ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحادي الأصل .. مدنية الحزب قبل مدنية الدولة ! .. بقلم: د. عبدالله البخاري الجعلي
نشر في سودانيل يوم 15 - 10 - 2019


بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
خَلُصنَا في مقالنا الماضي ( الأتحادي الأصل .. و جعلناكم أحاديث وأخرجناكم من هذه الأرض ) الى أن الحزب بعد الثورة وفي وسط أجواء الشحن و حالة الأستقطاب التي تعج بها الساحة السياسية في السودان ، آثر درءاً للمضار و طلبا للمنافع أن يبتعد عن صدارة المشهد العام من أجل تهيئة الأجواء لعضويته لترتيبات تخص البيت الداخلي ، تُمَهِد الطريق لإعادة أنتاج رؤى و منطلقات و أفكار جديدة تُعًضد مسيرة الحزب مستقبلاً .
هذه الترتيبات فرضتها الابتلاءات المتعاظمة التي ظل يواجها الحزب من خصومه السياسيين ، ولذلك وجدناه سريعا يبدأ مرحلة مراجعاته الذاتية بعد سقوط النظام ونجاح الثورة بإعلانه الأبتعاد و عدم المشاركة في السلطة على أي مستوى من مستويات الحكم في الدولة .
بعدها حاول الحزب القيام ببعض التغييرات الفوقية التي طالت مؤسسة الرئاسة ، ثم قام معها بسحب كل الوجوه التي كانت تمثل تيار المشاركة مع النظام ، وبدأ بالدفع بالكثير من الوجوه التي كانت تمثل تيار الممانعة ، و كان آخر المطاف توقيعه لأتفاق الشراكة السياسية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال فصيل عبدالعزيز الحلو .
هذه الأنكفاءة التي يمر بها الحزب اليوم قد يراها البعض خصماً عليه و على الوطن ككل خصوصا أن وجوده أمرا يَعِدُه كثير من المراقبين و المحللين السياسيين في غاية الأهمية بمكان في ساحة سياسية تضج بجماعات الهوس الديني و اليمين الإسلامي المتطرف من جهة ، و غلاة العلمانيين و أحزاب اليسار المتشدد من جهة أخرى ، وذلك بحكم المنهج الوسطي الذي عُرِفَ به الحزب و الذي دفع البعض لِيُصبِغَ عليه سابقاُ وصف الكيان الجامع الذي يمثل دوماً صمام الأمان لهذا الوطن .
لكنني و في مقابل ذلك الطرح نعتقد الأمر في غير هذا ...
حيث نرى أن الحزب وبسبب تبعات مشاركته السياسية السالبة لنظام الإنقاذ ربما يكون في حوجة ماسة اليوم لهذه الأنكفاءة الذاتية ، أو دعنا نُطلِق عليها حالة الكمون أو البيات الفصلي الموسمي الطويل ، لقناعتنا الراسخة بأن المناخ السياسي المتشدد الذي تولد بعد الثورة لن يساعده أبدا للعب أي أدوار سياسية أو تقديم أي رؤى توافقية بين مختلف المكونات المتصارعة ايدلوجيا في الوقت الحالي .
لقد ورث الحزب منذ تاريخ تأسيسه و مروراً بمرحلة توحيده على يد الفريق محمد نجيب عام 1952م و حتى يومنا هذا ، ورغم وطنية رموزه التي لا يستطيع أن يُزايِد عليها أحد ، ورث أسوأ ما يمكنه أن يرثه أي سياسي ممارس للسياسة في أصلها التاريخي أو التقليدي و بُعدِهَا العصري، ونقصد هنا بذرة الأنا و روح الرياسة المتأصلة في معظم قياداته .
فتجدهم تارة يتطاحنون فيما بينهم حبا للقيادة و للمطامع و المظاهر أو استئسادًا برأي الفرد على رأي الجماعة الى درجة قد تتطور الى أتخاذ القرار بالانشقاق عن المؤسسة ككل ، و تارة أخرى تجدهم وقد أنغمسوا في المعتركات السياسية التي تخص الشأن العام الوطني ، متناسين أبسط واجباتهم الحزبية التي تخص عملية البناء التنظيمي و ترتيب الشأن الداخلي و فاعلية الانفتاح على القواعد .
هذا ما يمكن أن تتلمسه كعنصر مشترك بين مختلف الفصائل و التيارات الأتحادية .
أما فيما يخص الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ، فكان التبرير لعملية تعويق البناء المؤسسي للحزب وعدم قيام المؤتمر العام في فترة ما ، هو الأعباء الوطنية التي كان يضطلع بها رئيس الحزب في قيادة التجمع الوطني الديمقراطي ، والمعنى المقصود هنا أن هم الوطن مقدم على هم الحزب .
ثم في فترة لاحقة وبعد أتفاق القاهرة و عودة القيادات للداخل من منفاها الخارجي ، كان التذرع بمشاكل التمويل ومحاربة النظام لكل رأسمالية الحزب التي كانت تدعمه في السابق هو العنوان الرئيسي لتعطيل الأمر ، حتى جاءت أخيرا مشاركة الحزب للأنقاذ فتبخر الأمل نهائياً .
ولذلك فأننا نرى أن قابلية تغيير هذا المشهد المعكوس مع أمكانية عودة الحزب بقوة لدوره الطليعي الذي كان عليه ، يبقى مرهوناً في الأخير بقيام مؤتمرات قاعدية يتم فيها التواصل مع جماهير الحزب و تنشيطها و بث دماء جديدة منها في كل هياكل الحزب ( القيادية و القاعدية ) على حد سواء خصوصا من الشباب الثوري المثقف و المتعلم و المسلح بروح التضحية و العمل بتجرد لما فيه خير و عافية الكيان و الوطن .
نقول الشباب الثوري تحديدا لأنهم هم الذين قدموا للعالم أجمع أعظم ثورة في العصر الحديث و أنبل نماذج التضحية و نكران الذات التي وصلت الى حد تقديم الروح رخيصة لصالح إنهاء عهد الاستبداد و الظلم و الطغيان تمهيدا للدخول في بداية جديدة في مشروع البناء و التغيير الوطني .
وتبقى مهمة الحزب أمام هؤلاء الشباب كمؤسسة سياسية عريقة كان يُطلَق عليها في يوم ما ( حزب المثقفين السودانيين ) تقتصر فقط على دورين :
(أ ) ضبط نظام الجماعة الداخلي وتجويده و توضيح شكل الهيكل الإداري التصاعدي ما بين القمة و القاعدة بشكل جلي و غير مشوش ، يوثق روح الأنتماء و المولاة للكيان ، و يبسط الشورى بين أعضاءه ، فيقيموا على هذا البنيان المرصوص سلطاناً يجمع قوتهم ، و يصوبها لصالح ديناميكية الحزب و تفاعله الأيجابي مع الآخر في الخارج .
(ب) توفير البيئة الحزبية و السياسية الجاذبة لهم و التي تعتمد على تقوية قنوات الشراكة الثقافية و الفكرية بما يحقق تغذية رؤى العقل الجمعي الحزبي بتلاقح الأفكار و التداول و التشاور في الآراء على أوسع نطاق ممكن خدمة لعملية التجديد الفكري للبرنامج الحزبي بما يتوافق و يتلاءم مع متغيرات العصر .
وحتى تترسخ و تتثبت هذه العلاقة الحديثة ما بين هؤلاء الشباب ( المنتسب حديثا للكيان ) و مؤسسة الحزب ممثلة في قيادتها ، يبقى على القائمين على أمره تجهيز إجابات وافية و كافية للعديد من المواقف و الشٌبُهَات التي حامت حول هذا الحزب و وزعها خصومه إعلاميا بكثافة طوال العقود الثلاثة الماضية من عمر نظام الإنقاذ الى فترة ما بعد الثورة ، فصارت مثل المسلمات و الثوابت تلوكها الألسن و تُردد و تُقال كسورة الفاتحة كلما جاء الحديث عن الحزب.
فصانع القرار الحزبي سوف يحتاج في هذه المرحلة الى إزالة الغشاوة عن أي أمور ملتبسة تحوم حول فكر الحزب و أساليب نشاطه السياسي من أجل خلق علاقة صحيحة و متينة مستقبلية بين رأس الهرم وأسفل قاعدته تعينه في الأخير على خوض غمار التنافس السياسي الديمقراطي القادم بفاعلية و قوة دفع جديدة .
نذكر على سبيل المثال وليس الحصر من هذه المواقف أو الشبهات :
الأسباب و الدوافع التي دعت الحزب للمشاركة في سلطة نظام الإنقاذ ؟
علاقة الطريقة الختمية بالحزب ، وهل هو فعلا حزب الختمية فقط ؟
علاقة رئيس الحزب بقيادات و كوادر الكيان .. هل هي علاقة تنبني على أسس سياسية بحتة أم هي علاقة شيخ الطريقة بحواريه ؟
فيما يخص مشاركة الحزب مع نظام الإنقاذ فقد ذكرنا في المقال الماضي أن نائب رئيس الحزب خرج بشجاعة هو و بروفيسور البخاري الجعلي و د. علي السيد كأكبر رموز تمثل تيار الممانعة داخل الحزب و في جو مليء و مشحون بالكراهية السياسية للحزب ، خرجوا معتذرين للشعب السوداني عن هذه الخطوة السياسية التي جانبها الكثير من الصواب .
هذا كان ما يخص الخارج ...
أما بخصوص الداخل الحزبي فقضية المشاركة ظلت ومازالت تُعمل تفرقا و تشظيا بين عضوية الحزب ، و تخلق الكثير من الجدل الحاد و التشققات و التيارات المتناحرة والتي لم تستطع قيادة الحزب حتى اليوم لملمة أطرافها و جراحها و إعادة ترابط أفرادها تمهيدا لغلق هذا الملف نهائياً .
هذا الأمر وإن كنا نعزيه لاعتداد الأتحاديين بتاريخ حزبهم النضالي والذي أهلهم ليكونوا عماد و أساس كل التكتلات المعارضة للأنظمة الديكتاتورية التي تعاقبت على حكم السودان ، إلا أننا نرى في الأخير أن السبب الرئيسي لتطور و أستفحال هذا المشكل يعود في الأساس لغياب أي حوار أو نقاش علمي تصحيحي داخل أروقة الحزب ، يُعيد تقييم هذه التجربة الحزبية ، يدرس أسبابها و تبعاتها ، و يقدم مراجعات نقدية عميقة لها دون أمر تحاشي مواجهتها أو القفز عليها أو محاولة دفنها كما تدفن النفايات النووية .
لقد مر حزب الأمة القومي بأزمة مشابهة عندما ساعد في الأنقلاب على النظام الديمقراطي الأول ، ولكنه جاء وعاد رغم ذلك بقوة في الفترة الديمقراطية الثانية بعد سقوط نظام الفريق عبود كحزب حاكم وكأن شيئا لم يكن !
و أشترك الحزب الشيوعي في انقلابي نميري و هاشم العطا ، فقام بعمل مراجعات نقدية قاسية لهذه التجربة ، ثم عاد بعدها بعنفوان أكبر في فترة الديمقراطية الثالثة .
وعليه فإن على قيادة وعضوية الحزب ( وكما ذكرت أعلاه ) أن تكسر هذا الحاجز النفسي الذي ضربه حولها خصوم الحزب فيما يختص بهذه التجربة عبر وضعها في إطارها الصحيح و إخضاعها للمناقشة العامة الداخلية .
نقاشا يكون منهجيا و علميا يشمل أكبر قدر ممكن من الأعضاء ، يسمو فوق التشخيص ويعلو فوق التسطيح ، ويعيد تقييمها و يُخضعها للنقد و المراجعة ، ومن ثم يعتبرها نقطة انطلاقة جديدة للظهور بشكل مختلف في فترة الديمقراطية القادمة أن شاء الله .
هذا فيما يخص التهمة أو الشبهة الأولى ، أما إذا جئنا لتناول الشبهة الثانية و التي تتحدث عن العلاقة الملتبسة لدى الكثيرين ما بين الطريقة الختمية والحزب ، فلربما لا يعلم الكثيرون أن مشايخنا و إخواننا في هذه الطريقة هم أكثر من تضرر من هذا اللبس وهذه الفرية التي ظلت تظلم معظم المنتسبين لها .
فأتباع هذه الطريقة كغيرهم من أتباع أي طريقة صوفية أخرى تواثقوا و توافقوا فيما بينهم لمبايعة راعي و شيخ الطريقة الختمية على السمع و الطاعة في المنشط و المكره ، و النفقة في العسر و اليسر ، فصاروا أكثر وفاءًا و إلتصاقا بمولانا السيد محمد عثمان الميرغني ، وحفظوا بذلك للحزب بعده الجماهيري ، رغم الضربات المتتالية التي كالها نظام الأنقاذ للحزب و الطريقة من أجل تمزيقها و إبعادها وفصلها عن الحزب .
فبينما كان ينظر ختمية الحزب الأتحادي الديمقراطي بثقافة المنهج الصوفي على خلاف غيرهم من ساسة الحزب ( غير المتصوفة ) بأن الخلاف السياسي لا يجب أن يقود للصراع و الأحتراب و الانشقاق ، و أنما هي سنة الله في خلقه يكون الأختلاف و التعدد في الرأي مصدر قوة و منعة و يجب أن يتم في سلام لا تُنتَهكُ بِه وحدة الكيان و رابطة الجماعة المسلمة الموحدة ، أعتقد البعض أن الطريقة استحوذت على كل مقاليد الحزب واختطفته و سيرته لصالحها .
هذا الوفاء و الإخلاص لرئيس الحزب من قبل أتباع الطريقة الختمية أخرجه البعض من منبته ، وفُهِمه الكثيرون في غير سِياقَه ، و وُظِفَ من الخصوم في غير مَكَانِه للهجوم على الحزب و وصمه بأنه حزب الختمية فقط .
بداية يجب أن نذكر بأن الحزب الأتحادي الديمقراطي ظل الحزب المحبب لأهل المنهج الصوفي سواء للطريقة الختمية أو غيرها من الطرق الصوفية مثل القادرية أو السمانية أو الأحمدية .
وكان هذا الأمر مدعاة ليكون الحزب نفسه صمام الأمان الذي يحفظ لهذا الوطن هويته و قيمه المتعددة على أختلاف مكوناته الدينية و العرقية و الثقافية و التي أكتسبها من المنهج الصوفي الذي عُرف بين السودانيين بثقافة التسامح و قبول الآخر .
لذلك وجدنا أن نظام الإنقاذ طوال مسيرته في الحكم حاول كثيرا أن يعبث في هذا المضمار حيث نشط أعلامه في شيطنة رئيس الحزب و ترويج دعاية أنه سعى لختمنة الحزب ، في محاولة بائسة منه لدق أسفين عميق بين الطريقة الختمية و بقية الطرق الصوفية الأخرى الداعمة للحزب .
وقام أيضا بتقزيم الأدوار الوطنية التي يمكن أن تلعبها هذه الطرق الصوفية بنفس السياسة الذي قام بها تجاه الإدارات الأهلية أمام المجتمع ،و سعي لتحجيم دورها السياسي و جعل أرتباطها بالدولة محصوراً في أنشطتها في الخلاوي و بيروقراطية المجالس الحكومية ( المجمع الصوفي العام ) .
ثم في فترة لاحقة بدأ في الضغط و إستمالة شيوخ هذه الطرق و مريديها للأنضمام لحزب المؤتمر الوطني ، و دعم رئيسه الطاغية و نظامه الأستبدادي المجرم و توفير قاعدة شعبية كاذبة له أمام الشعب من مريدي هذه الطرق الصوفية .
أعتقد أن على الحزب مسؤولية وطنية تتمثل في بذل مجهود جبار من أجل إعادة التواصل و التلاحم ما بين الطريقة الختمية وبقية الطرق الصوفية الأخرى على اختلاف مسمياتها ، والذهاب لأكثر من ذلك عبر الأنفتاح على بقية المذاهب و الأديان خصوصا الأخوة الأقباط الذين كان الحزب الأتحادي الديمقراطي حزبهم الأول .
هذا الأتجاه ليس القصد منه الكسب السياسي الرخيص ، وإنما ليكون الحزب هو البوتقة التي تتلاحم ويتوحد فيها أهل المنهج الصوفي المعتدل لمواجهة أحزاب اليمين المتطرف خصوصا حزب المؤتمر الوطني ، والذي ظل منذ نجاح الثورة يستخدم جماعات الهوس الديني ضد خصومه السياسيين من أحزاب اليسار في معادلة سياسية عبثية تفتقر للحس الوطني و قد تقود كل البلاد للفتنة و الفوضى و إشاعة التطرف .
وأما فيما يخص الشبهة الأخيرة والتي تدور حول علاقة رئيس الحزب بقيادات و كوادر الكيان .. هل هي علاقة تنبني على أسس سياسية بحتة أم هي علاقة الشيخ بحواريه ؟
فربما الأنفتاح السياسي الذي بدأه السيد جعفر الميرغني نائب رئيس الحزب على مختلف الأحزاب و القطاعات المجتمعية يعالج هذه الفرية تدريجيا ، رغم أنني أراها تحديدا فرية و إن ألصقت بالحزب زورا و بهتاناً من أجل تشويه صورته و تنفير المثقفين عنه خصوصا من يتبنون خط الحداثة و يحاربون أي مظاهر تقليدية ، إلا أنها و إن افترضنا جدلاً أنها تهمة صحيحة فمعنى ذلك أننا سوف نكون نحن و جميع الأحزاب السياسية التاريخية فيها تحديدا في الهم شرق !
فظاهرة ( القائد السياسي الحزبي الأوحد ) و الذي يتمترس فوق سدة رئاسة الحزب لسنوات طويلة و تتجمع حوله القيادات محبة و وفاءًا و إخلاصا ، تماما كحالة الشيخ بين حواريه ، هي في الأساس ظاهرة سودانية عاطفية شائعة و مترسخة في كل الأحزاب السودانية التاريخية على أختلاف نمط و شكلية ممارستها بين حزب و آخر ، وليست محصورة فقط في الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل عبر علاقة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بقيادات حزبه .
فرمزية السيد الصادق المهدي بين أتباعه في حزب الأمة القومي جلية و واضحة وضوح الشمس نهاراً في كبد السماء ، و رمزية الراحل شيخ حسن عبدالله الترابي أيضا بين أتباعه من قيادات الحركة الإسلامية ، و كذلك الحال نجد الأمر في حزب الإخوان الجمهوريين وعلاقة أتباعه بزعيمهم الشهيد محمود محمد طه ، والحزب الشيوعي السوداني و رمزية الراحلان أ.محمد أبراهيم نقد و أ. التجاني الطيب وسط منتسبي وقيادات الحزب ، وفي حالة هذا الحزب تحديدا كانت العلاقة فيها تجاوزت فكرة الزعائمية السياسية لتتحول في مرحلة متأخرة قبل رحيلهما عن الدنيا الى علاقة أبوية .
إن الحزب الراشد يبقى المدى المباشر لهمومه دائرة الوطن ، لكن العالم اليوم الذي أصبح موصولاً بوسائل التراسل و التسامع و الترائي و التناقل الكثيفة و يموج بالأحداث ، فيجبره أن يكون معنيا أيضا بما يدور في الخارج ، فَيُقَوِم سياساته مع الدول و الأحزاب في الدول المجاورة بالشكل الذي يطور أساليبه و يخدم قضايا الوطن و رفاهية شعبه ، ويبقى لكوادره السهم الأكبر في تسيير هذا التواصل و التصاهر .
كما أن الحزب الراشد هو المؤسسة التي تنجح في تجميع قاعدتها لخدمة قضاياها ، و تُوَحِد أفرادها و تستخدمهم بالشكل الأمثل ولا تطمس ذواتهم المستقلة المسؤولة ، موسعة فيما بينهم مساحة الشورى و تداول الآراء و المشاركة الفاعلة في صناعة القرار ، لتخلق من كل هذا سياسة راشدة محمية بقوة التأييد القاعدي لها .
هذا ما نطمح له و نسعى إليه مع الكثيرين من المناضلين ليل نهار إصلاحاً و نصحاً في الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل ، ونسأل الله التوفيق في ذلك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.