—————————— في الجزء الأول من هذا المقال "ومخاطر داخلية" اتفقنا على أن ثورة أهل السودان الجارية منذ ديسمبر 2018 ، أنها ثورة وعي عميق وتوق للتحرر ، تجاوزت نهائياً عدوها الخارجي (الاسلامويين بمسمياتهم المختلفة ونظامهم التافه الساقط) ، وبمعنى أنه لا ردة عنها ، وأن السؤال يكمن في : كم من الوقت ستستغرق في المسير إلى أهدافها ؟ وأن ذلك يتوقف على محاربة المخاطر الداخلية بتقويم الأوضاع داخل قيادة الثورة ، قوى الحرية والتغيير ، وفي هذا تعرضنا للانحرافات والأخطاء داخلها .. الوجه الآخر للمخاطر الداخلية في صفوف الثورة هي هذه الطريقة التي نعالج بها أمر السلام والذي لا خلاف على أولويته في استقرار البلاد وازدهارها .. السلام هو التحرر من الخوف ؛ بالشعور بالأمن والأمان ، وبالإطمينان على حاضر المعاش وعلى مستقبل الأبناء بالتعليم الجيد وبالصحة ومؤسسات العلاج المبذولة من الدولة ، والسلام هو الاستقرار وطلائع التنمية الحديثة التي تجلب الصناعات المرتبطة بالإنتاجين الزراعي والحيواني.. الخ.. القوى الحزبية والمدنية مارست نضالها السياسي في الداخل والخارج بالمنشورات والإصدارات والمذكرات التي عملت على فضح سياسات النظام ، وبالتظاهرات والانتفاضات في مواجهة تلك السياسات في الداخل ، وعلى عزل النظام سياسياً ودبلوماسياً وحصاره في الخارج .. والحركات المسلحة حملت السلاح في وجه النظام ميممةً شطر نفس الأهداف ولاستكمال الحصار السياسي والدبلوماسي للنظام بمحاصرته عسكرياً بالبندقية المناضلة .. هذا يعني أن الجميع ، أحزاب وقوى سياسية مدنية وحركات مسلحة ، قد ساهموا في إشعال الثورة وفي انتصارها كل بما تيسر له من وسائل ، وكل دفع الثمن الذي يليه : العمل السياسي السلمي في الداخل كان ثمنه التشريد والاعتقال ومواجهة ألوان من التعذيب السادي والقتل البشع والإصابة بالعاهات المختلفة والاغتصاب .. والعمل المسلح كان ثمنه أيضاً القتل والأسر والقنابل المتفجرة فوق رؤوس الأهالي في المدن والبلدات ، وأخيراً حرق القرى والمزارع والتهجير والاغتصاب .. وجاءت ثورة ديسمبر تتويجاً لذلك التراكم الهائل لسنوات النضال الجماهيري المدني والعسكري وكان مهر الانتصار الحاسم للثورة تلك الأرواح الشابة التي سقطت في سوح الثورة ، والجروح الغائرة والأعضاء المبتورة وعشرات المفقودين ؛ فهل هنالك ثمن مقابل كل ذلك ؟ هل هنالك أثمان ؟ ما هي ؟ ومن يسدد لمن ؟ الحقيقة تقول أن الثمن الوحيد الذي ينتظر الجميع هو استقرار هذا الوطن ووحدته ونهوضه تنميةً وعلماً وازدهاراً في فنونه وآدابه واقتصاده ، وهو تضميد جراح هذا الشعب واستعادته لحريته وحقه في العيش الكريم بل المترف ، وفي استتباب العدالة بين كل ابنائه تساوي ولا تميز بينهم بسبب اللون أو العرق أو الدين ، ذلك أن المنتصر هو الشعب كل الشعب بابنائه في طرفي الكفاح الوطني : المدني والعسكري ... إذن ما معنى المفاوضات ؟ من يفاوض من وعلى ماذا التفاوض اصلاً ؟؟ التفاوض ، وإعادة التفاوض ، والتنقل بالقضية من منبر لآخر كان مع نظام عدو في السابق واللاحق ، والعدو في كل الأحوال لم يكن ممثلاً لجهة جغرافية في السودان ولا لقبيلة معينة لنقول ، مثلاً ، أن الشمال اضطهد الآخرين وعمل على تهميشهم أو أن أهل الوسط مستأثرين بالسلطة والثروة ، وإنما هو نظام يمثل فئة أو طبقة محددة وليس جهةً أو قبيلةً أو عرقا .. وإذا تأملنا كل الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال سنجد فيها عناصر من مختلف جهات السودان وأعراقه ، عناصر تمثل طبقة لها مصالحها الخاصة المتشابكة والمتناقضة مع مصالح الشعب والوطن ، وما غلبة أفراد الشمال والوسط فيها إلا لمبررات تاريخية تتعلق بأسبقية انتشار التعليم الحديث في تلك المناطق .. المهم ، ودونما كثير استطراد ، نقول أن النظام/الكابوس قد انتهى ، كان التفاوض في السابق بين خصمين ، أما الآن فلا خصم تفاوضه الحركات المسلحة ، الثورة هي ثورة الجميع ، وحكومتها هي حكومة الجميع ، فلنعمل على استكمال النصر الذي أحرزناه ونحميه بالسلام لا أن نبعثره بالتجول بين عواصم الجوار الإقليمي والدولي ، ولتكن استحقاقات السلام هي أن نجلس جميعاً داخل الوطن ، وتحت حماية شعبه ولجان مقاومته ، لننظر في أمر شبابنا في صفوف الحركات المسلحة ، استيعاباً وإعادة تأهيل ، وأن نتوجه لأهلنا في معسكرات النزوح لنساعدهم في العودة إلى مواطنهم الأصلية وتعويض المستحقين منهم ووضع خطط التنمية الخاصة والعامة ، أن نخوض معاً معارك التنمية لنزرع السلام قوياً ثابتاً في طول البلاد وعرضها ، وانعم بها من استحقاقات ، فالاستحقاق للشعب قبل طلائعه المناضلة . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.