شكراً للدكتور عبدالله علي إبراهيم على هذا العنوان بسودانايل والمقال الرائع بكل ما يحمل من معنى المضمون التربوي والقصصي التوثيقي الجميل وما يحمله ذكر إسم عائشة الفلاتية من إثارة شجون ذكريات طفولة لكل من عايشها فى زمن مضى نعتبره جميلاً رغم ظروفه لأن الحياة فى كل السودان كانت فيه تتوشح بثوب الحرية والسلام والعدالة والإنضباط فى السلوك والأخلاق والجد فى أداء العمل مع الإستمتاع بمباهج الحياة فى البادية والحضر وبفكرها من غير إسراف أو غلو حتى فى أمور الدين الحنيف. نقلتني تلك السطور لأتابع بخيال العاشق والحلمان يقظة عائشة الفلاتية تضم "كرتلتها" تحت إبطها وقد حملتها الضرورة لفعل ذلك، فتأثرت حتى اغرورقت عيناي ومنظر الصبي أمامي يرد الساعة إلي صاحبتها ! ……. وما جبنت دمعاً عيناي …… لكن كما قال إمرؤ القيس فى ملحمة شعرية: وما جبنت خيلي ولكن تذكرتْ مرابطها في بربعيصَ وميسرا فتذكرت "هنا أمدرمان" و "بربرا" حيث أثار المقال فى نفسي نوستالجيا أيام طفولتي وأنا حينها كنت أحوم عقارب الساعة حول والدتي جميلة الطلعة والمحيا والخلق والسلوك الرفيع ( فهي كانت عشقي وحبي ليس لي غيرها وليس لها غيري) رحمها الله، أو ألعب وهي تغني بصوتها الجميل " يجو عائدين يا الله الفتحوا كرن باينين يا الله" كان ذلك فى الصباحات حيث لا يوجد بالمنزل سواها هي وأنا وهي تقوم من غير كلل بأداء مهامها المنزلية الرتيبة. شقيقاتها توفاهن الله فى ريعان شبابهن ولم نسعد برؤيتهن وأشقاؤها الإثنان كانا يعملان فى دواوين الحكومة بالخرطوم. لا أنيس لها سوى الجيران الكرام. أذكرها تمسح خلسة دموعها وهي تترنم بيجو عايدين والسبب أن أبناءها كانوا يتلقون تعليمهم الثانوي والجامعي في الخرطوم وكان الإتصال الوحيد معهم عبر رسائل البريد أو سلام وتحية عبر شخص قادم من الخرطوم فى مأمورية او لسبب ما. كانت تعد الشهور والأيام لقدوم ميعاد العطلة الصيفية التي تجمعها بهم. أما الكرتلة فقد عرفناها بعد دخولنا المدرسة الإبتدائية حيث تباع في البعض من الدكاكين ومكتبة بربر تتوسطها دائرة مختومة بخاتم من الرصاص وتحتوي على الرقم الفائز، وكانت تأتي من مصر وقد حذرونا أهلنا من التعامل بها لأنها حرام! أذكر أن بعضاً من التلاميذ كان يتعامل بها. وإلي يومنا هذا أجد نفسي لا تميل إلىشراء بطاقات اليانصيب رغم أغرائها للعامة بفوز ملايين الجنيهات فلم أجربها وبحمد الله لم أحتاج لعونها جاءنا هذه السنة ليعمل فى المستشفى قبل أسابيع طبيب نيجيري الأصل إسمه شيحو التيجاني. سلم عليّ سلاماً سودانياً حاراً حتى أنني خلته من أبناء السودان. وجدته يحب السودان ويكن إحتراماً لكل سوداني يلتقيه والسبب أن له تجربة فريدة قد عاشها قبل بضع سنين بالمدينةالمنورة عندما ذهب أول مرة لأداء العمرة. قال إنه التقى برجل شيخ وإبنه فى إحدى مطاعم المدينة وسلم عليه الشيخ بحرارة ظاناً أنه سوداني، لأنه بالفعل يشبهنا. المهم فى الامر أن تمت كالعادة بسرعة وعفوية المعرفة لدرجة أن الشيخ السوداني أهدى للطبيب ثوب الإحرام وعلمه كيف يحرم وكيف يؤدي مناسك العمرة وأضاف أنه استأجر له سيارة أجرة خاصة به لتقله رأساً من المدينة إلى الحرم المكي. ذكر لي أن الشيخ وابنه أعطوه رقم إتصالهم بأمدرمان ودعوه لزيارتهم إن كتب الله له فرصة حضور للسودان. قال لي بعد مرور كم سنة فكرت أن أعيد العمرة وأن أسافر عبر السودان حتى أتمكن من زيارة ذلك الشيخ الكريم وابنه. اتصل بهم وفعلاً حضر إلى السودان ووجد الشيخ يسكن فىدار رحبة بحي الموردة وهو رجل اعمال معروف. قال فرحوا بي وأكروموني كرماً لا حدود له. قال لي من أجمل ذكرياتي أثناء إقامتي الذهاب ليلاً إلي شاطئ النيل المجاور والجلوس عند المواطنين العفويين وهم يصطادون سمك النيل الذي يبلغ طوله متر و اكثر ثم يشونه على الجمر. أضاف كنت استمتع كل ليلة بوجبة السمك اللذيذة والمتعة كانت تتم أكثر بالإستماع في نفس الوقت لصوت عائشة الفلاتية. قال والله لو عاشت في هذا الزمن لجعلت أروبا وأمريكا يقفون على رجل واحدة. كان كلما يصبح عليّ يقول لي " عايشة الفلاتية ومحمد وردي" وباقي الجملة ضمير مستتر وكان مفهوماً لديّ رحم الله عائشة الفلاتية ورحم الله كل جيلها من أهل الفن والطرب والمدائح والدوبيت ومن تبعهم وكلهم تحت رحمة رب السماء بإذن الله فى الجنان ينعمون. مرة أخرى الشكر للدكتور عبدالله علي إبراهيم الذي تعجبني مقالاته القصيرة المحكمة ودسمة محملة بذكريات الزمن الجميل بدءًا من عطبرة الجميلة الحبيبة ومن ثم حول العالم. ليته يؤلف كتاباً بهذا الخصوص قصصياً توثيقياً تاريخاً ومضمون بعيداً عن السياسة الجافة، والنغني جميعاً يا صحابي مع الدعاء لزمن جميل عله يعود بفرحه وخلقه الراقي الرفيع وأمن الوطن والمواطنين من نيالا إلى محمد قولو من حلفًا إلى ملكال ، ويجو عائدين يا الله للوطن كل أبناؤك المهاجرون "سالمين غانمين " ويستقبلون بالفرح والدلاليك "تهبك" والنحاس والطبول تدق "معززين مكرمين"، آمين. عبدالمنعم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.