أراقب بإشفاق كبير التحالفات (أو التفاهمات) التي تنعقد هذه الأيام بين أحزابنا السياسية والحركات المسلحة. فكنت نقدت البيان المشترك للحزب والشيوعي وحركة تحرير السودان-عبد الواحد الذي صدر في باريس قبل أسابيع. وجرى منذ أيام لقاء للتحالف بين الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والحركة الشعبية شمال، الحلو. وترافق ذلك مع مساع في القاهرة ذاتها لرم نداء السودان بعد تصدعه المشاهد خلال مفاوضات الجبهة الثورية، وهي طرف كبير في نداء السودان، مع قوى الحرية والتغيير. ومعلوم أن حزب الأمة عمود نص بالنداء منذ تأسيسه. ينبغي لكل راغب في سلامة الوطن في هذا المنعطف أن يشفق من هذا التطور. فهو يعيد بحذافيره عاهة في سياسة الأحزاب وهو طلب الاستقواء بالمسلحين في ساعة حرجهم السياسي في سياسة الخرطوم. فانقبض قلمي في عام 1988 حين بدأت المفاوضات بين الاتحادي والحركة الشعبية، قرنق انتهت باتفاقية الميرغني-قرنق المعروفة. وكتبت في جريدة لخرطوم، بعد الترحيب بلقاء الجماعتين، قائلاً: "ولكني أخشى مع ذلك أن يكون الذي دفع الاتحادي إليه هو الكيد للسيد الصادق (رئيس الوزراء وحليفه) الجبهة لإسلامية القومية لأن هذا درك في السياسة. وأتمنى أن يكذبني لقاء السيد محمد عثمان الميرغني والسيد جون قرنق وأن تسطع عزائمه في إنهاء هذا الفصل البشع في الحرب الأهلية". يعيد دخول السيد الميرغني للميدان السياسي بعد الثورة عن طريق الحركة الشعبية للأذهان الخصومة التاريخية بين أنصار وختمية. وهي الخصومة التي سارت بغبائنها الركبان. فقيل إن أنصارياً التقى بختمي وحدثه مزهواً بأنه قادم من مهرجان الرجبية للزواج الميسر الذي كان يرعاه السيد عبد الرحمن المهدي. فما كان من الختمي المغيظ أن قال له إنه قادم لتوه من مهرجان للطلاق يرعاه السيد على الميرغني. وددت لو نأت أحزابنا السياسية هذه المرة بالكلية عن أي أحلاف (أو حتى مجاملات) مع الحركات المسلحة. بل أدعو المسلحين في الجبهة الثورية أن يخرجوا من صفوفهم كل غير حامل للسلاح مثل الرويبضة التوم هجو. فكانت مثل هذه الأحلاف أبلغ تشويش على قضية السلام لا دفعاً لها. فكل من تحرج مقامه في لعبة كراسي الخرطوم بحث عن حركة مسلحة يتفيأ ظلها. ويروج لنفسه بطلب السلام بينما مطلبه الحق هو تعزيز أوراقه في تأمين حظه من السلطة. فحتى الحركة الإسلامية لم تتعفف من ذلك. فما تفاصل القصر والمنشية حتى سارعت المنشية لتوقيع اتفاقية جنيف مع الحركة الشعبية. بل صار حُسنُ القبول للحزب السياسي عند المسلحين كرتاً رابحاً يساوم به الحزب خصمه في الحكم. فقد عرض المؤتمر الشعبي خلال حوار الوثبة على المؤتمر الوطني أن يعينه بفتح باب نقاش مع بعض المسلحين ممن بينه وبينهم علائق ود. ليس للقضايا التي خرج المسلحون لأجلها نقراً في الوجدان السياسي لأحزابنا. ليست لهذه القضايا في وجدانها قدسية متجذرة من أوجاع تاريخية نازفة لم تهز شعرة في هذه الأحزاب حتى في الأوقات القليلة التي كانت فيها في سدة الحكم. ولا حتى في المعارضة كما سنرى. إنها قضايا تنتهز هذه الأحزاب سانحتها في ضرب أخماس في اسداس كسبها في معادلة الحكم. ونناشد الحركات المسلحة أن تنأى بنفسها عن هذه الأحلاف المغشوشة التي جربتها مرة بعد مرة ولا جدوى. ثم تعود لتشكو لطوب الأرض من صفوة الخرطوم النيلية. تقارب الأحزاب مع الحركات المسلحة المشاهد انتهازية مشتركة ينبغي لنا أن نطلب من هذه الأحزاب الكف عنها وترك المسألة لمفوضية السلام التي لم تقم بعد. ولم تقم هذه المفوضية مع أن مهامها شايلاتنو البدلايات (نساء من البادية يطفن بالبيوت يبدلن لبن معيزهن بالذرة). وهو مثلٌ في ذيوع الأمر من غير ترخيص. ونعود لنرى خبايا هذه الانتهازية وخبائثها. أنظر الرابط أدناه عن أول غيث هذه التحالفات: وعينك ما ترى إلا النور https://www.altaghyeer.info/ar/2019/09/29/الشعبية-تبرر-تحالفها-مع-الاتحادي-الأ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.