د. حيدر ابراهيم علي يضمر حقدا خاصا للاتحاديين ويلفق الكلام بنية (جعل البيض كله في سلة واحدة بغية تكسيره بضربة واحدة قاضية) فأصحوا أيها الاتحاديون أورد د. حيدر في مقال له بعنوان (ثورة في الثورة .. الثورة الدائمة) منشور بتاريخ 24 سبتمبر 2019 بصحفية سودانايل الإلكترونية ثلاثة اخطار فيما أسماه المخاطر والمعوقات حيث ذكر ما نصه في الخطر الثاني (الأحزاب التقليدية وحديثها المتواصل عن الإنتخابات لأنها تضمن أغلبية مقدما ، لا نشعر بنشاطها وحماسها وقدرتها علي تعبئة الجماهير والدفع بها في الملويانيات والاحتجاجات والمطالبات ، عدم فعاليتها في هذه المرحلة الحرجة يجعلها تبدو وكأنها حليف للإسلامويين بسبب موقفها السلبي بينما ينشط هؤلاء علي كل المستويات. الشائعات ، الإعلام ، النقابات ، المال ، الأمن فالعصابة تتحرك بكل حرية والمطلوب أن يساهم الجميع في محاصرتها وملاحقتها). يتحدث الدكتور هنا عن (الأحزاب التقليدية) وهذا توصيف اعتاد أن يطلقه اليسار السوداني علي حزبي الأمة والاتحادي ، فالفوصف بالتقليدية يضمر انتقاصا بينا من قدر هذه الأحزاب لاسيما عند مقارنتها بالتوصيف المضاد للتقليدية وهو (الحديثة) حيث تستثني بذلك أحزاب اليسار خاصة الحزب الشيوعي والذي يكرر في أدبياته هذا التوصيف بمناسبة وبدون مناسبة ، غير أن موقف الشيوعي مفهوم في إطار الصراع والمساجلات السياسية لأنه خصم سياسي لهذه الأحزاب وهي بدورها تمتلك في خطابها ما يقابل ذلك وعادة ما تصفه وأفكاره (بالمستوردة) وهذا صراع يخص الأحزاب. أما أن يأتي من أكاديمي في قامة د.حيدر ابراهيم علي فهذا ما لا يمكن فهمه إلا ضمن محاولة اكاديميي اليسار بالزج بأنفسهم في أتون صراع سياسي مشتعل منذ الستينات المفترض انهم لا ناقة لهم فيه ولا جمل. إلا أن د. حيدر يصر علي إستخدام هذا التوصيف لا من مدخل أكاديمي وإنما من مدخل سياسي بحت ولغرض سياسي بحت. فالمعروف عن الأكاديمي عند استخدامه اي مصطلح لابد وأن يتوقف قليلا لشرح دلالة المصطلح علي اقل تقدير بالنسبة له ، وكيف يسهم المصطلح في توصيل فكرته وهذا ما لايجهد د. حيدر نفسه فيه، لكيلا يضطر لتبيين مستوي انطباق الوصف علي الموصوف ، والمعروف أيضا في العلوم السياسية أن أي حزب سياسي هو تشكل حداثوي لأنه مجموع أفراد تلاقوا وبمطلق إرادتهم الحرة علي أفكار ورؤي وبرامج يريدون تجسيدها علي أرض الواقع من خلال العملية السياسية الديمقراطية بحيث تتنافس مع غيرها من الأحزاب علي كسب ثقة المواطنين ليفاضلوا بين الأطروحات والبرامج السياسية المختلفة. وفي السيرورة السياسة عادةً ما تُراكم الأحزاب خبراتها وتجاربها لترسيخ قواعد(وتقاليد) لعملها السياسي ليكون صفة مميزة لكل حزب، فلذلك تصير الأحزاب "تقليدية" كلما كان لها إرث مرعي في المنعرجات السياسية وهذه صفة حميدة للغاية وهي تميز الأحزاب الكبري كحزب العمال والمحافظين في بريطانيا. والديمقراطي والجمهوري في أمريكا بل وحتي الحزب الجمهوري يطلق عليه Grand Old Party GOP. أما إطلاق صفة تقليدي بالكيفية التي يطلقها اليسار في السودان فتصح في إطار التنافس والخصومة السياسية ، لكنها لا تصح لمن يطلق علي نفسه صفة الأكاديمي. اللهم إلا أن يقرر بأن يكون جزءا من عملية الصراع وهنا يعامل معاملة السياسي وليس الأكاديمي بكل ما يحيط بصفة الأكاديمي من حياد واجلال. علي عموم الأمر وبالرجوع إلى الي ماذكره السيد حيدر ابراهيم عن الأحزاب التقليدية وبرغم ما يعتورها من ابهام وتخليط فإنه قد أضاف عليها صفة التعميم المخل، فالمتابع لمجريات الأحداث السياسية في السودان يمكن أن يدرك دون عناء أن ما يقصده حيدر إبراهيم هو التلميح المباشر لموقف الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ، فهو القيادي الحزبي الوحيد الذي تحدث عن الإنتخابات وقد كان الصادق شجاعا في تلك الدعوة، ولم يسايره فيها أي حزب آخر تقليدياً كان أم غير تقليدي ، غير أن بقية ما ورد في طرح السيد حيدر لا ينطبق علي كوادر حزب الأمة الذين خاضوا غمار المليونايات في الاحتجاجات والمطالبات منذ انطلاق ثورة ديسمبر والي ما بعد ذلك وقد خالفوا في الكثير من المنعرجات الحرجة للثورة موقف قيادة الحزب، بل إن معظم إن لم يكن كل قواعد حزب الأمة تمتلك رأيا واضحا في اي نوع من التحالفات مع الإسلاميين، ليس فقط لأنهم يبغضونهم ، ولكن لحقيقة بسيطة وهي أن حزبهم في هذه اللحظة التاريخية ملتزم بتحالف مع بقية قوي الحرية والتغيير ، وهذا أبسط ما يفند ما ذهب إليه حيدر ابراهيم فيما أورده كخطر ثاني. أما عن موقف الاتحاديين فلا يحتاج الي رد وذلك لسبب بسيط وهو أن ما لمح به السيد حيدر ابراهيم لا ينطبق على الاتحاديين لا وصفا ولا مغزي ، فلا هم تحدثوا عن إنتخابات ولا هم إزوروا عن الملويانيات بل احتشدوا لها كأنها مناسبات خاصة في منازلهم ، وعبأوا حناجرهم بهتاف شق اسماع الوجود، وزلزل عرش الطاغية حتي شهد لهم الصحفي عثمان ميرغني عندما الفي أعدادهم الكبري في غياهب السجون. كما لم يثبت لهم مغازلة للإسلاميين من طرف ظاهر أو خفي. أما عدم شعور السيد حيدر بحضورهم وفعاليتهم، فلربما يكون مرد ذلك لشعور حقيقي يخصه بوجود من لا يرغب في وجوده أصلا.