——————————- لن نمل الإشارة إلى/الحديث عن المخاطر التي تعيق الثورة من داخل جدرانها ، إذ لا يجوز أن تكبلنا الاعتبارات السائدة "أتمنى أن نسميها البائدة قريباً" ، اعتبارات : ياخي ما في داعي ، ما تحرج الزول ، ما تزعل فلان أو علان ... إلى آخر المجاملات التي تضيع الحقوق وتنقذ "المخالفين" ، الاعتبارات التي يجب أن تزول أو تبقى محصورةً في الحياة الاجتماعية الخاصة ، لن تستوي حياتنا إذا استمرت مثل هذه المجاملات في الشأن العام ولن نفلح في مجرد البدء في تأسيس حياة عامة نقية وشفافة يسودها الصدق وتظللها الأمانة الشديدة والمبدئية النزيهة ، حياة عامة تماثل الثورة الفريدة ، ثورة العصر الجارية في بلادنا ، فتجاريها سمواً وصدقاً وإيثاراً ، تشابه القيم المدهشة التي أسسها وعاشها الثوار نساءاً ورجالاً في مجتمع الاعتصام المجيد ، فالتخلص من مثل هذه الاعتبارات هو المدخل الأساسي لإعادة التاسيس المنشودة ، فإذا اتفقنا أن ثورة ديسمبر / ثورة أهل السودان الجارية ثورةً جذرية وأنها - في جانب هام من جوانبها - ثورة وعي ووعي جديد فلماذا يكون بعض عناصر القيادة المنبثقة عنها بهذا المستوى المخجل ؟ ما الذي يجعل قيادتنا ، قوى الحرية والتغيير ، تعلن موقفاً وتفعل عكسه من شاكلة : "سنبني مؤسسات انتقال من كفاءات مستقلة غير حزبية" ، وعند التنفيذ يهرول كل حزب أو جماعة بقائمة أسماء تمثله ؟ (هذا رغم عدم قناعتي الشخصية بمضمون ذلك القرار) .. يتم استبعاد شخص من موقع لأسباب تنظيمية فيتمسك به وينفذ تمسكه ولا يسأله أحد !! .. مؤسسة من مؤسسات ق ح ت تتخذ قراراً فيقوضه بعضهم ويفعل عكسه ويكون تعليقه عند استفساره انه "أصبح أمراً واقعاً" ليصبح (الأمر الواقع) بعد ذلك سياسةً وشعاراً يتجول به السيد ابراهيم الشيخ بين مؤسسات ق ح ت ، غير أن (الأمر الواقع) يستحيل في المواقع الحكومية ليخيب مسعاه نحو "ولاية الخرطوم" رغم مشقة السفر إلى جوبا !! .. أما ظاهرة السيد التوم هجو و (معافراته) فلا حديث عنها اكتفاءاً بالرأي العام حولها .. مع التأكيد على أن ق ح ت هي قيادة البلاد ومرجعيتها في المرحلة الانتقالية ، وعلى أن حكومة الدكتور حمدوك بكل وزرائها هي حكومتنا ؛ نقدر سوء الميراث الذي تعالجه ، ونثمن انجازاتها كل التثمين متفائلين بالمستقبل ، مستقبل الثورة والبلاد ، ومع ذلك لا نرى سبباً ومعنىً في هدر الوقت والفرص بل ندين ذلك ، وأوضح مثالين في هدر وقت الثورة يمكن ذكرهما باختصار : - عدم الاهتمام بالآراء والاستشارات التي ترد في مقالات ورسائل الخبراء ، فمثلاً تقدم الخبير القانوني الاستاذ سيف الدولة حمدنا الله (وآخرون شفاهةً) بملاحظات حول الوثيقة الدستورية قبل اكتمالها وصدورها تتعلق بالأجهزة العدلية ، القضاء والنيابة العامة ، تجاهلتها ق ح ت آنذاك واليوم تدفع الثورة والبلاد كلها الثمن .. أما المثال الناصع الثاني هو الوقت الذي نهدر فيما سمي بمفاوضات السلام التي تجري خارج البلاد ، وقد يمتد هذا الوقت لأضعاف الفترة المحددة لها .. ووجه الغرابة في الهدر هنا - كما رددنا كثيراً - هو : مفاوضات بين من ومن ؟ بين أطراف ثورة واحدة ؟ ، وما هو السلام غير وضع السلاح ، الدمج في القوات المسلحة وإعادة التأهيل للمقاتلين ، تضميد جراح النازحين واللاجئين بإعادتهم إلى قراهم وحواكيرهم الأصلية وتعويضهم مادياً ؟ وذلك لعمري أسرع بكثير جداً من مفاوضات وقف العدائيات وفتح ممرات للمساعدات الإنسانية ان لم يكن في الأمر اقتسام سلطة وثروة أو مطالبات بأتعاب النضال .. - نتفهم أن في الطبيعة الانسانية نزعة من حب الظهور أو النجومية أو الرئاسة بمعناها الواسع ، وقديماً اعتبر "الحارثي المكي" في (قوت القلوب) ، وفي معرض الحديث عن الزهد ، اعتبر حب الرئاسة أعلى وأصعب من حب المال "لأن هذا قد يبذل في طلب تلك" ، غير أن هذه النزعة تتفاوت بين البشر تفاوتاً كبيراً في الكم والكيف .. - ونتفهم أن موروثنا في الأداء الحزبي والسياسي موروث ضعيف طابعه الأنانية ، التحزب الضيق ، حب الزعامة والنجومية ، الاستهبال السياسي ونهج "المكاوشة" ، ونتفهم أن التخلص من مثل هذا الموروث لا يكون بهذه السرعة ، ولكن علينا أن نبدأ (على الأقل) بشكل جدي ، أن نراه في الأحزاب والتجمعات (الحديثة عمراً والأصغر في متوسط أعمار عضويتها) مثل حزب المؤتمر السوداني ، حق ، التحالف الوطني ، كما رأيناه في شباب الثورة ، تظاهراً واعتصاماً ولجان مقاومة ، ونتطور أكثر وأكثر نحو التجرد التام في إعلاء مصلحة الوطن والمواطن وحب الحقيقة في الأجيال الجديدة الصاعدة جيلاً بعد جيل .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. /////////////////