لعل الحدث الأبرز الذي ميز أنشطة الحكومة الانتقالية الجديدة هو الزيارة الناجحة التي قام بها رئيس الوزراء السوداني الجديد الدكتور عبد الله حمدوك و وزيرة الخارجية السيدة اسماء عبد الله برفقة وفد رفيع المستوى الى نيو يورك للمشاركة في فعاليات الدورة ال 74للجمعية العامة للأمم المتحدة. وكذلك زيارات ذلك الوفد الي كل من جوبا والقاهرة باريس والرياض واديس ابابا. حيث أثمرت هذه الزيارات زخما وحيوية للدبلوماسية السودانية و كان السودان وثورته الشعبية الظافرة محل إعجاب واهتمام المجتمع الدولي. وتجسد هذا النجاح في عدد من النتائج الملموسة في الساحتين الاقتصادية والسياسية . ونحسب ان هذا القبول امر هام يجدر الوقوف عنده مطولا باعتباره نقلة هامة للدبلوماسية السودانية التقليدية التي تمحورت طوال العقود الماضية علي دبلوماسية الارتزاق الي ثوابتها الوطنية التي أرسى دعائمها الرعيل الاول من الدبلوماسين أمثال جمال محمد احمد ومحمد احمد المحجوب ومنصور خالد . وعليه وباعتبار ان الشواغل الأساسية التي تواجه السودان اليوم هي في جوهرها شواغل اقتصادية في المقام الاول. فينبغي في الفترة القادمة اعادة النظر في مفهوم ورؤية الدبلوماسية السودانية وأولوياتها ومضامينها وذلك عبر التركيز علي الدبلوماسية الاقتصادية . ولا سيما في ظل التوجه الذي تم الإعلان عنه مؤخرا حول اعادة هيكلة وزارة الخارجية وسفارات الدولة حول العالم وذلك لتعزيز إسهامها في الجهود الوطنية لإعادة بناء الدولة السودانية وتحقيق الأهداف النبيلة التي قامت من اجلها ثورة ديسمبر المجيدة. وذلك في ظل جسامة التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية. وهذا بدوره يحتم علي سفاراتنا بإيلاء مزيدا من الاهتمام للدبلوماسية الاقتصادية وعدم حصر أنشطتها في الامور الإدارية والأمنية . وعليه فإن نقل الدبلوماسية السودانية من مفهومها التقليدي المستند علي الجوانب السياسية والأمنية الي مفهوم شامل يولي البعد الاقتصادي أهميته القصوى امر لا بد منه . و لا بد من إعطاء الأهمية القصوى للبعد الاقتصادي للدبلوماسية السودانية وذلك عبر آليات واضحة تبدأ بوضع خطة استراتجية وخريطة طريق تعكس أهداف الثورة و قوامها تدريب الكوادر الوطنية وهذا بدوره يتطلب الابتعاد عن الذهنية الحالية التي تتعامل بها الوزارات مع عدد من الملفات الهامة الي نهج تشاركي جديد بين مختلف الأطراف الداخلية مثل الإدارات الحكومية المختلفة والقطاع الخاص فضلا عن المؤسسات الأكاديمية والبحثية المستقلة ونقابات العمال . وقد برهنت الأحداث والمتغيرات التي شهدها العالم في العقدين الماضيين بإن الحكومات لم تعد وحدها اللاعب الرئيسي في رسم العلاقات الاقتصادية بين الدول اذ لا بد من مشاركة جميع الأطراف ذات الصلة . ولذا نرى من الأهمية بمكان ، عند اعادة هيكلة وزارة الخارجية وكذلك الوزارات الأخرى ، استيعاب مدى أهمية الدبلوماسية الاقتصادية بإعتبارها عامل أساسيا من عوامل النمو والنفوذ والورقة الرابحة في العلاقات الدولية . وبطبيعة الحال لا يمكن استغلال الفرص الهائلة التي تتيحها الدبلوماسية الاقتصادية في دفع عجلة النمو والتنمية في البلاد دون القيام بترتيب البيت الداخلي ( home work ) وفِي هذا السياق ندعو الحكومة الانتقالية بان تضع هذا الخيار خيارا استراتيجيا لها في إطار جهودها لإصلاح مختلف مؤسسات الدولة السودانية ونأمل أن تكون إنجازات الحكومة الاخيرة في مجال الدبلوماسية الاقتصادية منطلقا جديدا ليطرق السودان من خلاله أبواب المستقبل وهو مستند علي ارضية ثابتة لاستعادة دوره الفاعل في الساحة الدولية . فضل محي الدين الطاهر - جنيف عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.