضبابية، حيث لا توجد سوابق تاريخية للاسترشاد بها، وهذا يجعل أي تعديل للأسواق المالية أصعب من ناحية القدرة على التنبؤ خلال فترات الانتعاش السابقة مما يزيد من المخاطر المرتبطة بأخطاء السياسات. وفي ظل هذه الهشاشة كانت سياسات الولاياتالمتحدة وحروبها حاضرة مما زاد من حدة التوقعات حول الركود؛ وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها أن احتدام الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين قد أثر في اقتصاد العالم؛ حيث تسببت الحرب التجارية في فقدان الثقة في الشركات الأميركية الصغيرة، وإعاقة الأعمال التجارية بين عمالقة آسيا الصناعيين، وتضرر نشاط المصانع التي يقوم عملها أساسا على التصدير في الدول الأوروبية، وكانت الولاياتالمتحدة قد فرضت رسوما جديدة بنسبة 15 في المائة على السلع الصينية شملت الملابس والأدوات والإلكترونيات، بينما ردت الصين على سياسات ترامب من خلال استهداف واردات فول الصويا الأميركي والنفط الخام والأدوية، بالإضافة الى شكواها إلى منظمة التجارة العالمية بشأن الرسوم التي فرضت على سلعها. كما تأثرت الشركات الأميركية الصغيرة حسب صحيفة وول ستريت جورنال، أن الثقة الاقتصادية في الشركات الأميركية الصغرى قد تراجعت خلال أغسطس 2019م إلى أدنى مستوى لها منذ نوفمبر 2012م. واثبتت دراسات أن أعمال 45 في المائة من هذه الشركات سوف ستتأثر برسوم ترامب. اما في دول آسيا واليابان، أعلنت كوريا الجنوبية انخفاض صادراتها إلى الصين في أغسطس الماضي بنسبة 21.3 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من السنة الماضية، مما أدى إلى انخفاض إجمالي الصادرات بنسبة 13.6 في المائة؛ اما اليابان ذكرت تقاريرها أن النفقات الرأسمالية للشركات المصنعة في البلاد انخفضت بنسبة 6.9 في المائة في الربع الأول من عام 2019م، وهو أول انخفاض منذ عامين، وتشير تقارير عدة إلى تراجع الأنشطة الصناعية في تايوانوكوريا الجنوبية وإندونيسيا في أغسطس الماضي، ونتائج متباينة في الصين؛ كما تشير التقارير الى انه سوف ستفرض رسوم إضافية بنسبة 15 في المائة على الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة وألعاب الفيديو وغيرها من المنتجات الصينية ابتداءً من ديسمبر القادم. أما في أوروبا وحسب تقرير لرويترز فقد سُجل انخفاض ملحوظ في الأنشطة الصناعية في ألمانيا، التي تعد المورد العالمي الرائد للآلات والمعدات التكنولوجية، وهذا مؤشر على استمرار الصعوبات التي تواجه المانيا التي تعتبر احد اكبر المصنعين في اقتصاد في أوروبا؛ ويأتي ذلك كله في خضم تهديدات وتصريحات الرئيس الامريكي بتبنيه لمواقف أكثر تشددا في ولايته الثانية إذا ما تلكأت الصين في المفاوضات، لتتزايد مخاوف السوق من أن تشعل هذه الحرب التجارية بين البلدين شرارة ركود الاقتصاد العالمي؛ والاخطر ما يشير اليه الخبراء من ان تهديدات ترامب بالرسوم تهدف أكثر إلى جذب اصوات الناخبين، ولفت انتباه وسائل الإعلام، وهذا جهل بمخاطر هذه الاجراءات والاستخفاف بمؤشرات الركود الاقتصادي المحدق. لن تتوقف آثار هذه الحرب على الولاياتالمتحدةوالصين، لكن تأثيرها سيكون سلبيا على المؤشرات العالمية للنمو، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 5 في المائة لأول مرة منذ ديسمبر 2018م، بينما انخفض مؤشر بورصة شنغهاي إلى 2888 نقطة في مايو الماضي. وكان تقرير لفوربس قد أشار الى أن نمو التجارة الذي يعد الشريان الرئيسي للاقتصاد العالمي تباطأ بشكل ملحوظ إلى حوالي 4 في المائة في عام 2018م، نتيجة للقيود التجارية المفروضة من قبل البلدين، والتي تؤثر بشكل سلبي على خطط الاستثمار في جميع أنحاء العالم، واكد البنك الدولي في تقرير نشره في مايو الماضي، الى أن هذه الحرب التجارية شكلت مخاطر كبيرة على انتعاش الاقتصاد العالمي الذى كان متوقعاً في النصف الثاني من عام 2019م؛ وفي مطلع أبريل الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي في 2019 إلى 3.3 في المائة. وتشير المؤشرات الحالية الى انخفاض الاسهم العالمية بصورة واضحة، تباطؤ في النمو في الصين واوروبا، بالإضافة الى التباطؤ الذى تشهده الولاياتالمتحدة في الانتاج الصناعي، ويشهد العالم ارتفاع حجم السندات السيادية العالمية ذات العائد السلبي الى 15 تريليون دولار لعشر سنوات. فهل نحن مقبلون على ركود بفضل ترامب ؟