قبل 56 عاما صرخ مارتن لوثر كنج في واشنطون أمام مايقارب الثلاثمائة الف أمريكي اسود في موكب حركة الحقوق المدنية، المنادية بانهاء التفرقة العنصرية ومنح السود في امريكا كافة الحريات والحقوق المدنية والاقتصادية، بجملته القدرية "لدي حلم" ، فورا سكنت مقولته هذه التاريخ وخلدت في وجدان البشرية فقد كانت التجسيد الانصع لحلم إلانسانية المنسوج من نضالات ومرارات ودم ودموع واوجاع عرفت اقسي وابشع انواع الظلم في تاريخ البشرية. تحقق كل او كثير من حلم السود الامريكان في الحرية والمساواة ، وبقي الوحي الخالد لصرخة مارتن لوثر كنج عبر الأزمان حلما حيا يتزود منه كل مناضل من أجل حق وخير وحرية. في يوم الجمعة الماضي بعد مرور عام على اندلاع ثورة الحرية والسلام والعدالة وثمانية اشهر على اسقاطها لنظام الاسلاميين القمعي ، زار السيد الصادق المهدي إمام طائفة الأنصار الجزيرة ابا أعرق معاقل طائفته وخاطب الآلاف من أنصاره فيها ، حيث تحدث في جزء من خطابه عن الثورة التي اجمع عليها الكل بأنها الاعظم في التاريخ السوداني قائلا انه رأي رؤية اشارت له بسقوط النظام عبر انفجار بداخله.!! نعم بهذه العبارة االمبهمة والغامضة و المحاطة بسياج كثيف من القداسة وصف الإمام الصادق المهدي اسقاط الثورة للنظام . لم يطالب احد الإمام بتفسير رؤيته او معنى "سقوط النظام عبر انفجار بداخله "، فمثله يفصح حين يشاء، ويضمر حيث يريد ،وللرؤيا سياق، و للمكان وقع وللمتحدث تجليات ومقام ، وأهل العلم اللدني وأصحاب العهود ومريدهم هم وحدهم الإدري بالخوض في تفاصيل تلك العوالم واللغة والخطاب. خارج دوائر الغيبيات والولاء تلك ،فان كل ما يصدر من السيد الصادق المهدي يعتبر نشاطا حزبيا و كل ما يتفوه به يتم احتسابه كموقف سياسي . وبهذا التجريد فإنه لا مجال للتأويل في تفسير عبارة *سقوط النظام عبر انفجار بداخله* فهى تعنى شيئا واحدا فقط هو سقوط النظام نتيجة لتفجر صراعات داخلية بين مكونات النظام نفسه، وهذا القول بكل تأكيد لا يتعارض فقط مع حقائق وأحداث وتفاصيل الثورة السودانية التي لا تزال طازجة في اذهان كل الشعب السوداني ، بل يبخس الدماء التي سالت و يسيئ الي الارواح التي استشهدت و الي المواكب التي حرس الشعب سلميتها برجاله ون. واجب 4ائه واطفاله حتى سقوط النظام. لكن باى حال من الاحوال هذا التوصيف الذى صاغه في شكل رؤى منامية ، لا ينفصل عن النظرة الحقيقية للإمام الصادق المهدي لثورة ديسمبر- ابريل، فهو لم يترك مناسبة تمر الا و حاول النيل منها ، ففي الايام الأولى لانطلاقتها والتي صادفت عودته للسودان وصفها بانها " بوخة مرقة" ردا على مطالبة بعض شباب حزبه بمشاركة الحزب فى الثورة ، وفى مناسبة اخرى قال انها ليست "وجعا للولادة" بمعنى الا نتيجة ترجى منها . وها هو رغم مشاركة حزبه فى تكتل قوى الحرية والتغيير ومرور عام كامل عل الثورة لايريد الاعتراف بأن الثورة التى فجرها كل الشعب السودانى بما فيه عضوية حزب الامة العريضة و كيان الانصار هم من أسقطوا النظام . فما السر فى عدائه للثورة وحرصه العنيد على التقليل من شانها كلما اتيحت له الفرصة .؟ في رائيي المتواضع ان هنالك سببان وراء الموقف المتشنج للامام من الثورة رغم مجاراته لها مرغما ، الاول؛ انها ومنذ تفجرها قد نسفت الخط السياسى الذى ظل يقوده منذ توقيعه اتفاقية نداء الوطن بجيبوتى مع الرئيس عمر البشير فى العام 2000 ،والمتمثل فى الوصول لحل تفاوضى مع النظام يتم بموجبه استيعاب ومشاركة كل القوى السياسة فى السلطة بصيغة يتفق عليها وهو ما اصطلح على تسميته بالهبوط الناعم. والثانى -وهو الاهم - ان عداء الصادق المهدى للثورة ديسمبر – ابريل وحرصة الشديد على التقليل من شانها بشكل مستمر ، مصدره أنه يعرف انها تفجرت بوعى ثورى مذهل وعلى درجة عظيمة من الانتشار ،ظل يتراكم عبر الاجيال حتى اعلن عن نفسه متجاوزا التركيبة السياسية الاجتماعية بتشابكاتها ومعادلاتها التى ظلت سائدة منذ الاستقلال ، وهو يعرف ايضا ان هذا خلق الوعى المئات من القادة المستقبليين الذين يتمعون بقدر كبير من المصداقية والمعرفة والمقدرة على قيادة التغيير وعلى ادارة ازماتنا الوطنية الكبرى وهذا بالتحديد ما يراه تهديدا وجوديا لاستمرارية كل ما يمثله هو كزعيم سياسى وابن بيت طائفى. الى اين ستقود الافكار التى يحملها الامام عن الثورة .. الايام وحدها هى الكفيلة بالاجابة .