طالبت في المقال السابق المعنون " كيف (مُكن) غندور على قيادة اتحاد العمال" بان يقدم لنا كشف حسابه النقابي وماذا حقق للعمال؟ وخوفا من انتظار الذي لا يأتي، نتطوع بشر سجل غندور النقابي. وهو من كتبه وصدر باسمه ونشر رسميا. وسأقارن، باختصار شديد، كيف كانت تقدم الحركة النقابية إنجازاتها، وكيف كانت تفاوض الحكومة والمخدم. مما سيكشف لنا حجم ومقدار الدمار الذي حاق بحركتنا النقابية، تحت ظل السلطة الفاشية، وتحت قيادة ومسئولية غندور شخصيا. أصدر المركز القومي للإنتاج الإعلامي (المركز الذي أنشأه الامن للعمل الإعلامي)، وفي إطار سلسلة الوعد الحق، الاصدارة رغم (26) بعنوان: (مكتسبات الحركة النقابية في ظل الإنقاذ) بقلم إبراهيم غندور وهاشم محمد البشير، الطبعة الأولي 2005. الطابعون دار الفكر بيروت. والسلسلة هي محاولة لخلق إنجازات لسلطة الانقلاب، ومن ثم تسويقها للشعب السوداني. وقبل ان اٌناقش ما بداخله، أبدى هذه الملاحظات: أولا: رقم الاصدارة في السلسلة الرقم (26) وهذا، لوحده، يوضح مكانة الحركة النقابية في أولويات السلطة. ثانيا: تمت طباعة الكتاب في بيروت، وهذا جزء من أساليب الفساد والمآكل. وبلادنا لها بعض المطابع الجيدة وبكوادر فنية ممتازة. ثالثا: الكتاب مطبوع في ورق مصقول، يذكرك بالمجلات النسوية ويوزع مجانا. يتكون الكتاب من مقدمة وستة فصول وخاتمة، جدول ملحق، وأخيرا السيرة الذاتية لغندور وهاشم. الفصل الأول بعنوان لمحات من تاريخ الحركة النقابية العمالية من ص 14 وحتى ص 20. جاء به كلام عام عن نشوء الحركة النقابية في العالم الحديث. ثم يعرض المقاومة العمالية السودانية المتفرقة ضد الاستعمار. وبعدها يقفز على حقائق تاريخية معروفة ليعرض في نصف صفحة معارك ونضالات تاريخية كبيرة. وحتى هذه المساحة الصغيرة، تم داخلها تجاهل حقائق معروفة. ويقفز من عام 1950 ليتحدث عن مؤتمر الحوار النقابي 1990. ويبرر لقرار الانقلاب بحل النقابات بقول البشير: " عن الدواعي التي حدت بهم لحل الحركة النقابية والتي أجملها في ان بعض الاتحادات والتنظيمات النقابية كان لها ارتباطات حزبية صارخة وارتباطات خارجية ضد مصلحة السودان وان ضرورة مرحلة تأمين الثورة اقتضت صدور القرار". وقد احتل الحديث عن مؤتمر الحوار النقابي وتوحيده الحركة النقابية أكثر من ثلاث صفحات، بينما احتل تاريخ 43 عاما من نضالات الحركة النقابية تصف صفحة. ونلاحظ مستوي الضعف الذي صاحب اعداد الكتاب ان الفصل الثاني يتعلق بإنشاء وتكوين النقابات في السودان. والثالث عن مؤتمر الحوار النقابي، ورغم ذلك تحدث الفصل الأول عنهما. جاء الفصل الثاني بعنوان " انشاء وتكوين النقابات في السودان". وهو حديث تاريخي مبستر ومشوه وانتقائي يقفز قفزا فوق الاحداث والمواقف. " الحركة النقابية وفق مقررات مؤتمر الحوار النقابي" هو عنوان الفصل الثالث. وهو تلخيص لأوراق المؤتمر، والتغييرات الهيكلية التي ادخلها في الحركة النقابية، ودعوته لأسلمة الحركة النقابية تحت شعار التأصيل. جاء الفصل الرابع بعنوان " مكتسبات الحركة النقابية في مجال الأجور". ومن المتوقع ان يحوي هذا الفصل إنجازات ملموسة ومحددة. ولكنه جاء في صيغة معممة ويظهر ذلك من عناوين الفصل. تاريخ الأجور في السودان (5 صفحات). نشأة واهداف تكوين المجلس الأعلى للأجور وصلاحياته (6 صفحات) ثم إنجازات ذلك المجلس، (وهو هيئة حكومية) في صفحة واحدة وهي اجتماعات وتقارير حكومية. ولا حرف واحد عن إنجازات اتحاد العمال للعاملين. " آلية متابعة تنفيذ متطلبات هياكل الأجور" هو عنوان الفصل الخامس. وهو هيئة حكومية أخرى تتكون من 6 وزراء وممثل واحد لاتحاد العمال وآخر لإصحاب العمل. ثم عرض لصلاحياتها وأساليب عملها. ولا تشمل سطر واحد عن انجاز لجماهير العاملين. الفصل الأخير عن " تطور العلاقات الخارجية للحركة النقابية". تم ذكر أسماء الاتحادات العالمية والإقليمية التي يشارك اتحاد العمال في أنشطتها. ولم يذكر الفصل ان اتحاد العمال عضو مؤسس في معظم تلك الاتحادات منذ خمسينات القرن الماضي. وتأتي خاتمة خجولة في نصف صفحة تتحدث عن زيادة الأجور والإسكان الفئوي والمناشط الثقافية. يعقبها جدول (ملحق) يتحدث عن زيادات بأرقام الجنية القديمة لتعطي القارئ انطباعا بضخامة المبالغ. مع ملاحظة ان الاتحاد لم يقدم دراسة عن تكاليف المعيشة ليحدد على ضوئها الحد الأدنى للأجور كما درجت الحركة النقابية طوال تاريخها. الواضح والمؤكد تماما، ان الكتاب قد تجاهل تماما قضايا العاملين الأساسية، لأنه لم يتحقق منها شيء. ومن تلك القضايا: الاجور وشروط الخدمة والكادر الوظيفي، التشريد، بيئة العمل، حقوق العاملات، الضمان الاجتماعي، العمالة الأجنبية، الصحة المهنية، الغلاء، التدريب المهني، والحريات النقابية. سأعقد مقارنة سريعة ومختصرة جدا لضيق المجال. كانت النقابات واتحاد العمال تقدم تقارير سنوية لعضويتها تشمل إنجازات حقيقية وملموسة تمت خلال الدورة. مع ملاحظة صدور النشرات النقابية الدورية تحوي كل ما يدور داخل النقابات وما تقوم به من تفاوض ونتائج ذلك التفاوض، بل في بعض الأحيان كانت تصدر نشرات يومية، لعرض تطور الموقف التفاوضي. وأختتم بتقديم نماذج بسيطة ومحددة هي تعبير مركز عن عشرات المواقف المماثلة لها: تقدمت نقابة عمال السكة الحديد (دورة 49 -1850) بأجندة لاجتماعها مع المدير العام، شملت 18 مطلبا. وبعد الاجتماع أصدرت نشرة لكل العمال أوضحت ما تحقق وما لم يتحقق والخطوة القادمة التي ستتخذها النقابة. قرر المؤتمر الثاني لاتحاد العمال (1951) 9 مطالب منها: زيادة الأجور، تعديل القوانين المتعلقة بشروط الخدمة، تخفيض ساعات العمل، الاجازات المرضية، الغاء قانون الطوارئ. المطالب التي قدمها مؤتمر اتحاد العمال (1963) لحكومة عبود وشملت القضايا الأساسية. نفذ اتحاد العمال اضراب الكادر الشهير، الذي شاركت فيه أكثر من 100 نقابة. وأصدرت كتابا كاملا عن المطالب العمالية ثم المفاوضات منذ بدايتها، والمدة التي استغرقتها وتعنت الحكومة، وأخيرا اللجوء لسلاح الاضراب، وما تحقق بعده. (أعلاه، كما ذكرت، نماذج بسيطة لتاريخ حافل بالإنجازات والمواقف. من يود معرفة المزيد عنها يمكنه الرجوع لكتبي: وثائق هيئة شئون العمال، وثائق الشفيع احمد الشيخ، نضال النقابات ضد الاستعمار، وثائق النقابات حلال العهد الوطني.) عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.