كلنا على يقين بأن مهام جميع مدراء الجامعات الذين جاء اختيارهم ملبيا لتطلعات الثورة شاقة وعصيبة, فالمسئوليات جسام ولكنهم قادرون ويعلمون أن المطالب تؤخذ غلابا. وعندما تعتلي عرش الجميلة كنداكة تتحلى بكل صفاتها من الشجاعة والقوة والعزة والشموخ، فإن الآمال تتعلق و تتجاوز التمنيات كل السقوف ويعانق الطموح عنان السماء. يبقى الوصف بالكنداكة ملهما لثورة التغيير بلا استثناء يلهب المشاعر ويعلي الهمم وذلك عبر تأسيسها لمفاهيم جديدة وجدت لها صدى في كل أنحاء السودان الكبير. وعندما تكون الموصوفة هنا مؤرخة لتاريخ السودان الحديث عرفناها بقراءاتها وكذلك بمواقفها الراسخة وفكرها المنفتح وقلبها المتسع فإنها تكون جديرة بالوصف. فلتكن بروفسير فدوى عبدالرحمن علي طه صانعة وكاتبة قراءات جديدة في تاريخ جامعة الخرطوم في ظل السودان الجديد بذات النظرة العميقة والأفق الواسع وذلك بمساعدة طاقم من الكفاءات المؤمنة بالتغيير والقادرة على تحقيقه. لقد طالت أيادي النظام المباد مؤسسات التعليم العالي مبتدئة بأسلمته بإسلامها وذلك عندما شرعت بتعريب لغة التدريس في الجامعات وتعيين المتأسلمين في مراكز القرار يديرون أكبر صروح العلم ومناراته بعقلية البعد الواحد الذي ينتهج سياسة الإقصاء فهو لايريد أن يسمع إلاصوت نفسه فأصحاب العقول المنغلقة لا يعرفون إلا طريقا واحدا، وجوابا واحدا. فلم تكن القرارات المصيرية "التعريب" كمثال تستند إلى أسس معرفية فهؤلاء لا يعرفون أبجديات عملية صنع القرار ومراحلها. فلم يتم التعريب في محيط صغير لتدرس نتائجه وتحلل ويتم تقيمها وإنما طبقت الفكرة "الجهنمية" و بدون توفير المعينات من المراجع العربية المواكبة وتمظهرت مآلات التجربة فيما بعد في معاناة الأجيال التي تبدأ بعد مرحلة الجامعة في The language of science تعلم لم يعطى تدريب الكوادر البشرية من أساتذة وتقنيين أولوية قصوى في سياسات التعليم العالي في العهد البائد. فقد عكف جموع الأساتذة على تطوير أنفسهم رغم شح الامكانيات وفقر المعامل و تردي أوضاعهم الإقتصادية. ولايفوتني هنا ذكر العشرات من المشاريع والمقترحات العلمية الطموحة القابعة في الأضابير لاتعرف للنور طريقا ولا للواقع سبيلا تشكو نقص التمويل و ضعف الإمكانيات. وقد شهدت عهود الظلام استغلال عدد مقدر من منسوبي النظام المباد للمناصب الرفيعة التي اعتلوها فسخرت الإمكانيات للمنافع الذاتية والمصالح الشخصية وانعدمت مبادئ الإلتزام الأخلاقي. فقد فتحت سياسة التمكين الآفاق والفرص للمنتمين. ونحن الآن إذ نمني أنفسنا بأن عهد إسناد الأمور لأهلها قد عاد من جديد فإننا على ثقة بأن بروفسير فدوى ورفقاءها سيبذلون قصارى جهدهم لكتابة تاريخ جديد بمداد من نور. و قد تبدو مهامهم في هذه المرحلة الدقيقة كثيرة وشاقة تتمثل في مراجعة لوائح الجامعات ونظمها واختيار العمداء وتفكيك الوحدات الجهادية و العمل على استقرار البيئة الجامعية و ممارسة الطلاب لحقهم في تكوين اتحاداتهم. فيما يخص التدريب فإن مانتمناه أيضا أن يتم النظر في جميع المنح الدراسية والإتفاقيات السابقة التي تم إلغائها مثل منح المجلس الثقافي البريطاني وفي جامعة الخرطوم كمثال كانت هناك اتفاقية بين منظمة داد الألمانية وجامعة الخرطوم تتيح إمكانية تأهيل مساعدي التدريس لدرجة الدكتوراة بجمهورية ألمانيا الإتحادية وكان التمويل مناصفة بين جامعة الخرطوم (التعليم العالي) والمنظمة. لم تلتزم جامعة الخرطوم بموجب هذه الاتفاقية من تنفيذ ما عليها من تبعات فتم إيقافها. مثل هذه الإتفاقيات معمول بها في كثير من الدول الإفريقية والآسيوية وهي تتيح استيعاب عدد أكبر من المتقدمين. إن من الضروري أيضا أن يتم الإندماج في البرامج التي تتيح التعاون مع الجامعات الإفريقية ذات المكانة الرفيعة مثل هذه البرامج والتي يتم تمويلها من (آجنس) African-German Network of Excellence in Science (AGNES( تتيح الفرص لطلاب الماجستير والدكتوراة لعمل تجاربهم العملية في المعامل ذات الإمكانيات العالية في الجامعات الإفريقية. فلابد من الإهتمام والحرص الشديدين على تدريب مساعدي التدريس فهم من سيقود الجامعات في عهد قريب. وياحبذا لو تم إعداد خطة صيانة سنوية للمعامل وتم تخصيص ميزانية لها إلى جانب دعمها بالمواد والأجهزة إذ انها تمثل عنصراً هاماً وأساسياً في نجاح العملية التعليمية, و توفرللطالب فرص التطبيق العملي وتسلحه بالمهارات التي تمكنه من الإلتحاق بسوق العمل. كما تساعد الأساتذة في اجراء أبحاثهم ونشرها مما يساهم بشكل كبير في رفع مكانة الجامعات. إننا نعلم علم اليقين إن مؤسسات التعليم العالي بحاجة للكثير من الإصلاحات ولكن إيماننا راسخ بأن التحرك الفاعل لتغيير الواقع الى وضع يحقق تطلعات أصحاب الأنفس العظيمة لايتأتى إلا بالمزيد من السعي والفعالية وتعاظم الثقة والتفاؤل والأمل.
وسنحقق ما نريد كما قال الشاعر: ستار ظلام الليل سوف يجاب وتسقى بأضواء الصباح رحابُ وسوف يبين الفجر ما كان خافياً ويفتح من بعد التغلق باب وتشدو عصافير المنى بعد صمتها ويخلع ثوب الشؤم عنه غرابُ
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.